«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرشد يرد على دواعش الجماعة: لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين
نشر في صوت الأمة يوم 15 - 06 - 2015

وكأن الأيام تعيد نفسها بالرغم مما طوته سنوات فى سيرة جماعة الاخوان المسلمين فتارة يلجأون للعنف وتارة يخرج بعض قادتهم لينفوا أى صلة لهم بتلك الأفعال الاجرامية، يخرج المرشد محمد بديع ليقول «سلميتنا أقوى من الرصاص» ثم نجد زخات الرصاص تجتاح البلاد ذلك التناقض الرهيب فى المواقف لم يكن حديثا على الجماعة فهى دائما ما تلجأ له فى أزماتها فقد سبقهم اليه المرشد الثانى حسن الهضيبى فى كتابه «دعاة لاقضاة»عندما تبرأ من الفكر التكفيرى وسط موجة من غضب الشباب وهو السيناريو ذاته الذى يتكرر الآن، لذا نعيد نشر الفصل الاول «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله» بتصرف
شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله معناها (مضمونها): دخول الإنسان بها فى دين الإسلام، وما يتصل بذلك من معانى كلمات: الإله - الرب- العبادة – الدين.
الشهادة: فى اللغة معناها الحضور والمعاينة وما ينتج عن ذلك فى النفس من علم وتيقن.
والشهادة على الشيء:الإخبار به خبرًا قاطعًا فيكون المخبر شاهدًا.
والشهادة ما يتلفظ به المرء للأخبار بما علم.
وعلى ذلك تكون لشهادة أن لا إله إلا الله لفظة ينطقها المرء للإخبار بما وقع فى نفسه من تيقن من وجود ذات الله تعالى، وأنه تعالى أحد لا إله سواه إقرار منه بذلك وهذا التلفظ بما يفيد هذا المعنى يسمى شهادة سواء أكان المخبر صادقًا فيما أخبر به عن نفسه أم غير صادق.
حكم الناطق بالشهادتين.
وحكم الناطق بشهادتى أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن نعتبره مسلمًا تجرى عليه أحكام المسلمين وليس لنا أن نبحث فى مدى صدق شهادته إذ أن ذلك متعلق بما استشعره واستيقنه بقلبه وهو أمر لا سبيل لنا للكشف عنه والتثبت منه ولكن ذلك من شأن الذى يعلم السر وأخفى فمن استيقن قلبه ما نطق به كان عند الله مسلمًا مؤمنًا ونفعه ما تلفظه بلسانه.
وبرهان ما قدمنا: قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما حدث به أبو هريرة رضى الله تعالى قال: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله « والمجمع عليه من أهل الإسلام أن الذى يعصم ماله ودمه بالشهادتين هو المسلم وأما عصمة أموال ودماء أهل الذمة فتكون بالعهد وأداء الجزية مع الصغار ولا يشترط فيهم النطق بالشهادتين.
وقوله عليه الصلاة والسلام فيما حدث به أنس بن مالك رضى الله عنه «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن بره ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرة» وقال تعالى ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ﴾ فعلمنا يقينًا أن من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركًا والكافر والمشرك سواء.
وحدث المقداد بن عمرو الكندى وهو ممن شهدوا بدرًا أنه قال: يا رسول الله إن لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب يدى بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقتله « قال يا رسول الله فإنه طرح إحدى يدى ثم قال ذلك بعدما قطعهمها أأقتله قال « لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال» وحدث أسامة بن زيد بن حارثة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال: فلما غشيناه قال: لا إلا إلا الله ؟ قال فكف عنه الأنصارى فطعنته برمحى فقتلته قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم قال: فقال لي: « يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله! «قلت يا رسول الله إنما كان متعوذًا قال: «أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ «فما زال يكررها على حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».
وحدث أبو ذر الغفارى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث طويل قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك جبريل أتانى فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت: و إن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق».
فهذه النصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطعة فى دلالتها على صحة الحكم الذى قلنا به وهو أن حكم الله أن نعتبر أن من نطق بالشهادتين مسلمًا تجرى عليه أحكام المسلمين وأن نعامله بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية باعتباره مسلمًا وأن نكل سريرته إلى عالم السرائر جل شأنه.
بعض آراء المودودى
قال الأستاذ المودودى فى كتابه المصطلحات الأربعة.
