· َمن ذكر القصة أراد أن يصور صاحبها أنه ضحية العنف الطائفي والتشدد الديني · هل نأمل أن يبادر "المجلس العسكري" بنزع سلاح جميع المواطنين إعمالاً للقانون الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، أما بعد؛ فهل تذكر أخي الكريم قصة المواطن المصري "ذي الأذن المقطوعة" في "محافظة قنا"؟! أظن قصة أذنه في إعلام ما بعد الثورة احتلت مكان "الضربة الجوية الأولي" في إعلام ما قبل الثورة.. ! وأظن أنه لولا الملامة لسمعنا مَن ينادي باتخاذ هذه الذكري مناحة كمناحة عاشوراء عند الشيعة! لكن اسمح لي أخي الكريم أن أتشكك في كونك تعرف قصته.. لماذا؟! لأن كثيرًا مِن الناس لم يعرفوا قصته، وإنما عرفوا قصة أذنه المقطوعة؛ لأن مَن ذكر القصة أراد أن يصوِّر صاحبها أنه ضحية العنف الطائفي، والتشدد الديني، والزحف السلفي.. إلي آخر هذه الأسطوانة المشروخة.. ! وأريد أن أؤكد أولاً أننا كنا أقسمنا بأغلظ الأيمان، وأمام كثير مِن وسائل الإعلام التي ارتدت ثوب الخصم والجلاد والحَكَم أننا لم نأمر ولم نرض، ولن نرضي بقطع أذن أي مواطن مصري، ولو حتي بقطع ظفره بهذه الطريقة، وإننا ندعو لترك العقوبات إلي مَن يملك تطبيقها -"ذي السلطان"- علي أن لا يقطع هو الآخر أُذن أحد بدون وجه حق. ولكن الأمر قد يختلف تمامًا لو أن مواطنًا بريئًا يجلس في بيته، فإذا بوحش كاسر -"لا سيما إذا كان هذا الوحش ذو لحية"- يقتحم عليه بيته ويروع أسرته، ويقيم عليه حد قطع الأذن -الذي يبدو مِن السياق أنه غير مبرر بالمرة-، وبين أن يقوم رجل مستهتر بالأخلاق العامة للمجتمع باصطحاب فتاتين مسجلتين آداب إلي شقته؛ فيغضب الأهالي مِن ذلك، ويقومون لا سيما مع غياب الشرطة بإقامة حفلة تأديب يشارك فيها شاب ذو لحية ضمن عشرين آخرين؛ ليتحول الأمر إلي مشاجرة تنتهي بقطع أذن ذلك الرجل. مِن المعقول أن يخطئ الجميع هذا التصرف العفوي مِن هذه الجموع، لكن هل مِن المعقول أن يستقبله "شيخ الأزهر".. وكأن الجريمة لحقت المسلمين كافة؟! وهل مِن المعقول أن تُلصق التهمة بكل الملتحين لمجرد مشاركة الشاب ذي اللحية في حفلة التأديب؟! وإذا كان الإعلام قد صدَّق "صاحب الأذن" في أنه أجَّر الشقة إلي هاتين الفتاتين دون أن يعرف سمعتهما السيئة، وأنه عرف بعد أن "وقعت الفأس في الرأس".. وسمع أهل القرية بوجودهما وهموا بإخراجهما، وأن رأسه الذهبية قد أوحت له أن يبيت في الشقة تلك الليلة ليحميهما مِن تلك الجموع الغاضبة مما جعله ينال العلقة نيابة عنهما، ويدفع أذنه (الشريفة) ثمنًا لفدائهما! فكيف يجمع البعض بين "سذاجة علي بابا" في تصديق هذه القصة، وبين "دهاء شيرلوك هولمز" الذي سوف يوقِع بالسلفي الخفي الذي يقيم حد قطع الآذان؟! لقد كان يمكن لقصة كهذه أن تخرج إلي الجمهور تحت عنوان: "أهالي غاضبون يعاقبون شقيا استجلب فتاتي ليل في غياب الشرطة"، ولكنها وبطريقة لا يمكن اعتبارها بريئة تحولت إلي: "سلفيون يقيمون حد قطع الأذن علي مواطن قبطي"! نكتفي بهذا القدر مِن قصة "الأذن المقطوعة" التي بكاها الجميع بكاء فلول الوطني ل"مبارك"؛ لنفاجئ بقصة جديدة: أحد فلول الحزب الوطني -"وهذا في حد ذاته كاف في العرف الإعلامي الحالي لكي يقال فيه ما قاله مالك في الخمر"- أقام المحامي علاء رشدي، -وهو عضو الحزب الوطني وأحد المقربين من مايكل منير وقيادات قبطية مهجرية تحريضية- مطبًا صناعيا مستفزًا أمام "قصره".. ! إذن