وافق القاضي السابق رفعت السيد على التصريحات العنصرية لوزير العدل المشلوح محفوظ صابر، ثم أصبغ الموافقة بنص يبدو دينيا، حينما قال: "نعم عامل النظافة تربى على الشحاتة، والعرق دساس". والتصريح يحيلنا إلى مجموعة من الأسئلة؛ هل القاضي يحكمه القانون والدستور أم النص الديني؟! و إذا لجأنا للنص الديني فلماذا لا يوحد معاييره ويطلب رأي الدين في توريث المناصب ومنع تكافؤ الفرص؟ ثم ماذا لو تعارض هذا الاستنتاج الديني مع العلم؟ وما تفسيره لتورط بعض أبناء السلالات النقية في الجريمة وآخرهم في قضية منع النشر فيها تتعلق بجناية كبرى؟ وكيف حكم القاضي السابق على عمال النظافة بالشحاتة (عموما)، وهو القاضي الذي تعلم قاعدة خصوصية الاتهام؟ والأسئلة تحيلنا لمجموعة أخرى من الإجابات؛ منها أن النص الذي استند إليه القاضي السابق ليس دينيا، بل حديث منسوب للرسول ثبت عدم صحته، كما أنه خاص بالزواج و اختيار النطف. وهو أمر يشي بنقص ثقافي ومعرفي واضح، بل تغطية الموقف العنصري بإطار ديني يقويه، مثلما لجأ آخرون منذ سنوات لاجتهادات دينية تمنع تولي المرأة منصب القضاء، باعتبار أنها تفصل بين الناس، ولا يصح أن تفصل بينهم وهي حائض. بل تماهى مع هذا المنهج تصريحات تمييزية أخرى ظهرت كالعفن على سطح الجدل، ترى أن الله خلق البشر طبقات ومن الطبيعي أن تعلو إحداها على الاخرى. وهو تفسير يحكم على الحراك الاجتماعي بالانسداد، رغم أن رئيس نادي القضاة نفسه ينتمي لأسرة عملت بالحلاقة قبل أن يعلمه الأب المكافح بحصاد الرؤوس، ويصعد به التعليم إلى منصة المركز المرموق. على الضفة الأخرى للجدل، هاجمت أصوات أخرى المطالبين بتعيين ابن عامل النظافة في القضاء واتهموا الأصوات الغاضبة بالمزايدة، لأن الزبال لأن يصبح قاضيا حتى لو أقيل الوزير، وأن المجتمع كله عنصري ويخفي عنصريته بمواقف شفوية مثالية، فلا يقبل أحدنا أن يزوج ابنته لزبال أو ابنه. والطرح برأيي يحمل تمييعا للمطالب وتيئيسا لجهود المساواة والعدل؛ فالدولة ككيان يصبو للعدالة والمساواة ويجب أن تسبق عيوب المجتمع لتتلاشاها مستقبلا لا أن ترسخها. والأمثلة كثيرة؛ كان الدستور الأمريكي مثلا لا يعترف بالعبيد كأفراد لهم حقوق المواطنة والانتخاب، وبعد تعديلات احتسب صوت العبد بربع صوت، ثم أصبح صوتا حرا، بل نال حقوقه النيابية إلى أن حرم التمييز على أساس اللون. وكل تلك الحقوق السياسية لم يوازيها مجتمع خالِ من العنصرية. ظل التمييز مجتمعيا لكن القوانين لم تخضع له، ولاحقته. هل تتذكر حادثة جراوند زيرو، أراد المسلمون بناء مسجد بالقرب من مكان أحداث 11 سبتمبر، رفضت الاغلبية بشدة، لكن عمدة نيويورك اليهودي مايكل برومبيرج أنصف المسلمين لأن الدستور يبيح لهم ذلك، لكن الجالية المسلمة تراجعت بإرادتها حتى لا تثير حساسية الناس. الواقع ليس مسوغا لترسيخ التمييز، هكذا علمتنا دروس الأمم الناهضة، بشرط احترام القانون وشلح العنصريين.