كتبتها فى هذا العمود من قبل، وسأكرّرها اليوم... من النصر ما هو قمة الهزيمة، ومن الهزيمة ما هو ذروة النصر... أكرّرها من أجل كل من يتصوّرون أن إسلام البحيرى، الذى لم ألتق به قط، قد انهزم أمام مشايخ الأزهر.. الواقع أن ما حدث هو أن إسلام فتح العقول على تساؤلات، قاتل المشايخ طويلًا؛ لمنعنا من طرحها؛ لأنهم لا يمتلكون أجوبة منطقية لها. كل ما يمتلكونه، أو يتصوّرون أنهم يمتلكونه، هو الهجوم على من يطرحها أو يفكّر فيها، ومحاولة إقناعه بضرورة أن يحصل على الدكتوراه، أو ينحنى ليقبّل أيديهم، حتى يكون مسلما مؤمنا!!! إسلام طرح الأسئلة، ولن تتوقّف العقول عن البحث عن أجوبة لها، حتى لو علّقتم المشانق للكل، بل إن محاكم تفتيشكم، التى سيخزيها ويخزيكم التاريخ بسببها، هى التى ستساعد على انتشار التساؤلات، وستستحث على البحث عن الأجوبة، التى لا تجيبونها أنتم. ستبحث العقول عن الأجوبة عند غيركم، فلا جدوى من البحث عن جواب، مع مختل يكفّرك أو يهدر دمك، إذا ما عارضت فكره.. عندما فعلها المتطرفون، ثرنا عليهم، وواجهناهم بأنه لدينا الأزهر، منارة الفكر والدين.. ثم فوجئنا بأن الأزهر قد قرّر إطفاء المنارة، ورفع السلاح فى وجه من يختلف معه، وهو أسلوب العاجز الفاشل، وليس أسلوب العالم المفكّر الرصين، الواثق من علمه ودينه.. وكفاكم، بالله عليكم، ادَّعاء أنكم تدافعون عن الدين ورب الدين، الذى منح فى كتابه العزيز لمَن شاء أن يؤمن، ومَن شاء أن يكفر، ولم يمنح البشر حق محاسبة البشر على معتقداتهم، وإلا لكان هذا نظاما قمعيا ديكتاتوريا، وليس دينا حنيفا. إياكم أن تدّعوا أنكم تدافعون عن الدين ورب الدين المنتقم الجبار الحكم العدل، فلم نسمع يوما عن نملة تدافع عن ديناصور، علما بأن الفارق بين النملة والديناصور، أقل بمليارات المرات، من الفارق بين المخلوق الفانى، والخالق الواحد الأحد، الحق الصمد.. ولكنه الإنسان.. خلقه الخالق عزّ وجلّ من نطفة، فإذا هو خصيم مبين، يرى أنه الأقوى، وأنه يستطيع، مهما بلغت قوته، أن يدافع عن خالقه، الذى بث الروح فى الكون، والذى بميكروب لا تراه العين المجرّدة، يستطيع أن يفنى المخلوق، أو يضعه فى حالة عجز كلى. أنتم لا تدافعون عن الدين أو رب الدين أيها الكاذبون؛ لأن الأضعف لا يدافع عن الأقوى.. أنتم تدافعون عن أنفسكم، وسلطاتكم، التى ينبغى تجريدكم منها، وعن مكانتكم الروحية، التى منحتموها لأنفسكم.. إسلام لم ينهزم؛ لأنه صاحب فكر، سيشق طريقه إلى عقول الناس، مهما قلتم وفعلتم وتوحّشتم.. والإسلام لم ينهزم؛ لأن له ربًّا يحميه منكم.. أنتم الذين انهزمتم فى معركة الفكر والشرف.. أنتم الذين دشّنتم عصر ديكتاتورية دينية ثيوقراطية، ثار الشعب كله يوما؛ للخلاص منها. أما عن إهدار واستباحة الدم، الذى صار علكة فى أفواهكم، دون ضابط أو رابط، فهو مسؤولية الدولة والقانون؛ لأنه لو نطقها مواطن أمريكى مثلًا، لحوكم بتهمة التهديد والتحريض على القتل؛ لأن أمريكا، التى يصفونها طوال الوقت بالغرب الكافر، تؤمن بحرية العقيدة والفكر، وقانونها يحمى المواطن من هذيان أى عقل مختل، ولو لم نصدر قانونا جادا يجرّم لعبة إهدار الدم واستباحته هذه، فسندخل فى فوضى اجتماعية بلا حدود. فوضى سيقودها الأزهر والأزهريون؛ مستغلين أن الدولة تدلّلهم هذه الأيام، باعتبارهم حائط صد للأفكار المتطرفة، ولكن ما يفعلون يؤكّد أنهم قد صاروا امتدادًا للفكر القمعى المتطرّف.. وبشهادة رسمية معتمدة من الدولة، التى يفترض منها أن تحمينا من كل مهووس، سواء أكان مصريا، أم أزهريا.. مستثنى بإلا.