السؤال الذى يلح علىّ منذ فترة: ماذا أعد الجيش، أو بالأدق، المجلس العسكرى، ليوم 25 يناير، وما بعده؟ بمعنى آخر: كيف سيواجه المجلس احتجاجات واسعة النطاق، لو حدثت، مثل تلك التى وقعت فى 28 يناير 2011، والأيام التى تلته، وما السيناريو، أو السيناريوهات، التى جهّزها، للتعامل مع تلك الاحتجاجات؟ عندما عجزت الشرطة عن مواجهة حشود المتظاهرين السلميين، وأنهكها تماما توالى التظاهرات، وانتشارها فى معظم المدن المصرية الكبرى، منذ يوم 25 وحتى 28 يناير، لجأ الرئيس السابق حسنى مبارك إلى الجيش، محاولا إنقاذ دعائم حكمه من الانهيار. ونزلت القوات العسكرية إلى الميادين والشوارع الرئيسية، من دون أن يكون لديها ما يُسميه العسكريون «قواعد الاشتباك»، أى الأوامر المحددة التى بموجبها ستتصرف القوات مع أى تهديد محتمل. وربما لذلك السبب، رأى كل من كان فى ميدان التحرير، مثلا، كيف كان قادة تلك القوات، خصوصا من صغار الضباط، فى حال من الصدمة والارتباك، زادها أنهم لم يعتادوا الالتحام بالمدنيين أصلا، فما بالك بتلك الحشود المليونية الهائلة. لكن المؤكد أن أكثر ما أربك تلك القوات والقادة، الذين كانوا فى «غرفة عمليات القوات المسلحة» يتابعون انتشارها فى الشوارع، هو الشعار المذهل الذى انطلق مدويا، وبعفوية شديدة، من حناجر المتظاهرين «الجيش والشعب.. إيد واحدة». ولأننى رأيت، وغيرى كثيرون، الدموع تقفز من أعين عدد كبير من الضباط والجنود، خصوصا والمتظاهرون يصرون على احتضانهم وتقبيلهم، أجبت وقتها عن سؤال لأحد الأصدقاء من النشطاء السياسيين، كان يتوجس من استخدام الرئيس السابق للجيش فى قمع المتظاهرين، بقولى: هذا لا يمكن أن يحدث، فلما سألنى لماذا؟ أجبت: انظر إلى وجوه هؤلاء الضباط والجنود، هل ترى فى أعينهم استعدادا لاستخدام القوة ضد المتظاهرين؟ ولفتُّ نظر محدثى إلى حقيقة أن القادة الميدانيين للقوات الموجودة فى الشوارع، جميعهم من رُتب الملازم والنقيب والرائد، أى يقتربون فى أعمارهم من الشباب الذى كان يشكل الغالبية بين المتظاهرين، ومن المؤكد أنهم كانوا يشاركونهم الهمّ نفسه، والحلم ذاته، فهل كان من الممكن أن يطلقوا عليهم الرصاص؟ أظن أن تلك الحقائق كلها لم تغب عن نظر قادة الجيش، وقتها، وعندما يخرج علينا أعضاء المجلس العسكرى ليقولوا إنهم قرروا، فى ما بينهم، عدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، يجب أن نقول لهم: وهل كان يمكنكم إصدار مثل هذا الأمر، وتحديدا مع مثل تلك الحقائق على الأرض، أو المعطيات «الميدانية» بالتعبير العسكرى؟ نعود إلى السؤال: ماذا أعد المجلس العسكرى ليوم 25 يناير؟ قبل الإجابة، نقول إن أى جيش فى العالم، وهذا ينطبق بالتأكيد على الجيش المصرى، لا يتصرف إلا وفقا لخطط معدة مسبقا، توضع بعد دراسات ميدانية معمقة، تضع كل الاحتمالات فى حسبانها، ثم يجرى التدريب عليها للقوات التى ستقوم بالتنفيذ، فى ما يعرف ب«المناورات»، وبعده يتم تهيئة الضباط والجنود «نفسيا» لما هم مُقدمون عليه، وهو ما يُسمى «التوجيه المعنوى». فإذا كان ضمن خطط المجلس العسكرى، فى مواجهة احتجاجات شعبية واسعة النطاق، قد تحدث خلال الأيام المقبلة، للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة، أن يعيد نشر قوات الجيش فى الميادين والشوارع، فما هى «الأوامر» أو «قواعد الاشتباك» التى ستصدر للقوات، هذه المرة؟ المجلس العسكرى، وقادته، يدركون جيدا أن «الألفة» التى حدثت، إبان أيام الثورة، بين المتظاهرين وقوات الجيش، وإحساس الناس فى الميادين أن الجيش يساندهم، جعلت الثوار يصعّدون من سقف مطالبهم، حتى وصلت إلى المطالبة برحيل رأس النظام، ومحاكمته. فهل سيسمحون بتكرار الأمر نفسه، فى الأيام المقبلة، مما يعنى المطالبة برحيلهم عن الحكم، وربما محاكمتهم؟ الأمر المنطقى أن «القادة» سيفعلون كل ما بوسعهم، للحيلولة دون تطبيق ذلك الشعار العفوى «الجيش والشعب.. إيد واحدة»، الذى ربما يؤرق منام البعض منهم. إذن كيف يتم تطبيق ذلك، وفقا للمنهج العسكرى؟ وكيف ستتم «تعبئة» القوات معنويا، لمواجهة «حتمية» مع المحتجين السلميين، إذا اتسع نطاق احتجاجاتهم، وارتفع سقف مطالبهم، وأصروا على «إسقاط حكم العسكر»، كما يردد الثوار حاليا؟ ظنى، أن المجلس العسكرى استعد بالفعل لذلك كله، ووضع الخطط «الميدانية»، وأجرى التدريبات عليها للقوات التى ستقوم بالتنفيذ، وفى مقدمتها الشرطة العسكرية بالطبع، بل وجرى «تعبئة» تلك القوات معنويا. والمواجهات الشرسة التى تورطت فيها قوات من الجيش مع المتظاهرين، فى أحداث «ماسبيرو» و«محمد محمود» و«مجلس الوزراء»، دليل واضح على ذلك، وإلا فليقل لى أحد: ما الذى يجعل ضباطا وجنودا مصريين يتعاملون بكل العنف والقسوة، التى شاهدناها جميعا، مع مواطن مصرى مثلهم، وليس عدوا «إسرائيليا» تدربوا على مواجهته؟ وما «الشحن المعنوى» الذى جعل أفرادا عسكريين، أى ليسوا من الشرطة التى تعودت على العنف والقمع، يقومون بأفعال مثل سحب أجساد ملقاة على الأرض، لبعض القتلى أو الجرحى من مواطنيهم، ويلقون بها فى القمامة، أو يسحلون شابا، أو يكشفون عورة فتاة من بنى وطنهم، فى فعل ينافى كل ما عُرِف عن المصرى «الطبيعى» من شهامة ورجولة ونخوة؟ هل عرفت، عزيزى القارئ، ماذا أعد المجلس العسكرى ليوم «25 يناير»؟ أترك لك الإجابة مفتوحة، وإن لم تتوصل إليها، فأرجوك اقرأ المقال مرة أخرى.