أما وإن الأحداث تجرى سريعا ومشاهد من ثورة يناير تتكرر بكل تفاصيلها وحتى ببعض أشخاصها فإن دروسا هامة يجب الاستفادة منها، من ثورة يناير 2011 ربما تغيّر مجرى الثورة فى 2013. خلال الثمانية عشر يوما من 25 يناير إلى 11 فبراير، خصوصا عقب موقعة الجمل كان قد تأكد للكل أن نظام مبارك بلا مستقبل، وأن سقوطه النهائى مسألة وقت قد يكون ساعات أو أسابيع. هذا اليقين من النصر على نظام مبارك هو ما دعم حماس الملايين ودفعهم فى الشوارع والميادين واثقين من أن ساعة رحيل نظام مبارك آتية لا محالة. وفى ظل ذلك الحماس لم يجرِ التحضير بما يكفى لما بعد مبارك. لقد فاجأت قدرة الجماهير المصرية على الانتفاضة فى كل أنحاء مصر الجميع حتى من تحدثوا مرارًا عن الثورة. لذا عندما سقط مبارك لم يكن هناك بديل فورى لسد الفراغ فى السلطة خصوصا فى غياب قيادة موحدة واضحة للثورة قادرة على اتخاذ القرار سريعا، ووضعه فى حيز التنفيذ بعد حشد الجماهير حوله. كان من الطبيعى ساعتها أن تؤول السلطة التى خُلع منها مبارك إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. والغريب أن ذلك كان قرار مبارك نفسه المصاحب لقرار تنحيه عن السلطة. إن ما يجرى اليوم من إفلاس واضح للسلطة وعجزها عن تلبية مطالب الجماهير التى تنتفض يوميا. وانشغالها عن الأوضاع التى يعانى منها المصريون وانصرافها إلى تدعيم سلطتها وترسيخ الجماعة الحاكمة التى تحاول استبدال نفسها بالأسرة الحاكمة فى عهد مبارك، كل ذلك وغيره يؤكد أن فرصة بقاء مرسى وجماعة الإخوان فى السلطة تتراجع، وأن موجة الغضب الحالية التى تتصاعد يوميا وتتسع حدودها لتشمل محافظات وأقاليم الجمهورية، قابلة لأن تتحول إلى انتفاضة واسعة النطاق يعجز النظام بقمعه أو بحواره عن التصدى لها، ويكون الحل الوحيد أمامه هو الخروج من السلطة. إن احتمال اضطرار مرسى إلى ترك السلطة تحت ضغط الاحتجاج الجماهيرى يُلقى على عاتق القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة الاستعداد بطرح بديل لسلطة مرسى، وإلا فإن البديل الوحيد الجاهز هو العودة إلى سلطة المجلس العسكرى، بما يعنيه ذلك من العودة إلى الوراء لمرحلة من الثورة المصرية التى لم يتم اجتيازها سوى بصعوبة، وليس من المؤكد أن يتم اجتيازها مجددا بعد تجربة سلطة الإخوان. وجود بديل لسلطة مرسى ليس ضروريا فقط لتفادى فراغ السلطة الذى قد يحدث فى حالة خروج رئيس الجمهورية. لكنه إحدى آليات المعارضة المشروعة، فمعارضة أى نظام حكم يجب أن تكون مدعومة بتقديم بديل لهذا النظام سواء سياساته أو أشخاصه. وعدم تقديم المعارضة لهذا البديل يقلل بالضرورة من مصداقيتها لدى الجماهير المدعوَّة للاحتجاج على النظام. كما أن ترديد مقولة «الرئيس الشرعى المنتخب» بداعٍ ودون داعٍ لا يجب أبدا أن تكون فزّاعة فى وجه المعارضة. فأى نظام منتخب فى أى ديمقراطية تكون فى مواجهته معارضة تقدم البدائل، حتى إن فى عديد من الدول الديمقراطية ما يسمى بحكومة الظل التى تطرح سياسات وشخصيات بديلة للنظام المنتخب. إن استعداد القوى السياسية والجماهير للمسيرات والاحتجاجات ضد سياسات مرسى، صعود يجب أن يصاحبه الاستعداد ببديل للسلطة، بل إن طرح البديل فورا هو جزء من معارضة النظام والاحتجاج عليه. عديد من البدائل يمكن الاتفاق عليه بين القوى الفاعلة مثل اختيار أحد رموز المعارضة التى لم تتورط فى مواقف ضد الثورة لمدة محددة وبمهام محددة تتفق مع أهداف الثورة وتُجمع عليها القوى الجماهيرية، وأن لا يكون من حقه الترشح لرئاسة الجمهورية أو أى منصب تنفيذى بعد انتهاء تلك المدة. طبعا مع كل الاحتياطات الرقابية اللازمة. أو لجنة من الرموز السياسية المتفق عليها تتولى خلال فترة محددة تنفيذ مجموعة من المهام العاجلة التى تخدم أهداف الثورة وتضعها على الطريق الذى اختارته الجماهير التى انتفضت. إن احتمال تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية وإعادة طرح شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» يطرح على القوى المناضلة مهمة تبنى أمل الجماهير فى تحقيق شعارها وإسقاط النظام والانضمام إليها فى احتجاجها، وكذلك يطرح عليها مهمة صياغة بديل أو بدائل لهذا النظام وتقديمه للجماهير حتى لا تعود الثورة خطوتين للخلف.