القضية المشتعلة بين الممثلة مريهان حسين وضابط شرطة قسم الهرم النقيب مصطفى توفيق وزميله إيهاب بحر كشفت عن أن جزءا كبيرا من الشعب المصرى مصاب بانفصام فى الشخصية ويحتاج علاجا نفسيا مركزا حتى يكون هناك أمل فى الشفاء قريبا. لن أدخل فى تفاصيل ما حدث، لأن الأمر الآن صار بين يدى النيابة والقضاء، حيث إن كل منهما يصر على أنه برىء والآخر متهم. ما لفت نظرى أن كثيرين ومنهم مواطنون عاديون وصحفيون يفترض أنهم مثقفون ومن أنصار القانون، قد تباروا فى الهجوم الفج على المثلة والانتصار للضابط، فى حين أن كثيرين أيضا انحازوا للمثلة وجهوا كل اللوم للضابط والشرطة، وهكذا عدنا إلى حروب القبائل. مرة أخرى لا أعلم يقينا ما الذى حدث خلال عودة الممثلة من تصوير عمل فنى فى مدينة الإنتاج فى وقت متآخر من الليل. ولا أعرف الضابط أو الممثلة شخصيا. لكن الذى أحزننى أن كثيرين وضعوا صورا للفنانة وهى ترتدى ملابس ساخنة، واعتبروا أن مجرد أن تلبس هذه السيدة فستانا قصيرا فإن ذلك يكفى لإدانتها. سيدة كتبت على صفحتها تقول: «لما كلبة زى دى تقصد مريهان تطلع تسب وتهين رجل شرطة جزمته أشرف منها ومن اللى ربوها.. يبقى مفيش سكوت». ثم دخلت هذه السيدة فى وصلة سب وشتم لا يمكن كتابتها هنا ضد كل من أشرف زكى نقيب الممثلين والفنان خالد الصاوى ومحمد البرادعى ومنى مينا»، وختمت بضرورة الانتصار للضابط ضد الممثلة «حتى نحافظ على حق الشرطة والجيش والوطن!». انتهى كلام هذه السيدة، وقد يقول قائل وهل هذه السيدة تمثل كل الناس؟! والإجابة للأسف أن هذا المعنى تكرر كثيرا منذ وقوع الحادث وحتى كتابة هذه السطور، وبالتالى فأنا أحاول مناقشة هذا المنطق الذى ينتشر بصورة وبائية. النقطة الأولى، سوف نفترض جدلا أن هناك «سيدة مسطولة تماما وتعمل فى مهنة الدعارة أو حتى جاسوسة، وعائدة إلى منزلها فجرا أو فى أى وقت، فليس من حق أى جندى أو ضابط أو أى مسئول أن يهينها أو يضربها أو يعتدى عليها بأى صورة من الصور. فإذا كانت رفضت التوقف فى كمين مرورى أو فعلت أى شىء آخر، فيمكنه أن يتصرف معها طبقا للقانون لكن جوهر ما يقوله ضابط الشرطة إن السيدة كانت مسطولة وسكرانة ومعها زجاجة خمر، والممثلة تنكر ذلك تماما. وسوف نفترض أن كلام الضابط صحيح، فهذا لا يعطيه الحق فى ضربها أو هتك عرضها أو التبول عليها أو وصفها بالعاهرة طبقا لما تقوله الممثلة وينكره الضابط. خطورة منطق إدانة الممثلة قبل التحقيق هو أننا نفعل بالضبط ما كنا نلوم عليه كل الجماعات الظلامية التى تتاجر بالدين، حينما تحكم على السيدة من مجرد ملبسها، وتعتبر ذلك دليل إدانة دامغا. لو أننا طبقنا هذا المعيار، فلماذا نلوم المتطرفين الذين يحكمون على المجتمع بأكمله بأنه جاهلى، ولماذا نلوم داعش على أفكارها الظلامية ونظرتها المتخلفة للمراة؟!ثم ما هى العلاقة بين الاتهامات الموجهة لضابط شرطة الهرم وبين «الجيش والشرطة والوطن»؟! أليس هناك احتمال ولو بنسية ضئيلة أن الضابط مخطئ.. وإذا ثبتت إدانته فهل يعنى ذلك إدانة الشرطة والجيش؟! ثم ما هى علاقة هذا الضابط المتهم بالضابط الشهيد المقدم مصطفى لطفى رئيس مباحث قسم ثانى شبرا الخيمة. الأول متهم بالاعتداء على فنانة والثانى دفع حياته ثمنا لتطبيق القانون. فى المقابل لا ينبغى على من يدافعون عن الممثلة إهالة التراب على كل عناصرالشرطة، لأنه مقابل هذا الضابط المتهم كثيرون محترمون يضحون بحياتهم لكى نعيش فى أمان أو استقرار، وإذا ثبت أن الممثلة رفضت الانصياع للقانون أو سبت الضابط وأهانته هو وزملاءه فقد وجب تطبيق القانون عليها كما حدث مع ياسمين النرش. خلاصة الكلام، علينا أن نتوقف عن المبالغة و«الأفورة» وأن نحترم السيدات ولا نحكم عليهن من مجرد الملبس. لأننا لو فعلنا ذلك فسوف نعطى الحق لأى ضابط مختل نفسيا بقتل كل سيدة ترتدى تنورة قصيرة أو شورت ساخن!