فضيحة الفيفا التى هزّت العالم خلال الأيام القليلة الماضية لم تكن سوى واحدة من فضائح تاريخية متعددة، شهدتها لعبة كرة القدم على مدار تاريخها، تجاوزت فيها حتى الرشاوى التى تدفعها الدول لاستضافة الأحداث الرياضية الهامة من أجل تعزيز مكانتها، ووصلت إلى درجة الاضطلاع فى التغطية على جرائم سياسية كبيرة. واحدة من كبرى تلك الفضائح كانت ما فعلته الأرجنتين فى كأس العالم عام 1978، فالديكتاتور الأرجنتينى خورخيه فيديلا، الذى كان قد وصل للحكم لتوه فى عام 1976 بعد انقلاب عسكرى، واجه مقاومة شرسة من المعارضة اليسارية، قرر فيديلا فى ذلك الوقت التخلص من معارضيه فى واحدة من أكثر جرائم التاريخ مأساوية، كانت قوات خورخيه فيديلا تقوم باختطاف المعارضين الذين كانوا يختفون بعدها إلى الأبد. بعد الإطاحة بفيديلا سيكتشف العالم أن السلطات كانت تقوم بإلقاء هؤلاء المختطفين من الطائرات فى عرض المحيط الأطلنطى، أما أبناء هؤلاء المختطفين من الرضّع فكان يتم تسليمهم إلى الأسر الموالية للنظام لتبنيهم. خلال عامى 76 و77 كان 30 ألف معارض قد اختفوا إلى الأبد، وكان الإعلام فى ذلك الوقت بدائيا، فلم تكن هناك فضائيات، ولم يكن هناك الإنترنت، لم يكن سوى التلفاز الحكومى والصحف الحكومية، كانت الناس تستمع إلى همسات هنا وهناك حول عمليات الاختطاف، لكنهم جميعًا ظنوها مجرد شائعات، أو هكذا أرادوا أن يظنوها، لكن حدثًا حدث مع بدايات عام 1978 أخرج الأمور عن السيطرة، فأمام قصر الرئاسة الأرجنتينى، فى ساحة مايو، خرجت عشر أمهات يرتدين غطاء رأس صغيرًا، وقد طرزن عليه أسماء الأبناء المختطفين، أسقط فى يد الشرطة، هؤلاء سيدات عجائز، لا يتظاهرن، لا يهتفن، لا يحملن لافتات، هن فقط يَسِرْن فى ساحة مايو بشكل تلقائى تمامًا، ماذا قد تفعل الشرطة تجاه هؤلاء. كان لظهور أمهات هؤلاء المختطفين وقْع الصدمة فى المجتمع الأرجنتينى، إذن هذا صحيح، فهناك مختطفون، وهناك مختفون، لم تدرك السلطة فى الأرجنتين ما الذى يتوجب عليها فعله، لكن كأس العالم كانت على الأبواب وستقام تلك المرة فى الأرجنتين، أدرك فيديلا أن الكرة هى أيضًا أفيون الشعوب، وأن فوز فريق بلاده بكأس العالم يمكن أن يُنسى الناس جريمته تلك، أنفق فيديلا على الفريق الأرجنتينى أموالا طائلة، لكن الفريق كاد يخذله، وأخفق كثيرًا، وكان فى حاجة إلى أن يفوز على الجارة بيرو بفارق أربعة أهداف كاملة، وكانت المفاجأة أن فازت الأرجنتين فى تلك المباراة بستة أهداف لا بأربعة فقط. بعد سنوات طويلة سيكتشف العالم سر ذلك الفوز الذى غيّر التاريخ، وسمح للأرجنتين بالصعود إلى النهائى، لقد قدمت الأرجنتين إلى بيرو حزمة واسعة من المساعدات العينية والمادية، وتنازلت عن مديونية لها لدى الجارة الفقيرة، مقابل أن تنهزم بيرو أمام الأرجنتين، بإمكانك أن تشاهد أهداف المباراة الموجودة على ال«يوتيوب»، لتشاهد الأداء المضحك والهزلى لفريق بيرو أمام الأرجنتين من أجل تمرير المباراة. أمسك الأرجنتينيون بالكأس فى النهاية بعد هزيمة هولندا فى مباراة لم تخلُ هى الأخرى من الفساد، وسلم فيديلا الكأس لمنتخب بلاه الفائز، ونسى الناس حكاية المختطفين وأمهاتهم، لكن لوقت قليل، فما لم يعرفه فيديلا أن الناس ستنسى سريعًا الكرة لتنشغل بهموم حياتهم المتردية، وأن أمهات ساحة مايو ستكبر أعدادهن بشكل مفجع، وبأنه سيدخل إلى السجن بعد سنوات طويلة، حيث سيموت فيه مدانًا عام 2013 بتهمة اختطاف وإخفاء 30 ألف شخص.