شأنها شأن سابقاتها من دعاوى التخويف من النزول.. إكتشفنا أنها خدعه نفسيه للحث على عدم النزول.. وشأنه شأن جميع الأيام التى كذبوا علينا وأخبرونا أن مصر حتولع إذا نزلتوا.. إكتشفنا أنها ما ولعتش ولا حاجه.. فى الساعات القليله التى سبقت بدء يوم 25 يناير لم يكن البنى آدم منا ليستطيع إخفاء هذا الشعور الداخلى الغريب الملتبس ما بين أنه «الليله الوقفه وبكره العيد».. وبين أنه «الحزن ماعادلهوش دلال يا جدع.. الحزن زى البرد زى الصداع».. هذا الإلتباس لم يكن سوى محفز إضافى على إنتظار قدوم الغد الموعود.. خاصة وأن هذا الغد الموعود قد شاءت له الأقدار أن يجىء فى مناخ ملتبس يجثو فوق بلد ملتبس يقطنه شعب ملتبس إنتخب مجلس شعب ملتبس فى ظل حكم عسكرى ملتبس للدرجه التى تجعله يقول للإلتباس «قوم وأنا أقعد مطرحك».. وهو ما يعد علامه صحيه تماما.. المشاعر ملتبسه وكل حاجه فى البلد ملتبسه.. إذن.. المشاعر مسنكه مع البلد.. وبالتالى.. اليوم حيبقى زى الفل! فى ذلك الصباح الموعود.. منحنى الله علامه أبدأ بها اليوم.. أثناء شرائى التموين اليومى من لفائف التبغ من أحد الأكشاك بشارع قصر العينى.. طفل يقف بجانب أبيه.. أمامه كل أنواع الشيكولاته والحلويات والبسكوت.. ولكنه يشد والده من طرف الجاكته وهو يزن عليه بشكل طفولى.. «بابا.. عايز الوح التحليل».. وترجمتها الحرفيه.. «بابا.. عايز أروح التحرير».. يطبطب الأب على رأسه.. «بس يا حبيبى.. أجيبلك شيكولاته؟! ».. فيأوء الطفل وهو يشده من الجاكته.. « آآآآآآ.. عايز ألوح التحليل.. آآآآآ».. عندها.. تناولت صندوق التبغ ومنحت الرجل نقوده ومنحت الطفل إبتسامه.. وتأكدت أن الثوره حتما منتصره فى النهايه.. ومرقت وسط الجموع إلى الميدان.. دخلت من بوابة عمر مكرم.. وبعد خطوات قليله كنت أستطيع فيها رؤية جزء صغير من الأسفلت الذى أخطو فوقه.. فجأه.. لم يعد هناك مجالا لرؤية أو تحديد أين أنت أساسا.. فأنت الآن جزء من جسد كامل.. جسد لا يمكن لجزء من أجزائه أن يتحرك منعزلا عن الجزء الآخر.. جسد لبلد عظيم وشامخ على مستوى التاريخ والحضاره إلا أنه جسد فى بدايات تكونه وتطوره ونموه ومروره بمرحلة المراهقه على مستوى الحريه والديموقراطيه واحترام حقوق الإنسان.. وهو ما يصبح معه من الطبيعى تماما ختم وجه صاحبه بختم المراهقه المتمثل فى حب الشباب والبثور المتنتوره فى الوجه.. تلك القله القليله جدا جدا من الشلحلجيه واللا متحضرين والذين إفتكروه عيد فقرروا النزول للتحرش بالبنات ومضايقة الناس بهمجيتهم ليسوا سوى تلك البثور القليله التى تزين وجه المراهقين جميعهم والتى سوف تختفى تلقائيا مع الوصول إلى مرحلة البلوغ.. هؤلاء الشلحلجيه القليلين ليسوا سوى حدف بحر مصيره القريب والأزلى هو سلة قمامة شاطىء التحضر ! مع التعمق أكثر فى تلك الأمواج من البشر الهادره.. لن تستطيع أن تمنع عن نفسك ذلك الشعور الغريب بالتفاؤل فى القادم من الأيام.. ومصدر غرابته هو تنافيه مع تلك الحاله العسكريه التى تعيشها البلاد.. إلا أن مصدر إمكانيته هو كل هؤلاء البشر الذين خلاص بقوا لو عايزين يتجمعوا بيتجمعوا.. وربما كانت تلك هى الرساله الأهم فى ذلك اليوم الجميل.. إنها رساله من ذلك الشعب الجميل (من وجهة نظر الناس الجميله) والرخم (من وجهة نظر المجلس العسكرى).. رساله مفادها أنه.. «نحن هنا.. ولسه مع بعضنا.. وقادرين نجيب حقنا»! فى المساء.. كان عرض فيلم «فى فور فينديتا» على شاشه أمام دار نشر ميريت العريقه والعظيمه وأحد منابر الثوره الرسميه بمثابة تحية «صباح الفل» للإخوان بتوع «جبنه باندا وقناع بانديتا».. كانت جموع البشر التى ترتدى جميعها قناع «في» المبتسم.. تتقدم فى طريقها بينما قوات البوليس والجيش عاجزه عن التصدى لها.. فى مكان آخر تحت الأرض كان قائد البوليس يسأل «في» بيأس وهو يمطره بالرصاص.. «لماذا لا تموت؟!».. ليرد عليه «في».. «بداخل هذا القناع لا يوجد جسد.. وإنما توجد فكره.. والأفكار مضاده للرصاص»!