لم يكن الحاج مصطفى البشتيلى يتوقع أن تكون هذه نهايته بعد أن مهد للثورة وأعد عدتها وقاد ثوارها. فالرجل تم القبض عليه عندما أتت الأخبار للحملة الفرنسية أنه يخبئ البارود فى قدور وكالته فى بولاق أبو العلا، وأفرج عنه بعد ذلك بعد اتفاقية للجلاء، ولما تم نقضها استعاد الشيخ مصطفى قوته وقدرته على إلهاب مشاعر الجماهير وقرروا أن يذودوا عن حيهم. أتى كليبر إلى بولاق أبو العلا وحاصرها وبدأت نيران المدافع تنهال من كل صوب على البيوت، وتحطمت الوكالات والدكاكين ومصادر الرزق، فاتحد الفقر مع الخوف ليصنع صورة مثالية للبؤس مجسما. فى البداية رفض البشتيلى ومن معه الصلح الذى نادى به البعض من أجل الفقراء الذين يتضورون جوعا ويموتون خوفا، ولكن المقاومة للأسف لا تستمر وتسقط بولاق أبو العلا بعد استسلام أهلها ويتم فرض غرامات جسيمة عليهم من قوت أولادهم ويتم اعتقال القائد مصطفى البشتيلى. كان من الممكن أن يعدمه الفرنسيون أو يعلقوا رأسه على أبواب الحى ليصبح عبرة لمن يتجرأ على مقاومتهم، ولكنهم ادخروا له نهاية أفظع، فقد خرج الواشون يقنعون أهل بولاق أبو العلا أن البشتيلى هو السبب الرئيسى فى ما حاق بهم من دمار، وأنه لولا عصيانه وتمرده لما مسهم أذى ولعاشوا هانئين، وبعدها أطلق الفرنسيون سراحه وألقوه بين يدى أهله الذين كانوا معه منذ أيام، فأحاطوا به وضربوه بالعصى والنبابيت حتى مات. الانتقام لا يكون دائما قتلا بالنبابيت، وإنما من الممكن أن يكون كراهية بين النفوس، وتخوينا لكل رفقاء الأمس، وتحقيرا لكل اجتهاد، وتثبيطا لأى همم. الثورة ليست دائما جحافل عريضة ترج الشوارع، بل لا بد أن تبدأ أولا من اقتناع وإيمان وصبر وعزيمة البسطاء، الذين ننساهم دائما فى غمرة المعركة.