استخدم الرئيس محمد مرسى تعبير «البلطجية» مرات كثيرة فى حواره مع الاعلامى عمرو الليثى، فى سياق اجاباته على الأسئلة الخاصة بالاحتجاجات والتظاهرات والعصيان المدنى الذى يضرب أرجاء المعمورة، وبما يختزل ظاهرة الاحتجاجات فى البلطجة، وبما يبرر وحشية الجهاز الأمنى فى التعامل مع المحتجين، وبما يعنى أن مصر تشهد «انتفاضة البلطجية»! هذا الاختزال المخل، ولا نقول التزييف الفج والممل، يشى أول ما يشى، بأننا بصدد سلطة لا تقرأ التاريخ، ولا تستوعب دروسه، وتقدم مسوغات الاستبداد، ومبررات القتل والقمع والسحل وهتك الاعراض فى معسكرات الأمن المركزى! ومن دروس التاريخ القريب أن الرئيس الراحل أنور السادات قد انتحر سياسياً يوم وصف «انتفاضة الخبز» فى 18 و19 يناير والتى شارك بها ملايين المواطنين «بانتفاضة الحرامية»! وكانت الانتفاضة رد فعل طبيعى على رفع أسعار 35 سلعة غذائية وحيوية بواسطة حكومة الدكتور عبد المنعم القيسونى!. يومها اتهم السادات اليسار المصرى بالتحريض على الانتفاضة، ووصف هؤلاء المحرضين ب«الشرذمة القليلة» التى ليست لها أرضية فى الشارع المصرى. وردت المعارضة: إذا كانت «شرذمة قليلة» قادرة على تحريك الشعب كله، واقناعه بالخروج والتظاهر فى طول مصر وعرضها،فهى إذن جديرة بحكم مصر!. لكن السادات كان مصراً على انها انتفاضة حرامية، وليست انتفاضة شعب يكتوى بارتفاع الأسعار ولدرجة انه استدعى رؤساء تحرير الصحف فى استراحة القناطر الخيرية، قبل اجراء تغييرات بين رؤساء التحرير، وأدار حواراً حول الانتفاضة، وسأل الأستاذ صلاح حافظ وكان يتبنى تعبير «انتفاضة شعبية»: قل لى يا صلاح انت لسه مقتنع انها مش انتفاضة حرامية؟ فقال: الواقع يا ريس لو كان عدد الحرامية بهذه الملايين الغفيرة، فمعنى ذلك أنك تحكم شعباً من الحرامية، وأنا أربأ بسيادتك أن تحكم..وهنا قاطعه السادات بغضب: أنا عاوز اجابة محددة على سؤالى يا صلاح، مش عاوز فلسفة،انتفاضة حرامية ولا لأ؟ رد صلاح:الحقيقة يا ريس انا مش متفق مع سيادتك فى التعبير ده. رد السادات بحسم:خلاص يبقى اللى فى دماغك «دوجما» ويبقى تسيب موقعك لواحد بيفهم «فى التعبير» أكتر منك، ويبقى «عبد العزير خميس» هو رئيس التحرير الجديد..اقعد يا صلاح! وبالطبع كان رأى عبد العزيز خميس، كما رأى رؤساء تحرير الصحف القومية: انها ليست انتفاضة حرامية فحسب، ولكن حرامية وبلطجية ونصابين ونشالين وسفاحين وقتالين قتلا! يومها علمنا ان السادات كان يمتحن رؤساء تحرير الصحف القومية، وأن صلاح حافظ «سقط فى الشفوى»! نعود لتركيز الدكتور مرسى على تعبير «البلطجية» فى تبريره لأعمال القمع والسحل الوحشية التى تقوم بها قوات الشرطة فى مواجهة احتجاجات المواطنين على الكوارث المتلاحقة التى تتعرض لها البلاد، من كوارث القطارات، إلى كوارث الاقتصاد،إلى كوارث الأسعار، إلى زلزال الاعلان الدستورى، الذى لم تزل تداعياته مستمرة، من سلق الدستور، إلى عزل النائب العام إلى تعيين نائب عام «إدانجى» حاول اجبار المحامى العام لنيابات شمال على إدانة وحبس ضحايا احتجاجات الاتحادية الابرياء، لمجرد انهم فقراء، ولمجرد أن الرئيس لفق لهم اتهامات فى خطاب عام بالعمالة والتمويل بل والاعتراف بجرائمهم (ثم يقول فى حوار نصف الليل: انت عاوزنى أتدخل فى أعمال السلطة القضائية؟) يتحدث الرئيس عن حق المواطن فى التظاهر السلمى، وفى ذات الوقت تقوم أجهزته القمعية، وميليشيات جماعته، بتصفية النشطاء السياسيين، وقتلهم جهاراً نهاراً،فى معسكرات التعذيب وهتك الاعراض! هل هى مصادفة أن ضحايا الاغتيالات جميعاً من النشطاء السياسيين، وأصحاب الصفحات المعارضة للإخوان المسلمين على شبكة التواصل الاجتماعى، لا من البلطجية؟ هل قامت الثورة، لتصفية المعارضين وقتل النشاء السياسيين وسحل المتظاهرين، والتعتيم على جرائم الاختطاف والاغتيالات السياسية،وانتهاك الاعراض فى معسكرات الاعتقال؟ ترى ما الذى كان سيفعله حسنى مبارك لو فشلت الثورة، وعاد إلى الحكم؟ هل كان سلوكه سيختلف عن سلوك الرئيس المنتخب الذى يحدثنا عن دولة القانون وفى ذات الوقت يخالف أحكام «الدستورية» ويضربها بالجزمة القديمة نشر بتاريخ 4/3/2013العدد 638