ثانيا: العنف: الأمكنة.. والأهداف.. والرمزيات إن متابعة أمكنة العنف وما تحمله من أهداف ورمزيات تشير إلى ما يلى: (1) العنف داخل الجامعة وُجِّه إلى أماكن الدرس الأكاديمى، وإلى بعض الأساتذة، وإلى بعض المعامل وغرف الحاسوب، ويمكن استخلاص دلالة ذلك في ما يلى: أ- العنف إزاء الأساتذة والأستاذات يشير إلى تمرد جيلى على السلطة الأبوية التدريسية، ورفض رقابتها وسلطتها التوجيهية التى تنطوى على نمط من الاستعلاء الجيلى والرقابى التقليدى، التى لا يزال يمارسها بعض الأساتذة، والأستاذات. ب- تحطيم قاعات الدرس والمعامل، يحمل دلالة فجوة بين الطلاب والطالبات، وبين العملية التعليمية وشكل من أشكال الكراهية والرفض لها، لا سيما بين طلاب الإخوان وبعض مشايعيهم من السلفيين. (2) العنف خارج الجامعة لوحظ نمطان من العنف خلال فترة حكم جماعة الإخوان، ومعهم بعض السلفيين، وهما: أ- العنف ضد المشيخة والأستاذ الإمام د.أحمد الطيب الرجل الفاضل، والعالم الجليل، والعنف إزاء قوات الأمن، والخطاب العنيف إزاء المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية، والسؤال هنا: لماذا؟ من ناحية أخرى رفض الإخوان تحديدا لسياسة المشيخة نحو إيجاد حوار وشكل من التوافق مع بعض كبار المفكرين والمثقفين، والتى أدت إلى الوصول إلى وثائق الأزهر الثلاث زائعة الصيت، وأدت إلى ضخ دماء جديدة فى حركة الأزهر فى المراحل الانتقالية وجعلت الوثائق إحدى أبرز مرجعيات دستور 2012 إلى حد ما، ثم دستور 2014، وهى وثائق انطوت على دفع قواعد للوفاق والجوامع والأرضيات المشتركة بين غالب مدارس الفكر والعمل السياسى فى مصر.. من ناحية أخرى الاهتمام العربى والإسلامى والعالمى بالوثائق وما انطوت عليه من قواسم وطنية مشتركة، فى حين أن الإخوان وبعض مشايخ الحركة السلفية أسهموا فى تعميق الانقسامات الرأسية فى المجتمع المصرى على أساس دينى ومذهبى وسياسى، واحتقانات حادة أثناء المراحل الانتقالية الثلاث. ب- العنف ضد قوات الأمن، يعبر عن طاقة غضب جامحة إزاء الرمز للدولة والسلطة، وأجهزتها، وهى تعبير عن غضب جبلى، على أساس أن الشرطة هى تعبير مكثف عن جميع السلطات القمعية فى الدولة التسلطية، وأنها تشكل أحد مصادر الغضب الجماهيرى لموروث ممارساتها العميقة إزاء الشعب، وأداة السلطة الحاكمة فى تنفيذ أهدافها فى السيطرة السياسية على المجتمع وقواه الحية والرافضة ولا سيما الأجيال الشابة. مواجهة الشرطة بالعنف، والشعارات الهجائية الحادة ترمى إلى تحقق عديد من الأهداف السياسية التى يمكن أن نذكر بعضها في ما يلي: 1- كسر هيبة الشرطة، من خلال الهجوم عليها تحت شعار السلمية، من ناحية أخرى إثبات أن ثمة خلافا بين معارضة أو «مقاومة» جماعة الإخوان للسلطة الانتقالية، وبين العمليات الإرهابية التى تقوم بها «جماعة أنصار بيت المقدس»، وذلك لإعطاء مبرر للجماعة وقيادتها، والتنظيم الدولى، أن معارضة الإخوان سلمية، وأن لا علاقة لها بممارسات الجماعة الإرهابية فى سيناء، وفى عديد المناطق بالجمهورية، وذلك لكى تمارس الولاياتالمتحدة ودول المجموعة الأوروبية ودول أخرى ضغوطها على السلطة الانتقالية. 2- تعبئة بعض الشباب -من طلائع «الطبقة» الوسطى- الوُسْطى والوَسَطِىّ- الصغيرة المدنية، التى تختلف مع السلطة الانتقالية وبعض مؤيديها، من أنصار الحزب الوطنى والقوى التقليدية فى تحالف 30 يونيو 2013 الذين يعادون 25 يناير 2011، وشرعيتها المؤسسة، وذلك لصالح شرعية ما يسمى ب30 يونيو، وسعيهم إلى عودة الدولة القمعية. 3- إظهار الطابع القمعى لجهاز الدولة المصرى، بهدف إثبات دعوى عودة الدولة القمعية وممارساتها، ومن ثم تسويغ شرعية دعاوى الامتناع عن المشاركة السياسية فى الانتخابات الرئاسية، وذلك فى وسط بعض الشرائح الشابة من الطبقة الوسطى المدنية، وذلك فى ضوء امتناع قطاع لا يستهان به عن المشاركة فى الاستفتاء على دستور 2014. 4- تشجيع بعض عُصب البلطجة والجانحين على تحدى الشرطة، بهدف إبراز اهتزاز القبضة الأمنية، وإظهار عدم السيطرة الأمنية على مصادر الفجوات الأمنية لا سيما فى المجال الجنائى. الأخطر.. الأخطر فى مشاهد العنف الجامح فى الوسط الطلابى، لا سيما من الطلاب الذين لا ينتمون إلى جماعة الإخوان والحركة السلفية، هو غياب الأمل، والإحساس الجماعى بانسداد الأبواب إزاء المستقبل، وأن مصير غالبهم هو الدخول إلى دائرة البطالة، ومن ثم عدم أهمية الحصول على شهاداتهم الجامعية من الأزهر، أو سواه من المؤسسات الجامعية الأخرى. إن غياب رؤية وآليات للحوار بين السلطة الجامعية والسلطة الانتقالية، وبين الشباب عموما، وطلاب الجامعات لا سيما الأزهريين، تشكل أحد أسباب العنف ومحفزاته، لإشعار هؤلاء جميعا وأسرهم أنهم يريدون من الكبار فى العمر سماع أصواتهم ومطالبهم وآمالهم، من ناحية أخرى ضعف الأحزاب السياسية القديمة والجديدة، وعدم قدرتها على بناء عقد من الثقة مع الأجيال الشابة، على نحو أدى إلى انسحاب بعضهم من هذه الأحزاب وقيادتها التى انكشفت محدودية غالب قادتها، وافتقارهم إلى الرؤية السياسية، والمهارات والخبرات، على نحو ما ظهر من ممارساتهم خلال المراحل الانتقالية، وكانوا جزءا من صناع عدم الاستقرار السياسى، والاضطراب، والأزمات الممتدة. من ناحية أخرى غياب رؤية لإصلاح الأزهر الجامع والجامعة سواء من داخل المؤسسة أو من قبل القوى السياسية، أو السلطة الانتقالية، ولدى المرشحين للرئاسة، ووراء ذلك عديد من الأسباب التى سنتناولها مع بقية مكونات الأزمة البنائية داخل الأزهر.. فى المقال القادم.