اعتداء علي سلطة الدولة.. واعتداء علي حق المواطن العادي في الشارع.. وهذا التوقيت يؤكد أن هذه هي الثورة المضادة التي يحس بها الجميع ولا يراها.. ها هي قد بدت في الأفق.. لا سيما إذا عُرفت بقية فصول الجريمة! خَفَر الباشا -"درسنا في التاريخ أن ثورة 1952 ألغت الباشاوية، وها نحن بعد ثورة 2011 لا زلنا نعاني منها"- يتعدون بالضرب علي ركاب سيارة ميكروباص تعطلت أمام قصر الباشا مِن جراء المطب الصناعي الذي وضعه "الباشا"، وشمل الأمر التعدي علي سيدة وطفل، وتم تمزيق ثياب تلك السيدة -"أتساءل: أين هوانم مراكز حقوق المرأة اللاتي ارتين السواد ونصبن مجلس النياحة علي النساء اللاتي قيل: إن مجهولين هددوا بإلقاء ماء النار عليهن؟! وطالما أنهم مجهولون فهم سلفيون بالطبع! أين هم مِن تلك الواقعة المادية الملموسة المثبتة في محضر شرطة؟!"-. ذهب الضحايا إلي الشرطة؛ لتحرير محضر، فجاءهم "مدير الأمن" وأقنعهم أن ينصرفوا.. - "أين "ساويرس" الذي رأي أن الشاب "ديمتري" الذي تصالح مع قاطعي أذنه العشرين بما فيهم الشاب ذي اللحية حتي لا تثبت عليه قانونًا تهمة إدارة شقة منافية للآداب فوصفه ساويرس داعي المحبة والسلام بأنه "هبل"، أين هو مِن هؤلاء الذين أجبرتهم "السلطات التنفيذية" بالرجوع صامتين منتظرين أمر الضبط والإحضار لصاحب القصر الذي يبدو أن حصانته فاقت صاحب قصر شرم الشيخ؟!"- . ويبدو أن هذا الأمر لم يعجب "الباشا الذي أمر ميلشياته" بفتح النيران علي المجني عليهم، ومُناصريهم مِن فوق أسطح المنازل، ليسقط ثلاثة مِن القتلي وعشرة من الجرحي، وتشتعل ردود الفعل الغاضبة، ويأتي الجيش ويفرض حظر التجول.. وتخرج علينا الصحف علي استحياء؛ لتتكلم عن مشاجرة بين عائلتين في "المنيا" في أخبار سريعة موجزة خاطفة، لم تعقبها ندوات ولا تحليلات، ولا اتهامات، ولا شيء مِن هذا.. ! فما السر يا تري؟! السر واضح.. "لأن الإعلام الموجه أمريكيا"؛ لا يضخم الحدث إلا إن كان المتهم "ذا لحية"! وحبذا لو كان المجني عليه قبطيا؛ حيث تصبح العناوين مِن جنس: "السلفيون يقطعون آذان الأقباط"! وأما إذا كانت الجريمة طرفاها اثنين مِن عامة المواطنين فمكانها صفحة الحوادث، وأما إذا كان الجاني نصرانيا والمجني عليه مسلمًا فمكانها أيضًا صفحة الحوادث، وحبذا لو كان بال"حبر السري" أيضًا أو علي الأقل بالبنط الصغير علي أن تختفي مِن الصفحة الرئيسية بعد نصف ساعة علي الأكثر بالنسبة للصحافة الإلكترونية! وإذا كان الإعلام قد بكي وأبكانا علي "أذن ديمتري" المقطوعة، فنرجو أن ينتبه الإعلام إلي مقطوعتين أُخريين: الأولي: قِربة مقطوعة وضعها الإعلام الموجه فوق رأس البلد رغمًا عنها، وهي: "قربة التدليل الطائفي". والأخري: تلك القِربة المقطوعة التي ننادي فيها منذ زمن بعيد، مِن الفرق الجوهري بين التعايش السلمي، وبين التدليل الطائفي؛ لأن الأخير مرادف تمامًا للفتنة الطائفية لمن يدرك قواعد علم الاجتماع. فهل نأمل ألا يتم الضغط علي المجني عليهم؛ للتنازل عن حقهم؟ وهل نأمل أن ينال القصاص العادل هؤلاء القتلة؟ وهل نأمل أن يبادر "المجلس العسكري" بنزع سلاح جميع المواطنين إعمالاً للقانون؛ لا سيما هؤلاء الذين يمكن أن يستخدموه استخدامًا طائفيا؟ وهل نأمل أن يبادر عقلاء النصاري فيأخذوا علي أيدي سفهائهم؟ أم ننتظر بعد "الفوضي الخلاقة" مرحلة "الحرب الأهلية"؛ ليحصل للأعداء "نصر بلا حرب"؟!