بعد ارتفاعها الأخير.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالبورصة والأسواق    إيرادات آي بي إم تخالف توقعات المحللين وتسجل 14.5 مليار دولار في الربع الأول    واشنطن تعلن التصدي لصاروخ حوثي يستهدف على الأرجح سفينة ترفع العلم الأمريكي    أمريكا تضغط على إسرائيل على خلفية مزاعم بشأن قبور جماعية في مستشفيين بقطاع غزة    إيران وروسيا توقعان مذكرة تفاهم أمنية    بعثة الزمالك تسافر إلى غانا اليوم على متن طائرة خاصة استعدادًا لمباراة دريمز    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    عاجل.. أسطورة ليفربول ينتقد صلاح ويفجر مفاجأة حول مستقبله    «أتربة عالقة ورياح».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار    اخماد حريق هائل داخل مخزن أجهزة كهربائية بالمنيا دون إصابات بشرية (صور)    السيناريست مدحت العدل يشيد بمسلسل "الحشاشين"    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    الرئيس الموريتاني يُعلن ترشّحه لولاية ثانية    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين «أردوغان وتاتار».. قضية توحيد قبرص تدخل نفقا مظلما
نشر في صوت الأمة يوم 23 - 11 - 2020

دخلت قضية توحيد قبرص فصلا جديدا بانتخاب أرسين تاتار الموالي لأنقرة رئيسا لجمهورية قبرص الشمالية، غير المعترف بها دوليا إلا من تركيا، في أكتوبر الماضي، حيث تراجعت فرص الوحدة بشكل كبير لصالح المشروع الانفصالي، وهو ما تجلى في دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ضرورة اعتماد «حل الدولتين» سبيلاً لإنهاء القضية القبرصية نظرا لوجود «شعبان منفصلان ونظامان ديمقراطيان منفصلان ودولتان منفصلتان»، وذلك خلال زيارته الأخيرة منذ أيام إلى الجمهورية الشمالية المزعومة بصحبة شريكه في الائتلاف الحكومي دولت بهتشلي زعيم حزب التحالف القومي، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لإعلان استقلالها.

كان الفوز المفاجئ لرئيس الوزراء السابق واليميني المتشدد أرسين تاتار في انتخابات 18 أكتوبر الماضى، على منافسه الرئيس السابق مصطفي أكينجي، بعد حصوله على حوالي 7.51% من الأصوات، بمثابة الصعداء التي تنفسها أردوغان، فتاتار من أنصار «حل الدولتين»، بعكس أكينجي الذي يؤيد جهود الوحدة في إطار نظام فيدرالي، وقد صرح في وقت سابق من هذا العام بأن أي احتمال لضم قبرص التركية على غرار القرم سيكون «مروعا» وضد مصالح تركيا الخاصة، ما دفع وسائل الإعلام الموالية الأنقرة لوصفه ب «العدو».

وقد لعب أردوغان دورا كبيرا لدعم تاتار للوصول إلى السلطة، ففي 8 أكتوبر الماضي وقبل أيام قليلة من الجولة الأولى من الانتخابات التي كانت مقررة في 11 أكتوبر، التقى المرشح القبرصي الشمالي مع أردوغان في أنقرة، حيث أعلن الرجلان افتتاح جزئي لمدينة فاروشا التي تقع ضمن المنطقة الخضراء العازلة على الحدود بين الشطرين والتي كانت على الدوام ورقة مساومة رئيسية للقبارصة الأتراك في مفاوضات التسوية التي رعتها الأمم المتحدة على مدى عقود، وقد هدفت هذه الخطوة إلى اجتذاب الناخبين ذوي الميول اليمينية.

