نزلت من منزلي صباح يوم هاديء قاصدة سيارتي في الجهة المقابلة للمنزل في أحد شوارع المعادي واستوقفني فجأة هذا الحمار المسكين الذي نظر إلي نظرة استعطاف واسترحام وكأنه يعلم أني شديدة الرفق بكل حيوان، واخترقتني نظراته المستجيرة المستغيثة.. كان الحمار يجر عربة ممتلئة بالزبالة وقطع الحديد والخردة القديمة ويجلس في مقدمتها رجل تبدو ملامحه طيبة رغم قسوة العمل الذي يقوم به.. يمسك في يده كرباجا غليظا ويضرب الحمار بقسوة ليقود العربة الثقيلة جداً والحمار يئن ويستغيث من لسعة الكرباج التي أدمت جسده.. وأقبلت مسرعة وفازعة ويعتصرني الألم الشديد إلي الرجل طالبة منه أن يكف عن ضرب الحمار بهذه القسوة فنظر لي الرجل ببلاهة وغباء واستنكار وهو يزيد من ضرب الحمار حتي يجر عربته الثقيلة والتي يجلس عليها هو ويرفع كرباجه إلي أعلي لينهال علي جسد الحمار المسكين الهزيل واستفزني هذا المنظر القبيح المقزز الشيطاني وأمسكت بيد الرجل ليكف عن هذا العمل الشنيع وأنا أصيح في وجهه إلا أنه أزاح يده عنه بغباء وهو يضحك ويسخر مني ويرفع بكرباجه حتي كادت ضربة الكرباج أن تنزل علي رأسي وفشلت في أن انتزع الكرباج من يده بكل قوة فاستعنت بأسناني القوية لأغض يده عضة قوية ليترك الكرباج من يده ولكن الرجل لم يكف عن الضحك رغم أنني آلمته بعضتي ونظر لي وهو يقول يامدام أنا خايف عليكي ليصيبك تسمم من هذه العضة وفعلاً انتبهت لقذارة يده وطعم الملوحة في فمي وأنا أضحك باكية أو أبكي ضاحكة من هذا الموقف المؤلم إلي حد الضحك فشر البلية ما يضحك وأشفقت علي الرجل بقدر ما أشفقت علي الحمار فكلاهما ضحايا فهذاالرجل يسقط همه وفقره وجوعه وألمه علي هذا الحمار المسكين الصبور تلك هي لعبة الحياة. ملحوظة: نحن في القرن الواحد والعشرين وعربات الكارو التي تقودها الحمير تملأ شوارع القاهرة حتي في أرقي الأحياء.. وعجبي .