«لما نزل القرآن الكريم فى العرب وعرض على الناطقين بالضاد كان كل امرئ منهم يعرف معنى الإله وما المراد بالرب لأن كلمتى الإله والرب كانتا مستعملتين فى كلامهم من ذى قبل وكانوا يحيطون علمًا بجميع المعانى التى تطلق الكلمتان عليها ومن ثم إذا قيل لا إله إلا الله ولا رب سواه ولا شريك له فى ألوهيته وربوبيته، أدركوا ما دعوا إليه تمامًا وبين لهم من غير ما لبس أو إبهام أى شيء هو الذى قد نفاه القائل ومنع غير الله أن يوصف به وأى شيء قد خصه وأخلصه لله تعالى والذين كفروا إنما كفروا عن بينه ومعرفة بكل ما يبطله وينعى عليه كفره بألوهية غير الله وربوبيته.
وكذلك من آمن فقد آمن عن بينة وبصيرة بكل ما يوجب قبول تلك العقيدة الأخذ به والانسلاخ عنه وكذلك كانت كلمتا العبادة والدين شائعتين فى لغتهم وكانوا يعلمون ما العبد وما الحال التى يعبر عنها بالعبودية وما هو المنهاج العملى الذى يطلق عليه اسم العبادة وما مغزى الدين وما هى المعانى التى تشمل عليها هذه الكلمة ومن ثم لما قيل لهم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وادخلوا فى دين الله منقطعين عن الأديان كلها ما أخطأوا فى فهم هذه الدعوة التى جاء بها القرآن وما إن قرعت أسماعهم حتى تبينوا أى نوع من التغيير فى نظام حياتهم جاءت تطالبهم به تلك الدعوة.
ولكن القرون التى تلت تلك العصر الزاهر جعلت تتبدل فيها المعانى الأصلية الصحيحة لجميع تلك الكلمات تلك المعانى التى كانت شائعة بين القوم عصر نزول القرآن حتى أخذت تضيق كل كلمة من تلكم الكلمات الأربع لما كانت تتسع له و تحيط به من قبل وعادت منحصرة فى معان ضيقة محدودة ومخصوصة لمدلولات غامضة ومشتبهة ذلك لسببين: أ – قلة الذوق العربى السلمى ونضوب معين العربية الخالصة فى العصور المتأخرة.
ب – إن الذين ولدوا فى المجتمع الإسلامى ونشأوا فيه لم يكن قد بقى لهم من معانى كلمات الله والعبادة والرب والدين ما كان شائعًا فى المجتمع الجاهلى وقت نزول القرآن.
ولأجل هذين السببين أصبح اللغويون والمفسرون فى العصور المتأخرة يشرحون أكثر كلمات القرآن فى معاجم اللغة وكتب التفسير بالمعانى التى فهمها المتأخرون من المسلمين بدلاً من معانيها الأصلية وأمثلة ذلك:
1-أن كلمة الإله جعلوها كأنها مترادفة مع الأوثان والأصنام.
2-أن كلمة الرب جعلوها مرادفة مع الذى يربى وينشئ وللذات القائمة بأمر تربية الخلق وتنشئتهم.
3-العبادة: حددوها فى معانى التأله والتنسك والخضوع والصلاة بين يدى الله تعالى.
4- الدين: جعلوها نظير كلمة النحلة.
5- الطاغوت: فسروها بالصنم أو الشيطان.
والنتيجة: أن تعذر على الناس أن يدركوا حتى الغرض الحقيقى والمغزى الجوهرى من دعوة القرآن فإذا دعاهم القرآن ألا يتخذوا من دون الله إلهًا ظنوا أنهم وفوا مطالب القرآن حقها لما تركوا الأصنام واعتزلوا الأوثان والحال أنهم لا يزالون متشبثين بكل ما يسعه ويحيط به مفهوم الإله ما عدا الأوثان والأصنام وهم لا يشعرون أنهم بعملهم هذا قد اتخذوا غير الله إلهًا وإذا ناداهم القرآن بأن الله تعالى هو الرب فلا تتخذوا من دونه ربًا قالوا: ها نحن أولاء لا نعتقد من دون الله مربيًا لنا ومتعهدًا لأمرنا وبذلك قد كملت عقيدتنا فى باب التوحيد والواقع أنه قد أذعن أكثرهم لربوبية غير الله تعالى من حيث المعانى الأخرى التى تطلق عليها كلمة «الرب» غير هذا المعنى «المربى».