كما شهد أردوغان وتاتار احتفالا بإعادة افتتاح أنابيب نقل المياه العذبة من تركيا إلى قبرص الشمالية بعد تسعة أشهر من الإصلاحات، وبدأ الحفل وكأنه جزء من حملة تاتار الانتخابية. وفي رشوة انتخابية صريحة، قرر المرشح الرئاسي تاتار إيداع ما قيمته 2000 ليرة تركية (حوالي 250 دولارا) في حساب 9 آلاف من سكان الجمهورية غير المعترف بها تحت بند «الدعم الاجتماعي الوبائي». وسوف يؤدي وجود تاتار على رأس السلطة إلى تعّقد الوضع الداخلي في قبرص التركية، كما أنه سيعزز الخلافات مع حكومة قبرص اليونانية فيما يتعلق بعدة ملفات، منها:

- تعزير التحالف مع تركيا: من المتوقع أن يؤدي التوافق السياسي الجديد بين نيقوسيا الشمالية وأنقرة إلى ترسيخ اعتماد الأولى على الأخيرة، كما أنه يضمن لتركيا عدم وجود معارضة علنية من الرئاسة القبرصية الشمالية فيما يتعلق باستراتيجيتها السياسية القبرصية، ويسهل عليها فرض أجندتها السياسية في المفاوضات المستقبلية مع حكومة قبرص، ويضفي الشرعية على أنقرة كممثل لمصالح المجتمع القبرصي التركي.

وكان الرئيس السابق مصطفى أكينجي يتبع نهاجا مستقلا نسبيا عن أنقرة في محاولة لتقليص نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في الشمال، ليكون بذلك ثاني أكثر رئيس قبرصي شمالي يتبنى منهاجا صارما مناهضا لتركيا بعد الرئيس الثاني للجهورية محمد علي طلعت الذي حاول مرارا وقف تدخلات أنقرة في مفاوضات الحل، كما أنه سعى لإخراج 40 ألف جندي تركي كانوا متمركزين في المنطقة منذ عام .1974

- إعادة طرح مبدأ «حل الدولتين» لتسوية القضية القبرصية: مثلت هزيمة أكينجي ضربة للقبارصة اليونانيين الذين يأملون في إعادة توحيد جزيرتهم، وجعلت من تاتار ممثلا شرعيا للجمهورية الشمالية غير المعترف بها في أي مفاوضات دولية للسًلم، أي أنه هو من سيشكل المعايير السياسية القائمة بين األطراف المشاركة في مشكلة قبرص، ما يؤدي بدوره إلى تغييرات هيكلية في موقف نيقوسيا الشمالية بشأن الوحدة بالنظر إلى تبنيه مسألة «حل الدولتين»، وهو موقف سوف يقوض الجهود السابقة لإعادة توحيد الجزيرة، كما أنه يضفي الشرعية على تطلعات أنقرة وخططها لتسوية مستقبلية في قبرص.

وفور انتخابه رئيسا كرر تاتار حديثه بشأن الاستقلال، ففي خطاب أمام مؤيديه قال: «لن يكون من الصعب التوصل إلى تسوية على طاولة المفاوضات إذا قام أصدقاؤنا اليونانيون والقبارصة اليونانيون بتحليل التوازنات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا بشكل صحيح. يجب أن يعلموا أنهم إذا استمروا في هذه المواقف المتعنتة، فلن نتنازل عن حقوقنا. لن تتجاهل بعد اآلن حقوق الشعب القبرصي التركي، نستحق الاستقلال، ويجب على جيراننا في الجنوب والمجتمع الدولي احترام كفاحنا من أجل الحرية».

ومن جانبه، أسرع أردوغان بتهنئته عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلا: «إن تركيا ستواصل بذل كل الجهود اللازمة للدفاع عن حقوق الشعب القبرصي التركي». وضمن هذا السياق السياسي الجديد ستقود أنقرة الآن المفاوضات مع الحكومة القبرصية، وستكون مصالح تركيا أكثر أهمية من المصالح الفعلية للقبارصة الأتراك، ومن المرجح أن تدفع أنقرة نحو بدء جولة جديدة من المفاوضات ال تأخذ بما تم التوصل إليه في الجولات السابقة، على أن تقترح في نهاية المطاف نموذج الاتحاد الكونفدرالي الذي يعني التقسيم الفعلي، وهو اقتراح ليس بجديد، إذ طرح قادة نيقوسيا الشمالية فكرة الكونفدرالية كبديل أقل حدة لحل الدولتين، في مفاوضات سابقة.

