يأتي رمضان هذا العام على الشعب السوري، وهم منقسمون في توجهاتهم السياسية، ومنقسمون أيضا في السيطرة على الأرض، فجزء يسطير عليه الجيش السوري في دمشق والمناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية للطائفة العلوية، وجزء يسيطر عليه المعارضة المسلحة متمثله في الجيش الحر في حلب وحمص، وجزء آخر يسطير عليه تنظيم الدولة، في الرقة، وجزء يسيطر عليه جبهة النصرة وجيش القتح في إدلب، وفي مناطق سيطرة كل هولاء يخضع المواطن السوري لقوانين مختلفة ومتخلفة ومتناقضة. وحمل رمضان هذا العام في أيامه الأولى مزيدا من "غارات البراميل المتفجرة" نفذتها مروحيات الجيش، و"هجمات انتحارية" قادها تنظيم الدولة المتشدد، بالإضافة إلى قصف عشوائي استهدف مناطق سكنية تسيطر عليها الحكومة. في دمشق، يمر شهر رمضان على الدمشقيين بسنته الخامسة من الأزمة في بلادهم. العادات والتقاليد الرمضانية تراجعت بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية، والتصريحات الحكومية والدولية هي إفطارهم اليومي على وقع صدى مدافع الحرب. تبدلت طقوس الدمشقيين في رمضان نتيجة الحرب، ف «التكريزة» الدمشقية، هي إحدى العادات المتعارف عليها لدى الكثيرين من سكان العاصمة، خاصة من الذين يحافظون على التقاليد القديمة، وهي عبارة عن خروج العائلات والشباب في رحلة نحو مناطق ريفية أو بعيدة عن قلب العاصمة، مثل الغوطة والربوة، حيث تلتقي العائلات قبل 15 يوماً تقريباً من رمضان، على الأكل الذي تتفرد السيدات في صنعه، أما الرجال فيقضون وقتهم بين الأحاديث وعزف العود والغناء. ومع ارتفاع نار الحرب، لم يعد لهذه العادة وجود بشكل كبير، فمعظم المناطق التي كانت مقصداً للعائلات أصبحت جزءا من خطوط التماس، كما أن ارتفاع أسعار اللحم والخضار لم يعد يسمح بالقيام بهذه الرحلات بشكل دائم. في أسواق دمشق يخصص الباعة تجارتهم بما يتناسب مع فترة الصوم، فباعة التمر الهندي والتوت الشامي والناعم والسوس، ينتشرون على الطرقات، وبضاعتهم وضعت أمام المارة في أكياس جاهزة للبيع. وفي مناطق سيطرتها، طالبت جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في الشام، المسلمين بالابتعاد عن مشاهدة المسلسلات. ونشرت جبهة النصرة تسجيلا مصورا، بمناسبة بدء شهر رمضان، حيث ظهر فيه القيادي عبد الله المحيسني ليحث من خلاله أرباب الأسر بمنع القنوات التليفزيونية التي لا تحترم هذا الشهر. وقال المحيسني خلال هذا الفيديو: "كيف تسمحون لهؤلاء أن يبثوا سمومهم بقنوات عريهم وفسادهم، أن يدخلوا بمغنياتهم وراقصاتهم على أبنائكم وبناتكم"، موجها النقد بشكل خاص لمجموعة قنوات إم بي سي السعودية. واعتبر أن هذه النوعية من القنوات "تستهزئ بدين الله وتبث الإلحاد والفسق والفجور"، محذرا من المسلسلات والبرامج التلفزيونية. أما تنظيم "داعش" بصلب طفلين في شمال شرق سوريا، بتهمة إفطارهما في شهر رمضان، وعلق التنظيم جثماني الضحيتين على سور مقر الحسبة في شارع البوكمال بمدينة الميادين، وفي رقبتيهما لافتة كتب عليها "إفطار بدون عذر شرعي". وكان تنظيم (داعش)، قد حذر المواطنين من الإفطار المتعمد في مناطق سيطرته بين العراقوسوريا، خلال شهر رمضان الحالي، متوعدا إياهم بعقوبات تضاهي حياة القردة في الأقفاص. واستمر مسلسل مأساة النازحين، حيث تتجمع مئات العائلات في مخيمات عشوائية، نصبت في السهول المحيطة بمدينة درعا، قرب الحدود مع المملكة الأردنية، بعد أن فرّت من قصف قوات النظام على المدينة التي تخضع معظم أحيائها لسيطرة المعارضة. ويعاني الفارين إلى منطقة الشّياح، الواقعة جنوبي درعا، من الخيم المهترئة بالعائلات، وتغيب أبرز المقومات الأساسية للحياة عنهم. ومع حلول شهر رمضان، ازدادت صعوبة الصيام للنازحين في ظل الحر الشديد، ومع ذلك يصر سكان تلك الخيم، بكبارهم وصغارهم، على تأدية ما يعتبرونه من أهم الفروض الدينية. الحاجة أم أحمد، قالت إن النازحين في الشيّاح يُعانون من تقصير في الدعم من قبل الهيئات والمنظمات الإغاثية المحلية، بعد أن وعدت الأخيرة بتأمين جميع احتياجات النازحين، من مياه الشرب، ووجبات الإفطار، وتأمين نقطة طبية تُعنى بالإسعافات الأولية، إلا أن ذلك لم يتم تنفيذه. أم أحمد، التي فقدت زوجها وابنها، في الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من 4 سنوات، فتعتني بابنتيها وأربعة أطفال الذين يقطنون في خيمة صغيرة، ويضطرون في أغلب الأحيان إلى قطع مسافاتٍ طويلة، لجمع الحطب، لاستخدامه في طبخِ ما تيسّر لهم من طعام، تقدمه لهم أحياناً عائلات مقتدرة، تقطن بجوار المخيم.