وإذا خاطبهم القرآن أن عبدوا الله واجتنبوا الطاغوت «قالوا لا نعبد الأوثان ونبغض الشيطان ونلعنه ولا نخشى إلا لله، وقد امتثلنا هذا الأمر القرآنى امتثالاً والحال أنهم لا يزالون متمسكين بأذيال الطواغيت الأخرى غير الأصنام المنحوتة من الحجارة وقد خصوا سائر ضروب العبادة – اللهم إلا التأله – لغير الله وقل مثل ذلك فى الدين فإن لا يفهم الناس من معنى إخلاص الدين لله تعالى غير أن ينتحل المرء ما يسمونه بالديانة الإسلامية. وألا يبقى فى ملة الهنادك أو اليهود أو النصارى ومن هنا يزعم كل من هو معدود من أهل الديانة الإسلامية أنه قد أخلص دينه لله تعالى والحق أن أغلبيتهم لم يخلصوا دينهم لله تعالى من حيث المعانى الواسعة التى تشتمل على كلمة «الدين».
أحكام شرعية رتبها البعض على ما قدمناه من رأى الأستاذ المودودي:
وقد رتب البعض على ذلك الذى قدمناه من كلام الأستاذ المودودى نتائج وبنوا عليها أحكامًا زعموا أنها مقتضى شريعة الله تعالى فقالوا: إنه لما كان الناس الآن لا يعرفون حقيقة معنى كلمات الإله والرب والعبادة والدين فإنهم إذ يرددون شهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إنما يرددون كلامًا لا يدركون حقيقة معناه وهم لا ينطقون بالشهادة التى كان ينطق بها العربى حين البعثة لأن هذا كان على بينة من معنى ما كان يشهد به ويقرره، ولذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقبل تلك الشهادة المعلوم مضمونها ومفهومها لمن أداها، ويعتمدها حكمًا بإسلامه، أما الآن لا نستطيع أن نعتمد إسلام من نطق بالشهادتين ما دام لا يدرك حقيقة مفهومها، وواقع الحال شاهد على ذلك إذ أن كثيرًا ممن ينطقون بالشهادتين يأتون فى نفس الوقت أحكام الدين فيما يتعلق بأنظمتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وسائر شئون حياتهم مع إصرارهم على النطق بالشهادتين والزعم بأنهم مسلمون، وخلصوا من ذلك إلى أنه لا يعتبر مسلمًا تجوز معاملته على هذا الأساس والصلاة وراءه إلا من تأكدنا من فهمه لحقيقة معانى الشهادتين ومفهومها.
وزاد البعض على ذلك أنه لابد بالإضافة إلى تأكيدنا من علم الناطق بالشهادتين بمفهومهما أن يقوم عمله شاهدًا على صدق ما نطق به ومؤيدًا له حتى يعتبر مسلمًا، فإن لم تكن أعماله مصدقة لشهادته فإننا لا نستطيع أن نحكم بإسلامه، فلا نعتبره مسلمًا، واحتجوا بالقول المنسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: «ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل».
اعتراض على بعض ما قرره الأستاذ المودودي:
ونرد أولا على التقرير بأن معانى الألوهية والربوبية والعبادة والدين كانت شائعة معروفة بين العرب من قبل البعثة وأنها بعد ذلك قد ضاعت وتبدلت وانحصرت فى معانٍ ضيقة محدودة غير ما كانت تتسع له من قبل.
فنقول بعون الله إن هذا التقرير لا يتفق مع الواقع، ذلك أنه أيًا كانت المعانى التى كانت شائعة فى الجاهلية لتلكم الكلمات فإن القرآن الكريم قد جاء محددًا ما يقصده من كل منها، معرفًا المفهوم المعنيّ من كل لفظة من ألفاظها، مبينًا ذلك غاية البيان، مجليًا المعنى المراد بما لا يدع مجالا للبس أو وغموض وهذا البيان القرآنى قد أغنى عن الرجوع إلى أصل تلك الكلمات فى اللغة وما كان لها من معانٍ قبل نزوله، ولا يستريب مسلم أن بيان القرآن الكريم هو الأحكم والأوضح والأشمل والأجل، بل هو الذى يتعين الأخذ به والتسليم بمقتضاه سواء وافق ذلك ما كان قبل نزوله أم لا.
والقرآن الكريم يزخر بالآيات البينات لمعانى الألوهية والربوبية والعبادة والدين.