ومن جانبهم، يجادل بعض المحللين بأن تصريحات أردوغان بشأن اللجوء لحل الدولتين تأتي في سياق محاولات انتزاع أقصى قدر من التنازلات على طاولة المفاوضات بمجرد استئناف محادثات السًلم ليس أكثر ولا أقل وأنها لن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض، لكن البعض الآخر شدد على ضرورة أخذها بعين الاعتبار استنادا إلى سوابق أردوغان الذي كثيرا ما أعلن عن خطوات سياسية مستقبلية ثم شرع في تنفيذها.

وعلى الرغم من أن الاجتماع الأول الذي جمع قادة شطري الجزيرة في 3 نوفمبر الجاري أسفر عن الاتفاق على الدخول في جولة جديدة من المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة، غير أنه من المتوقع ألا تختلف كثيرا عن سابقاتها التي انتهت جميعها بالفشل، بالنظر إلى التباين الشديد في موقف الرئيسين؛ أنستاسيادس وتاتار، فالأول سيتحدث عن دولة فيدرالية كما حددت قرارات مجلس الأمن أما الثاني فسوف يقترح اتحاد كونفدرالي مع القليل من الصلاحيات الممنوحة للحكومة المركزية، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن تاتار مجرد واجهة لتمرير رغبة أردوغان في التقسيم.

وفي الوقت ذاته، من غير المتوقع أن يوافق المجتمع الدولي على مشروع التقسيم، فما ينادي به تاتارومن ورائه أردوغان ليس بجديد، فطالما أصر الرئيس القبرصي التركي الأول رؤوف دنكطاش على إقامة دولتين وكان هذا الأمر مرفوضا مبدئيا من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو موقف متوقع استمراره على المدى القريب بالنظر إلى عدم امتًلك تاتار أو أردوغان أي أوراق دبلوماسية رابحة في قبرص، فضلا عن مخالفة هذا الطرح للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 649 لعام 1990 وما تلاه من قرارات تنص على عدم جواز التعامل مع قبرص عن طريق التقسيم أو الانفصال أو الضم إلي دولة أخرى.

وتاريخًيا، فشلت جولات المفاوضات السابقة التي هدفت إلى حل القضية القبرصية، ففي 2004 طرح الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، خطة التسوية للاستفتاء على كًل شطري الجزيرة لكن ثلاثة أرباع القبارصة اليونانيين صوتوا ضدها على الرغم من تأييد غالبية القبارصة الأتراك لها، وفي 7 يوليو 2017 أعلنت الأمم المتحدة أيضا فشل جولة جديدة من المحادثات شهدتها مدينة كرانس مونتانا بسويسرا.

وتتعلق الخًلفات الأساسية برفض تركيا سحب قواتها العسكرية المقدرة ب 35 ألف جندي من قبرص، ورفض مطالب أنقرة بأن تكون الرئاسة القبرصية دورية بين شطري الجزيرة، وتتركز مشكلة رئيسية أخرى حول الدول الثلاث التي تم تحديدها كضامنة بموجب معاهدة 1960 التي منحت قبرص الاستفلال عن بريطانيا، إذ يطالب اليونانيون بتغيير اتفاقية الضامن لمنع أي من الدول الثلاث (اليونان وتركيا وبريطانيا) من التدخل في شؤون قبرص، كما فعل الأتراك عام 1974.

يذكر أن أردوغان كان من الداعين إلى تسوية تفاوضية وإعادة توحيد قبرص خلال سنواته الأولى عزز موقفه هذا محاولات تركيا للانضمام في السلطة خلال العقد الأول من القرن الحالي، على أمل أن الاتحاد الأوروبي، حيث عرض الأخير على الأتراك إمكانية الانضمام إلى الاتحاد بعد إعادة توحيد قبرص، لكن تم رفع هذا الشرط في قمة هلسنكي عام 1999 بطلب من اليونان. وهكذا، مع فشل تلك الخطوة وتطلع الرئيس التركي بشكل أكبر إلى تمديد نفوذه الخارجي وتبني مشروع توسعي استعماري وتصاعد العداء مع الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، وجد نفسه على خًلف مع رغبة أكينجي في حل فيدرالي، وبات يدعم علانا مشروع التقسيم.

