عندما تكون مصر هى المستهدفة فى وحدتها وهويتها بل وفى وجودها عندها يجب أن لا يكون هناك مجال لخلاف بين مصريين أيا كانت انتماءاتهم الفكرية أو الحزبية أو الدينية أو حتى الطبقية إلا على قاعدة فرز واضحة جدًّا ومحددة: أن نكون مع مصر الكيان والهوية أو لا نكون. من هنا تأتى أهمية مبادرة تشكيل الجبهة الوطنية لمواجهة الإرهاب. تشكيل هذه الجبهة، فى هذا الوقت بالذات يحمل ثلاثة معان، أولها إدراك القوى السياسية المبادرة فى الدعوة لتشكيل هذه الجبهة لخطورة مشروع الإرهاب الجديد، الذى تمثله «الدولة الإسلامية» الداعية إلى تحويل مصر إلى «ولاية إسلامية» ضمن «دولة خلافة إسلامية» يتزعمها المدعو أبو بكر البغدادى (شيخ المجاهدين أبو بكر الحسينى القرشى)، ذلك الإرهابى سليل تنظيم «القاعدة»، الذى يحمل اسم عبد الله إبراهيم السمرائى، فمشروع ما يسمى ب«الدولة الإسلامية»، الذى كان يحمل فى السابق اسم تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) تفوَّق على تنظيم «القاعدة»، وبدأ يتزعم قيادة تيار «السلفية الجهادية»، ويسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية «دولة الخلافة» على أنقاض كل دولة فى المنطقة بعد أن فرض نفسه على أجزاء من العراق وسوريا، وأخذ الآن يتجه صوب مصر لتكون تحت ولايته. هذا يعنى أن مصر ستكون مهددة فى وجودها، وفى هويتها الوطنية ومشروعها الوطنى الديمقراطى، ودورها القيادى فى العالم العربى. تشكيل الجبهة يعنى ثانيا أن القوى السياسية المؤسسة والمشاركة فى هذه الجبهة باتت تعى محورية دورها الوطنى الآن، وبالذات إدراك أن المعركة فى مواجهة هذا الخطر لن تكون أمنية فقط، فهى مواجهة سياسية وعقائدية لدحض فكرة أو دعوة «الخلافة الإسلامية» من جذورها، وهذا هو دور كل علماء المسلمين، وهى معركة سياسية مع شرائح مصرية تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى، سواء أكانوا ممن ينتمون إلى التيار السلفى الجهادى، أو ممن ينتمون إلى التيار السلفى بمجمله، لأن الطرفين سيكونان مستهدفين من تنظيم «داعش» الذى يرفض أن يسمى ب«الدولة الإسلامية» وليس «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» فى إعلان منه أن ولايته تتعدى العراق والشام إلى كل بلاد العالم الإسلامى، معركة جوهرها: أنتم مع مصر أم مع دعوة «الخلافة الإسلامية». المعركة مع تيار السلفية الجهادى منه وغير الجهادى هدفها هو قطع الطريق على تنظيم الدولة الإسلامية أن يصل بمشروعه إلى هذا التيار، وهى معركة حول الوطنية المصرية، وتبقى المعركة مع الإخوان وجماعتهم داخل مصر فى أولوية المواجهة، لأن الإخوان هم قاعدة التكوين لكل تيار «السلفية الجهادية» من ناحية، ولأنهم أول المستهدفين فى مصر من جانب «داعش» كى يكونوا قاعدة بناء «داعش» فى مصر. لم يعد أمام الإخوان مجال من الآن للاستمرار فى مخطط ما يسمونه ب«إسقاط الانقلاب»، لأن الحرب الإرهابية الجديدة هدفها إسقاط مصر كلها بكل ما فيها وليس أمام الإخوان غير الاختيار، إما أن يكونوا مع الحفاظ على مصر وطنًا آمنًا مستقرًا لكل المصريين وإما أن يكونوا ضمن مخطط الإرهاب الذى يستهدف إسقاط مصر. المعنى الثالث لتشكيل الجبهة الوطنية لمواجهة الإرهاب أن القوى السياسية المبادرة والمشاركة فى تشكيل هذه الجبهة تدرك أنها مطالبة بالانصهار فى مشروع سياسى وطنى جديد، يتجاوز كل الخلافات السياسية السابقة بين هذه القوى، ويتجاوز صراعات أو منافسات الانتخابات الرئاسية والدستور وغيرها من الخلافات السابقة، مشروع قاعدته الأساسية هى الحفاظ على التماسك الوطنى، وعلى مصر دولة مدنية ديمقراطية، تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على استقلالها الوطنى، وأن تكون جزءا فاعلا فى كيان عربى أوسع يحفظ لها هويتها الوطنية، وأن يكون هذا المشروع السياسى قاعدة التوافق على تشكيل البرلمان الجديد كى يأتى البرلمان بعيدا عن كل المنافسات الحزبية الضيقة والأدوار المدمرة للمال السياسى، الذى يسمح بدخول معدومى الكفاءة ومحترفى التزوير والتدليس إلى البرلمان. انخراط الجبهة الوطنية لمواجهة الإرهاب فى بلورة هذا المشروع السياسى الوطنى سيجعل منها سياجا مانعا وقويا ضد كل محاولات التغلغل الإرهابى داخل مصر، وسيجعلها ظهيرا متينا للجيش والشرطة فى حربهما ضد الإرهاب، الذى لن تكون سيناء وحدها ميدانه بل كل مصر، لأن مصر مستهدفة لأن تكون «إمارة إسلامية كبرى» قد تكون سيناء هى نواة هذه الإمارة الإسلامية، لكن مصر هى الهدف، فدون مصر ضمن مشروع «الخلافة الإسلامية» سيبقى المشروع وهميا، ولعل هذا ما دفع عبيدة المصرى أحد الإرهابيين المصريين المنخرطين فى صفوف «الدولة الإسلامية» بسوريا، الذى يعمل قاضيا شرعيا فى صفوفها إلى اعتبار الجريمة الإرهابية الأخيرة فى «كرم القواديس» بشمال سيناء «انتصارا يتطلب إرسال الدعم الكامل للمجاهدين فى سيناء لدعمهم فى معاركهم المقبلة ونشر أفكار (داعش) على أرض الكنانة». مهمة الجبهة الوطنية لمواجهة الإرهاب يجب أن لا تكون دفاعية فقط تكتفى بالرد على من ينخرطون فى الحرب الإرهابية ضد مصر أو يدعمونها، بل يجب أن تمتلك القدرة على المبادرة والفعل الخلاق لمحاصرة بؤر الإرهاب، وأن تملك الحجج البليغة لدحض زيف دعوة «الخلافة» باعتبارها بدعة مختلقة ليست من صميم الإسلام، لكن الأهم هو أن تكون قادرة على إغلاق كل منافذ تغلغل الفكر التكفيرى إلى المواطن المصرى الذى قد يستغل جهله أو بؤسه، أو عذاباته مع بؤر الفساد فى الدولة للانخراط فى دوائر ومخططات التكفير هروبا من تلك العذابات.