يتحدث الرئيس نهارا عن شهداء ثورة 25 يناير.. فتضيف الشرطة ليلا برصاصها مزيدا من الشهداء. يتحدث الرئيس نهارا عن التظاهر الذى يعطل مصالح الناس.. فتتصدى الشرطة لفض مظاهرة سلمية من عشرات الأشخاص. يتحدث الرئيس عن احترامه للأحزاب.. فتمنع الشرطة بقنابل الغاز والخرطوش حزبا شرعيا وقانونيا وشريكا فى تحالف 30 يونيو من النزول إلى الشارع بعشرات الأشخاص فى مسيرة رمزية جدا لا ترفع إلا لافتات الثورة التى يشيد بها الرئيس والورود من أجل الشهداء الذين يحييهم الرئيس . يتحدث الرئيس عن احترامه لحقوق الإنسان، بينما تتصدى الداخلية بعنف لمظاهرة شرعية ينظمها حزب شرعى للمفارقة مؤسسه هو السياسى المخضرم عبد الغفار شكر، الذى يعمل فى الوقت نفسه نائبا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان. ما الرسالة التى تفهمها من وراء كل ذلك؟ لا تعوّل كثيرا على ما يقوله الرئيس. ■ ■ ■ لكن الأرجح أن شيماء الصباغ عوّلت ولو قليلا على كلام الرئيس. هى تنتمى إلى حزب التحالف الشعبى الذى لم يدعم يوما العنف ولا الإرهاب، وكان إلى جوار الجميع فى حشود 30 يونيو، لم تخطط مع حزبها لقلب نظام الحكم، ولا تفجير قلب ميدان التحرير، وقفت فى ميدان طلعت حرب بلافتة ووردة، لم تحمل زجاجة مولوتوف، وبالقطع ليست من الإخوان المستباحة دماؤهم عند السلطة لمجرد أنهم إخوان. تركت طفلها عند صديقتها وجاءت لتنخرط فى فعالية حزبية (المسيرات والفعاليات الحزبية فى الشارع جزء من عمل الأحزاب التى يقول الدستور إن نظام الحكم يقوم على الحياة الحزبية)، وفى وقت يشجع فيه الرئيس الشباب على الانخراط فى الأحزاب الشرعية. لم تهتف شيماء سوى للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى شعارات المفترض أنها لا تغضب أحدا، وتعبر عن ثورة مدونة فى الدستور وفى خطابات الرئيس. أكان لا بد أن تصدق شيماء الرئيس وتعوّل عليه؟ أم كان من المفترض أن تتأكد أولا أن كل هذه الأحاديث الجميلة ليست طق حنك أو كلام مدهون بزبدة ، أو على الأقل نية طيبة لا تلزم أحدا فى الدولة ؟ ما الرسالة التى تفهمها من وراء كل ذلك؟ قبل أن تثق فى ما يقوله الرئيس، عليك أن تسأل الداخلية أولا إن كانت أحاديث الرئيس تلزمهم. ليس معنى أن الرئيس قال، أن شيئا بالضرورة سيتغير. ■ ■ ■ دعه يقل.. ودعنا نفعل ما نريد .. ببساطة يمكن تلخيص ما جرى يوم استشهاد شيماء بهذه الجملة، وببساطة تستطيع أن تفهم أن كل الأحاديث الرسمية عن ثورة يناير وحقوق الإنسان والدولة الديمقراطية المرتكزة على الأحزاب الشرعية والدستورية ليست أكثر من كلام، فإذا كان الكلام الحلو يأتى من القصر الرئاسى، فالفعل يأتى على النقيض تماما من عقول لا تعترف بكل ذلك، يناير بالنسبة إليها مؤامرة، والتظاهر أيا كان شكله ونوعه ومنظمه هو تهديد لهيبة زائفة، يريد أولئك استعادتها بالعنف والترويع والتخريف، والأحزاب التى نعوّل عليها ممنوعة من الأساس من نزول الشارع، والزناد سالك وسهل ومرجح، فمن اعتاد على القتل وأفلت دون إدانة واحدة، لماذا يفكر قبل أن يطلق الرصاص؟ ولماذا يكترث لمن يموت إن كان وراءه جهاز قادر على الدفاع عنه وإخفائه، وتمرير المعلومات المضللة لرجاله فى الإعلام، وخلط الأوراق بعضها ببعض لحشر الإخوان فى أى جملة مفيدة؟وعندما يزيد الضغط يقدم لمحاكمة وخلفه أيضا الجهاز الذى ينتمى إليه ويدافع عنه، مكلفا بالتحرى وجمع الأدلة. ■ ■ ■ هل الشرطة جزء من المؤسسات التى يترأسها رئيس الجمهورية؟ أم أنها وحدة فيدرالية لديها حكم ذاتى لإدارة شؤونها وتحديد سياساتها ومواقفها؟ أم أنها تفهم أن كل حديث للرئيس عن يناير والدستور وحقوق الإنسان هو مجرد حديث للاستهلاك المحلى لا يعبر بأى شكل عن قناعات الدولة ومن يترأسها؟ وأيا كانت الإجابة، إلى متى يمكن أن يصمد انفصال القول عن الفعل ولا ينال من صاحب القول نفسه؟ ■ ■ ■ لا تسقط الأنظمة فقط بسبب أعدائها.. أحيانا يكون العدو أرحم بكثير من الصديق الغشيم.