طرح قضية تقاسم إيرادات عائدات الطاقة مع قبرص: وهو الاتفاق الذي تم تأجيل النظر فيه منذ فترة طويلة بالتزامن مع سعي قادة شطري الجزيرة المنقسمة إلى دفع جهود إعادة التوحيد قبل التفاوض على توزيع الأرباح من حقول الغاز في المياه الإقليمية القبرصية، لكن تلك المسألة كانت حاضرة بقوة في الحملة الانتخابية لتاتار الذي حاول تقديم نفسه على أنه الرجل الذي سوف يستعيد حقوق القبارصة الأتراك، عبر الإشارة إلى أن الرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس أحجم عن التوصل إلى ترتيب لتقاسم الإيرادات على ثروات الغاز الطبيعي المكتشفة مؤخرا قبل إعادة توحيد الجزيرة. وبعد أن فاز، من المتوقع أن يروج تاتار -بدعم من أردوغان- إلى أن المستقبل ال يحمل أي مشاريع جادة للوحدة، وبالتالي من الأفضل إعادة التباحث بشأن تقاسم الإيرادات.

تعزيز التوترات في شرق المتوسط

على الرغم من أن التدخل التركي ليس غريبا على جمهورية شمال قبرص غير المعترف بها، إلا أن لتطورات الأخيرة بما في ذلك حديث أردوغان عن حل الدولتين وزيارته المثيرة للجدل لمدنية فاروشا تأتي في وقت حرج بالنسبة لطموحات أنقرة الإقليمية، وفي لحظة فارقة يقف فيها العالم مترقبا شكل السياسة الأمريكية الجديدة مع دخول الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، الذي أثار فوزه تكهنات واسعة النطاق بأن أردوغان سوف يغير من مسار سياسته الخارجية بالنظر إلى أن بايدن من المرجح ألا يظهر تسامحا مع طموحات ومغامرات أنقرة الخارجية بعكس ترامب.

لكن يبدو أن أردوغان يرغب في أن يبعث برسالة مبكرة إلى بادين بأنه عازم على المضي قداما في مشروعه التوسعي - بصرف النظر عمن يسكن البيت الأبيض - وفي القلب منه ترسيخ نفوذه في شرق المتوسط، وأقصى ما يمكن تقديمه من تنازلات للولايات المتحدة هو إرجاء استخدام نظام الدفاع الصاروخي الروسي «إس-400»، وإطلاق بعض سجناء الرأي البارزين مثل عثمان كافاال، أما جوهر المشروع التوسعي فإنه غير قابل للمساومة وليس مطروحا للنقاش. وهذا يعني أن مسألة التوترات في شرق المتوسط سوف تستمر معنا كعنوان أساسي في نشرات الأخبار والصحف العالمية لفترة ال بأس بها. وتحتل قبرص الشمالية أهمية استراتيجية متزايدة ضمن مشروع أنقرة التوسعي الذي يحمل مسمى «الوطن الأزرق»، وهو ما يفسر اهتمام أردوغان المتزايد بها، لكن هذا من شأنه أن يضاعف التوترات في المنطقة خاصة فيما يتعلق بثلاث قضايا أساسية هي:

- مواصلة عمليات التنقيب غير المشروعة في شرق المتوسط: يقع تقسيم قبرص في صميم التوترات التركية المتصاعدة مع قبرص واليونان بشأن حقوق التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث تصر أنقرة على إجراء عمليات تنقيب في المناطق المتنازع عليها والتي تقع ضمن المنطقة المحيطة بالجمهورية الشمالية بدعوى حماية مصالح القبارصة الأتراك، وهو ما يمثل انتهاكا لسيادة نيقوسيا على مياهها الإقليمية، التي تمتلك الحق الحصري في الوصول إلى كامل احتياطات الطاقة الواقعة في المياه الاقتصادية للجزيرة بشطريها، التي تقدر بما بين 102 و170 مليار متر مكعب.

