قبل نحو عام تعرض الرئيس العراقي جلال طالباني لأزمة صحية شديدة ، أبعدته حتى الآن عن المشهد السياسي ، أو بالأحرى حرمت منه العراق والعراقيين . فبعد هذه الأزمة وحتى الآن ما يزال العراق "تائهاً" يتخبط في مشكلاته الداخلية التي استفحلت وتصاعدت بسبب غياب الرئيس العراقي ، ووصلت الأزمات في العراق بين مختلف القوى والتيارات السياسية إلى طريق مسدود ، هددت استقرار العراق وأمن العراقيين . والحقيقة أن ما ساعد على تصاعد هذه الأزمات ، وتزايد الصراعات والتجاذبات السياسية فيه ، هو غياب الرئيس جلال طالباني ، الذي وباعتراف الجميع معارضيه قبل مؤيديه كان صمام الأمان في العراق ، كان بحكمته الكبيرة وحنكته السياسية وروحه الهادئة الصبورة ، ودعاباته أحياناً ، هو وحده القادر على لم شمل الفرقاء ، وهو الوحيد القادر على الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف في مختلف الأزمات . تميز هذا الزعيم بتلك الصفات ، علاوة على تجرده من السعي وراء المصالح والمكاسب الشخصية أو القومية ، هو ما جعله يحظى بقبول واحترام وتقدير الجميع ، العدو قبل الصديق ، والاعتراف له بالدور المحوري والمركزي في نشر التسامح والحرص على العلاقات الودية ، والعمل من أجل الوطن الواحد الذي يجمع تحت خيمته مخالف القوميات والمذاهب والأديان . فهذا الرجل وبعد رحلة طويلة من النضال والسياسة ، تسامى على القومية والدين والمذهب . وعندما غاب ربان السفينة الماهر ، تقاذفتها الأمواج والرياح ، وتاه العراق ، ولم يعرف له مرسى يحط عليه . والمتابع لما يمر به العراق من مشكلات وصراعات سياسية ، يدفع الشعب العراقي وحده ثمنها ، يدرك أن الحل الأمثل لنجاة العراق والعراقيين ، هو أن تتجرد القوى والتيارات السياسية من مصالحها ، وأن تتجاوز كل قومية الحدود الضيقة لهذه القومية ، وألا يتقوقع أصحاب كل مذهب داخل مذهبهم ، على الجميع أن يسمو على كل هذه الاعتبارات ، من أجل ما هو أعظم وأسمى وأبقى ، من أجل الوطن الواحد الذي يجمع الكل تحت خيمته ، الذي تظلل شمشه الجميع ، ويشرب مائه الجميع ، لا يفرق بين أبناءه بسبب القومية أو العرقية أو المذهبية . هو وطن للجميع وبالجميع . هذا هو سعى إليه ورسخه "مام جلال" طوال السنوات التي قضاها في منصبه كرئيس للعراق والحقيقة أنه فعل ذلك قبل المنصب وبذل كل ما أوتي من قوة وجهد لترسيخه ، وحتى أنه تحمل الكثير من المتاعب الصحية فداء لهذه المبادئ التي ناضل من أجلها . لا يخفى على أحد أن الأزمة الصحية التي يعاني منها جلال طالباني ، هي بعد إرادة الله ، بسبب ما تحمله من متاعب فاقت الوصف ، في محاولته لإنقاذ العراق من الوصول إلى حافة الهاوية بسبب نزاعات وصراعات قواه السياسية . حتى سقط الرجل مريضاً تحت وطأة ما تحمله بسبب هذه الصراعات . أدعو الله أن يعود مام جلال إلى قيادة سفينة العراق ليرسو بها على شاطئ الأمان والاستقرار . وأشكر الله أنه يقف بجانب هذا الرجل وساعده على تجاوز الأزمة ، وسيعيده قريباً وقريباً جداً إلى العراق والعراقيين الذين ينتظرون عودته بفارغ الصبر .