لم أرَ طوال حياتى التى أفنيتها فى متابعة وتشجيع وتحليل كرة القدم، لم أرَ ناديًا يكره نفسه ويحارب أبناءه ويقتل طموح جماهيره مثل نادى الزمالك. ففى الوقت الذى تحسن فيه أداء الفريق وظهرت له بعض الأمارات ولاحت أمامه فرصة المنافسة على البطولة الإفريقية، وانتعشت جماهيره من الصعود السهل لدور الثمانية عقب الفوز على الفاسى المغربى ذهابًا وإيابًا، وبينما منافسه العتيد ضربت لاعبيه وإدارته هزة نفسية مأساوية فى أعقاب مذبحة بورسعيد، ثم تبعها رحيل أيقونة انتصاره وتميمة بطولاته مانويل جوزيه، فوجئنا بإدارة الزمالك تأبى أن تستثمر الفرص التى نادرا ما يجود عليه الزمان بمثلها ويغرق نفسه بكامل إرادته ورغبته فى مشكلات وأزمات وخناقات واستقالات وقرارات غبية ومتهورة لا تخضع لأى قيم أو معايير وأغلبها بُنى على مصالح شخصية وضغائن بين القائمين على شؤون النادى والجهاز الفنى واللاعبين. فالقرار الذى اتخذه مجلس إدارة النادى فى غياب رئيسه لا يقف عند حدود القرارات الخاطئة، بل يمتد أثره إلى تدمير المنظومة الكروية فى الفريق، وإرساء قواعد السيطرة للاعبين على مقدرات الفريق وتهميش دور المدرب ونقله إلى موقع الخادم الذليل للنجوم، هذا ما يمكن أن نفهمه من قرار قبول استقالة الكابتن حسن شحاتة، اعتراضًا منه على تباطؤ مجلس الإدارة فى معاقبة شيكابالا، ورغبة (رُفض قراره باستبعاده) ميدو بإعطائه فرصة أخرى لمدة 6 أشهر. وهنا أريد أن أوضح الأخطاء الكارثية التى وقع فيها مجلس الإدارة: أولاً: تباطؤ وتقاعس فى معاقبة شيكابالا على التصرف غير الأخلاقى باعتراضه الأحمق على مدربه فى أثناء استبداله فى مباراة المغرب الفاسى، فجسامة الخطأ كانت تستوجب سرعة العقاب أو العقاب الفورى، وهو أمر لا يحتاج إلى انتظار تقرير الجهاز الفنى أو الاستماع إلى أقوال اللاعب. فالتصرف كان يتحدث عن نفسه والسلوك الشائن فيه إهانة للمؤسسة الرياضية قبل أن تكون إهانة لحسن شحاتة. فاللاعب أساء للزمالك وأخطأ فى حق القيم التربوية والأخلاقية التى تقوم على أساسه أى منظومة محترمة، وبالأخص المنظومة الكروية والجماهيرية، والتى يكون فيها اللاعب قدوة للجماهير وممثلا لقيم وسلوك المؤسسة المتعاقد معها أمام الرأى العام، إلى جانب الخسارة المعنوية التى لحقت بالنادى من هذا السلوك، هناك خسارة أخرى مادية غير مباشرة، حيث يقلل التصرف الشائن الذى يقع من أحد أفراد المنظومة، خصوصا نجومها من السعر السوقى لنادى الزمالك. فأغلب المعلنين والشركات الكبرى تتراجع عن رعاية الأندية التى تسىء إلى قيم المجتمع وأخلاقياته وسلوكه، من هنا فإن سلوك شيكابالا كان يستوجب اتخاذ الإدارة العقاب الفورى (راجعوا قرارات إدارة الأهلى فى أحداث مشابهة) دون انتظار تقرير المدرب الذى قد يسامح اللاعب لطيبة قلبه أو خوفه أو حرصه على عدم خسارته فى هذا التوقيت. فرأى المدرب هنا ليست له قيمة كبيرة ما دام أن الخطأ يمس المنظومة الأخلاقية للنادى، ولكن المصيبة أن جميع أعضاء مجلس الإدارة، وعلى رأسهم ممدوح عباس، يخشون من اتخاذ أى قرار خوفًا من شعبية شيكابالا ونجوميته، وطلبوا من حسن شحاتة أن يتخذ هو العقوبة حتى يهربوا من مواجهة مسؤولياتهم أمام الرأى العام. ثانيًا: من الأسباب التى تدفعنى إلى عدم لوم شحاتة على الاستقالة الفورية هو تدخل أعضاء المجلس فى عمله وإصرارهم على بقاء أحمد حسام ميدو، وهو قبل أن يكون استهانة واستهتارا برأى مدرب كبير وعظيم وله بصمة على الكرة الإفريقية والإفريقية، هو أمر يتعارض مع القواعد الأساسية للصلاحيات الممنوحة للمدرب، التى تعطيه الحق فى استبعاد من يراه غير مفيد للفريق ولا يحقق رؤيته الفنية. وبعيدا عن حقوق المدرب، فإن استبعاد ميدو يحتاج إلى رؤية فنية متعمقة من مدرب كبير أو صغير، فأى مشجع بسيط يستطيع بالعين المجردة أن يصل إلى نفس النتيجة التى وصل إليها حسن شحاتة، أما وأن مجلس الإدارة له رأى آخر، فهذا أمر مرجعه شبكة مصالح وعلاقات تتحكم فى تسيير دفة الأمور بالنادى، وهو أمر له حديث آخر.