-وتهدف تركيا من ترسيخ الانقسام الدائم للجزيرة القبرصية إلى السيطرة على مصادر الطاقة الواقعة من المياه الإقليمية للشمال، بعدما تمت محاصرتها في شريط ضيق على طول حدودها الجنوبية وإخراجها من معادلة الطاقة الإقليمية في أعقاب التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود بين مصر وقبرص في 2003 ومصر واليونان في 6 أغسطس الماضي والتي قطعت الطريق على أنقره أمام الاستفادة من الاتفاق غير القانوني الذي وقعته مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في نوفمبر من العام الماضي.

وقد دفع الخلاف على الحدود البحرية بين شطري الجزيرة قبرص إلى ترسيم حدودها البحرية مع لبنان ومصر وإسرائيل بحلول عام 2010 وتوقيع صفقات مع شركات الطاقة العمًلقة إيني وتوتال وإكسون موبيل لإجراءةأعمال تنقيب، وهو ما قابلته جمهورية الشمال المزعومة بتوقيع اتفاق مع تركيا لترسيم جرفها القاري في عام 2011.

- ترسيخ وجود عسكري تركي دائم: على الرغم من احتفاظ أنقرة بقوات عسكرية تقدر بحوالي 35 ألف جندي في شمال قبرص منذ عام 1974 ،في أول وأقدم تواجد لقوات تركية خارج الحدود، إلا أنها تطمح الآن لإنشاء قاعدة بحرية دائمة على غرار القاعدة البريطانية.

وفي الوقت الراهن، يقتصر الوجود البحري التركي في مياه المتوسط على تنفيذ مناورة «درع المتوسط» التي تجرى دوريا منذ عام 2006 ،إلى جانب تسيير مهمات عسكرية بين الحين والآخر، وحاليا تشارك الفرقاطة «كمال رئيس» والسفينة «باندرما» في مهمة بشرق المتوسط، ومنذ فترة تم نشر قوة تضم غواصتين و14 سفينة حربية في المنطقة، لكن هذه القوة مدعومة من مينائي الإسكندرونة ومرسين المدنيين وهو ما يحد من إعادة الإمداد والصيانة والإصلاحات والدعم الذي يمكن أن يقدماه للبحرية التركية.

وكان الرئيس السابق أكينجي يرفض إقامة أي قواعد بحرية تركية في الجمهورية الشمالية لكن بعد فوز تاتار أصبح هذا الأمر مطروًحا بشدة، في واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية خلال الآونة، ومن شأن التطورات الأخيرة في المدينة أن تخلق أمارا واقعا يجعل محاولات الوصول إلى تسوية قبرصية بعيدة المنال، كما أنه يزيد من التوترات في العًلقات بين تركيا وقبرص واليونان، كونها تخالف قرار مجلس الأمن عام 1984 الذي ينص على أنه لا يمكن إعادة توطينها إلا من قبل سكانها الأصليين (أي القبارصة اليونانيين) الذين هجروها قصارا عندما غزتها القوات التركية في عام 1974 رادا على محاولة يونانية لضم الجزيرة إليها.

ويتعلق أحد الجوانب الرئيسية لقضية فاروشا بالممتلكات التي تركها القبارصة اليونانيون وراءهم، ففي عام 2005 تقدم حوالي 190 شخصا تركوا ممتلكاتهم في فاروشا بطلب إلى لجنة أنشأتها الجمهورية الشمالية لإعادة ممتلكاتهم في حين طلب 90 آخرين بتعويض قيمته 4.1 مليار يورو. وأقام القبارصة اليونانيون العديد من الدعاوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لضمان حقوقهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.