أيرقى إلى هذا الذى سقناه أو يدانيه ولو من بعيد أى مفهوم كان شائعًا فى الجاهلية لمعنى الألوهية!!؟
أيحتاج أى مفسر بعد هذا الذى تضمنه دفتا المصحف الشريف على الرجوع إلى أصل كلمة «الإله» فى اللغة ومما اشتقت وما كان مفهومها فى الجاهلية وقبل نزول القرآن..؟!.
أيصح بعد ذلك القول بأن معانى الألوهية قد ضاعت وتبدلت ولم تعد شائعة معروفة وأن الذين ولدوا فى الإسلام وفى رحاب ذلك الفيض الزاخر من آيات الله لم يبق لهم من معانى كلمات «الإله والعبادة والرب والدين» ما كان شائعًا معروفًا فى الجاهلية قبل نزول القرآن!؟ أيصح فى الواقع أنه لما كان العرب قبائل شتى متفرقة ومختلفة ولكل منها لهجتها، لا تجمعها رئاسة أو ثقافة أو معتقدات موحدة وكانوا أمة أمية ندر فيهم من ألم بالقراءة وبالكتابة يكسوهم الجهل والانحطاط ليس لهم كتاب أو إحاطة بعلم أو فن، لما كانوا كذلك كان مفهوم كلمات الإله والرب والعبادة والدين شائعًا بينهم معروفًا لدى كل امرئ منهم على حد سواء وعلى صفة معينة محددة – فلما نزل كتاب الله تعالى بالذكر المحفوظ الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مشتملا على البيان الجلى والإيضاح الشامل، يتعبد الناس بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ويجهرون به فى صلوات تقام جماعة فى المساجد وغيرها ضاعت تلك المعانى واندثرت ولم تعد شائعة بين الناس بمثل ما كانت شائعة بينهم فى الجاهلية – أيصح ذلك وكتاب الله محفوظ بين المسلمين ولو قرأ أيهم الفاتحة وقل هو الله أحد أو المعوذتين أو سمعها لاطّلع وعرف وأبصر ما لم يكن يعرف الجاهلى عنه شيئًا..؟
أما كان الواجب قبل أن يلقى ذلك القول أن يقدم له بالدلائل التى تدل على صحته؟.
أما وإذا جاء القول «إن الذين ولدوا فى المجتمع الإسلامى ونشأوا فيه لم يكن قد بقى لهم من معانى كلمات الإله والرب والعبادة والدين ما كان شائعًا فى المجتمع الجاهلى قبل نزول القرآن بلا برهان يقوم حجة على صدقه وصحته فإنه يكون مجرد قول لا حجة له ولا يجوز أتباعه ولا يصح أن تبنى عليه أحكام وما سبق أن اجتزأناه من كتاب الله من آيات شامل على معانى الألوهية والربوبية، والمفسرون ما اقتصروا قط على تفسير كلمة الرب بمعنى دون سائر المعانى التى تشملها، وإنما هم فسّروا الكلمة فى كل موضع على المعنى الذى يدل عليه السياق.
وكذلك الأمر بالنسبة لكلمتى «العبادة والدين» فقد جاء بيانها فى القرآن الكريم كاملا شافيًا: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة:4) ولا نظن أنا بحاجة إلى إقامة دليل على أن الشائع المعروف بين المسلمين أن ذلك معناه يوم القيامة الذى يكون فيه الحساب والجزاء والعقاب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ (آل عمران: من الآية 19) ويفهم الأمى من ذلك أن المراد كافة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وكافة شرائع الإسلام وهو ما يفهمه من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (يوسف: من الآية 40) ومن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينا﴾ (المائدة: من الآية 3) ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِى شَكٍّ مِنْ دِينِى فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يونس:104-105).
ولقد ورد بالقرآن الكريم النصوص الكثيرة الصريحة فى دلالتها على أن الله تعالى – هو دون غيره – الحاكم الآمر الناهي، وأن الأتباع والانقياد المطلقين واجبان له دون سواه بما أغنى عن الاستدلال بمفهوم كلمة الرب ولما غفل عَدِيُّ بن حاتم عن المعنى الحقيقى المقصود من هذه الآية الكريمة وظن أن العبادة هى مجرد إقامة الشعائر والتنسك، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام إنهم لم يعبدوهم، وضَّح عليه الصلاة والسلام له ما فاته.
