من الأخبار التى لفتت انتباهى خلال الأسبوع الماضى خبر من الكويت، طيّرته وكالات الأنباء على لسان حمود الروضان، مدير إدارة مجلس التعاون فى وزارة الخارجية الكويتية، تحت عنوان: «مسؤول كويتى: مصر على قائمة الانضمام إلى مجلس دول التعاون الخليجى». وبالخبر: قال حمود الروضان، مدير إدارة مجلس التعاون فى وزارة الخارجية الكويتية، إن مصر على قائمة الانضمام إلى دول المجلس. وأوضح الروضان أن الكويت مع انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون بشكل كلى، ولكن بعد عامين، مردفا: لا يجوز الانضمام الفوضوى للأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجى، فنحن مع الانضمام الكلى. وأشار إلى أنه يجب أن يكون هذا الانضمام أولا عبر شراكة لمدة عامين، وبعدها ينظر لتلك الشراكة فى القمة الخليجية، ليصار للانضمام التدريجى إلى المجلس فى المستقبل. لم أستطع أن أمنع نفسى من الدهشة لدى قراءتى الخبر، لأننى ومع كل تقديرى للدوافع العروبية الكامنة وراء تصريح السيد الروضان، التى يمكن أن نلمس فيها تقديره لمصر ومكانتها، ورغبته فى أن يراها ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجى فى المستقبل.. فإن الزج بمصر فى هذا الموضوع فى هذا الوقت قد جانبه التوفيق، خصوصا أنه قد جاء فى معرض الحديث عن الأردن والمغرب اللتين تمت دعوتهما للانضمام إلى المجلس منذ عدة شهور، ثم يبدو أن الأيام قد أثبتت أن الظروف الموضوعية لمثل هذا الانضمام لم تنضج بعد، حتى إن القمة ال32 التى عقدت بالرياض لم تتعرض للموضوع. وفى الحقيقة إننى أرى أن التلويح لهذه الدولة أو تلك بالانضمام إلى المجلس يحسن أن يتوقف، أو على الأقل أن تسبقه دراسة عميقة يكون أول بند فيها هو أخذ رغبة الدولة المطلوب انضمامها إلى المجلس فى الموضوع أولا! حيث إن ردود الفعل الواردة من الأردن والمغرب قد أكدت أن الدولتين قد فوجئتا بالعرض. ولئن كانت الأردن قد أبدت ترحيبا يصل إلى حد التهليل، فإن المغرب قد استقبلت العرض بهدوء، وضح منه أن المملكة المغربية التى تبعد عن الخليج زهاء سبع ساعات بالطائرة، ترى مستقبلها أكثر فى التعاون مع أوروبا، وأن فكرة الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى لم تخطر للمغاربة ببال. والأمر الآخر الذى يتعين أخذه فى الحسبان عند إطلاق مثل هذه التصريحات هو أنها تثير آمال الشعوب، كما حدث مع الشعب الأردنى، الذى تصور أن المسألة ممكنة فعلا، بعد أن أخذ الشباب فى عمان والزرقاء وإربد فى الاستعداد لاستخراج الهوية الخليجية التى تتيح لهم التنقل والعمل فى دول المجلس دون جواز سفر! ولا أدرى إذا كان العرض المتعلق بمصر يهدف إلى نفى فكرة تحويل المجلس إلى ناد للممالك العربية، بصرف النظر عن انتمائها جغرافيا إلى الخليج من عدمه، ولكن ما أدريه أن النوايا الطيبة لا تصنع المجالس المتجانسة ذات الرؤية الواحدة والمصالح المشتركة. وفى هذا الصدد لا أخفى عدم فهمى دعوة دول لا تطل على الخليج العربى للانضمام إلى مجلس اسمه الخليجى، فهذا فى حقيقته يشبه أن تدعى قطر مثلا للانضمام إلى الاتحاد المغاربى أو تدعى عُمان لدخول منظمة الدول المطلة على المحيط الهادى! وفى حقيقة الأمر إذا جئنا إلى الكلام المفيد فإننى والمسؤولين فى الأردن والمغرب ومصر ودول الخليج، علاوة على شعوب تلك البلدان ندرك جميعا أن هذه الأمانى هى مجرد أفكار طيبة، لكنها لا يمكن أن تتحقق فى الواقع لأسباب بديهية وواضحة.. لا الآن ولا بعد سنتين أو حتى عشر سنوات، وذلك لغياب التجانس والرؤى بين الشعوب على الأقل، حتى لو تحققت بين الحكام. فالمغرب على سبيل المثال بدأت تجربة ديمقراطية بها قدر كبير من النزاهة وتحلم باستكمالها، والشعب المغربى الذى يعيش ويعمل ملايين من شبابه بأوروبا لن تثير شهيته الفكرة. أما الأردن فإن الضائقة الاقتصادية والاحتقان السياسى تجعله يرحب شعبا وحكومة بالموضوع، فى حين أن أهل الخليج قد راجعوا المسألة وتراجعوا عنها ولهم كل الحق! أما فى ما يخص مصر، فإنى أؤمن أن الأمر لا يعدو أن يكون أمنية طيبة من المسؤول الكويتى لم يرجع فيها إلى أحد، لأن عرضا رسميا بالأمر لم يصل إلى مصر، ومن الطبيعى أنه لن يصل أبدا.. ذلك أن مصر وفى إطار العمل العربى المشترك عبر الجامعة العربية يمكن أن تكون سندا للأشقاء فى الخليج، دون إثارة آمال غير واقعية لدى شعبها، فضلا عن شىء آخر أكثر أهمية، هو أننى أرى أنه من الخير لمصر التى تخوض حاليا غمار تجربة ديمقراطية حقيقية أن لا تتعلق بأوهام فى ما يخص التنمية، وأن لا يظن شعبها أن مغارة على بابا سوف تفتح له فى الخليج، ليغرف منها المرجان والياقوت، ثم بعد عدة أشهر يقال لهم إن الانضمام الفوضوى غير مطلوب، ولا بد من مرور عدة سنوات من الشراكة قبل تفعيل الموضوع! فذلك من شأنه أن يثير مشاعر سلبية لدى ملايين الناس الطيبين الذين يحبون الخليج وأهله، ويعلمون جيدا أن مصر بعد الثورة، وفى ظلال الحرية، يمكن أن تنطلق نحو آفاق كبيرة على طريق التقدم، وتفيض على محيطها العربى الذى لا تستطيع أن تحيا من دونه، كما يمكن أن يظل قلب العروبة النابض المبادر والمشارك فى قضايا أمته دون أن تكون بالضرورة.. خليجية.