عن عدى بن حاتم قال: أتيت النبى – صلى الله عليه وسلم -: وفى عنقى صليب من ذهب فقال: «يا ابن حاتم، ألق هذا الوثن عن عنقك» فألقيته، ثم افتتح سورة براءة حتى بلغ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه) فقلت: يا رسول الله ما كنا نعبدهم فقال: «»كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه»؟ فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم». [رواه ابن حزم فى الإحكام فى أصول الأحكام ج7 ص132،133، والطحان الكوفى ج2 ص184، وابن جرير فى تفسيره ج1 ص80،81، والترمذي].
ومن الأحاديث الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». [رواه مسلم المحلى ج1 ص32].
وفيما رواه ابن مسعود عن الرسول – صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم يحدث من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو ومؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» [المحلى ج6 ص360].
وكل ذلك محفوظ معروف مشهور يكفى أن يسمعه من لا يعرف من العربية إلا إحدى لهجاتها العامية فيفهمه ويلم بمقاصده العامة فتستنير بصيرته وإن جهل الفواصل بين الأحكام الشرعية المختلفة.
وما عمل المفسرين فى هذا الشأن إلا إيضاح معنى كلمة قد لا يعرف معناها من لا يجيد اللغة العربية أو إيراد أسباب النزول أو بعض الأحاديث المناسبة للآية والمتعلقة بها، أو المقابلة بين الآية والحديث أو الآية والآية ثم الإشارة إلى الأحكام الشرعية التى تستنبط من مجموع الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع ما.
أما من لا يتكلمون العربية فالأمر بالنسبة لهم مرده الترجمة: فإن وقعت صحيحة فهى – وإن لم تبلغ بلا ريب القرآن العربى المعجز – تكون كافية فى تحصيل المعانى المقصودة وإبلاغ البيان المطلوب، وإن لم تكن كذلك ولابسها التحريف فهى كذب وافتراء، وقول على الله بغير الحق.
ثم نرد على القول بأنه: «لما نزل القرآن الكريم فى العرب وعرض على الناطقين بالضاد كان حينئذ يعرف كل امرئ منهم ما معنى الإله وما المراد بالرب ومن ثم إذا قيل لا إله إلا الله ولا رب سواه ولا شريك له فى ألوهيته وربوبيته أدركوا ما دعوا إليه تمامًا وبين لهم من غير لبس ولا إبهام أى شيء هو الذى قد نفاه القائل ومنع غير الله أن يوصف به وأى شيء قد خصه وأخلصه لله تعالى».
فنقول بعون الله إنه كان المقصود بهذا القول القطع بأن كل فرد ممن كان بنجد والحجاز وغيرهما وقت بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام على وجه التحديد والتعيين، قد أدرك بغير ما لبس ولا إبهام ما دعى إليه وكان على علم كامل شامل بمعنى كلمتى «الإله والرب» وحقيقة التوحيد، بالجملة المفهوم الكامل الشامل لشهادة «لا إله إلا الله» إن كان هذا هو المقصود فإنه يكون قولا فى حاجة لإقامة البرهان على صحته ولا يكفى للتدليل على صحة هذه الدعوى الادعاء بشيوع معانى كلمتى «الإله والرب» بين العرب الناطقين بالضاد.
أولا: لأن الشيوع مهما بلغ واشتد، معناه: معرفة الكثرة الغالبة بالأمر ولا يرقى إلى حد القطع والتيقن من حقيقة علم كل فرد على وجه التحديد والتعيين، فمن ذا الذى أحصاهم عددًا وتأكد من حقيقة أمر كل منهم فردًا فردًا، ليجزم باستحالة أن يكون بينهم من أخطأ الفهم أو لم يصله العلم..؟.
ثانيًا: أن الذين كانوا بنجد والحجاز وغيرها، لم يكونوا كلهم من العرب الخلص العالمين باللغة العربية كأهلها بل كان فيهم بيقين كثير من المستعربين والأرقاء المستجلبين من نواح شتى وأجناس مختلفة وكان فيهم أيضًا الأحرار الأجانب الأعجميو اللسان فلا يصدق فى حقهم القول بالفهم كفهم الناطق بالضاد، ولقد حفظ لنا التاريخ أسماء كثيرين من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من فارسيين وروميين وأحباش، وأشار القرآن الكريم إلى وجود هؤلاء الأجانب ﴿لِسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ (النحل: من الآية103).
ولقد كانت دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – موجهة للجميع على سواء وقبل عليه الصلاة والسلام إسلام من نطق منهم بالشهادتين دون تفرقة أو تمييز، ولقد كان يكفى لدحض تلك الدعوى أن تكون بغير دليل، ولقد قدمنا ما يعارضها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.