• «أنور» طاردها لانتزاع موافقتها على الارتباط به.. وليلى وضعت شروطًا لم يلتزم بها • زفاف النجمين الكبيرين بمشهد سينمائى تحول لواقع فى أجواء هوليوودية • الزوجان غازلا الجمهور بخلافاتهما العائلية.. وعام 1949 كان الأكثر توترًا فى العلاقة بينهما • الخيانة الزوجية حاضرة فى رواية عن علاقة الدون جوان بفتاة فرنسية لم تكن ليلى مراد مجرد نجمة لمعت على الشاشة الفضية، أو مطربة من طراز فريد ساهمت بعذوبة صوتها، وأدائها الخاص فى حركة تطوير الأغنية المصرية وتخليصها من التبعية للمزاج العثمانلى، بل مثلت ليلى حالة استثنائية على شاشة السينما المصرية، ونجمة شباك تنطبق عليها كل معايير هذا المصطلح الهوليوودى، وكانت أول ممثلة مصرية يقبل الجمهور على أفلامها دون الالتفات إلى أى عنصر فنى آخر مشارك فى تلك الأعمال، وهذا الاهتمام الجماهيرى لم يقف عند حد متابعة اخبارها الفنية، وإنما تخطى هذا إلى تتبع أخبارها الخاصة، ومنها ما يخص حكاية زواجها وطلاقها من جان السينما المصرية أنور وجدى. ولم يكن من الممكن على باحث يعمل على التأريخ لهذه الشخصية الفريدة أن يغفل هذا الجانب من حياة قيثارة الفن المصرى، وخصص الناقد والمؤرخ الفنى أشرف غريب فى كتابه «الوثائق الخاصة.. ليلى مراد» بابا كاملا عن قصة زواجها وطلاقها من فتى الشاشة الأول، والذى لم يخل من إشارات لأعمال جمعتهما، ومشروعات فنية كان الاثنان طرفيها الأساسيين، وسرد تفاصيل من حياة النجمة الراحلة قبل وبعد الارتباط. زفاف فى بلاتوهات التصوير يبدأ هذا الفصل فى 17 يوليو من عام 1945، عندما وجه الممثل أنور وجدى الذى كان يخوض تجربة الإخراج الأولى الدعوة إلى جميع أفراد أسرة فيلم «ليلى بنت الفقراء» لحضور تصوير المشهد الأخير بالفيلم، وكان المشهد عبارة عن حفل زفاف بطل العمل «أنور وجدى» على بطلته «ليلى مراد» وفقا للسيناريو الذى كتبه المخرج كمال سليم قبل رحيلة، وكان أنور وجدى البارع فى أساليب الدعاية لأفلامه والمتأثر بالمدرسة الهوليوودية لم يفته دعوة الصحافة الفنية لحضور هذا الحدث الذى تعامل معه الجميع على أنه حدث فنى محض. لكن أنور فاجأ الكل بعد أن انتهى من تصوير المشهد الذى ارتدت فيه ليلى فستان الزفاف بأنه عقد قرانه عليها بالفعل قبل يومين فى محكمة مصر الابتدائية الشرعية، وأنهما قد أسسا عش زوجيتهما فى شقتهما بعمارة الإيموبيليا. كان لذلك الخبر وقع القنبلة فى الأوساط الفنية والاجتماعية ليس بسبب اختلاف الديانة بين أنور وليلى التى بقيت على يهوديتها على الرغم من هذا الزواج، لأن مثل هذه الأمور لم تكن تثير انتباه أحد فى مجتمع ليبرالى متفتح لا يتوقف أمام معتقدات الآخرين، وإنما كانت المفاجأة فى قبول ليلى الزواج من أنور الذى كان بالكاد يشق طريقه نحو النجومية والشهرة، بينما كانت هى أشهر نجمات زمانها، وكذلك لأن هذه الزيجة المفاجئة لم تكن الأولى لأنور صاحب الأربعة والثلاثين ربيعا، بل هى الثالثة بعد زواجه فى بداية مشواره من الراقصة قدرية حلمى التى كانت تعمل بفرقة بديعة مصابنى، ثم الممثلة إلهام حسين بطلة فيلم «يوم سعيد»، فضلا عما عرف عن النجم الدون جوان من تعدد علاقاته النسائية، بينما لم تكن ليلى قد سبق لها الزواج أو ارتبط اسمها حتى بأى شائعة فى هذا الإطار. من هنا فقد نظر كثيرون إلى زواج أنور وليلى على أنه زواج مصلحة من جانب الزوج المعروف عنه الذكاء الخارق والقدرة على الاستفادة القصوى من أنصاف الفرص التى تلوح أمامه، وأنه ربما رأى ليلى بمثابة الإوزة التى كانت تبيض ذهبا لكل من يقترب منها. ويرجع الكاتب أهمية الخبر إلى مقدمات وقعت فى الأشهر السابقة على إعلان الزواج والتى كان ظاهرها لا ينبئ بما حدث لاحقا، فبعد أن تزايدت الهمسات فى الوسط الفنى عن زواج فعلى تم بين ليلى مراد وأنور وجدى بطل ومخرج فيلمها الجديد فجرت مجلة الصباح الصادرة بتاريخ 11/5/1945 مفاجأة بتصريح منسوب لخليل عبدالقادر مدير الدعاية لشركة الفيلم المصرى المنتجة ل«ليلى بنت الفقراء» بأنه سوف يذاع فى القريب العاجل نبأ تكذيب زواج المطربة الشهيرة ليلى مراد بأنور وجدى، وبدت صياغة الخبر فى غاية الغرابة إذ هى وإن كانت ترد على الشائعات المثارة فإنها فى الوقت نفسه لا تعد تكذيبا مباشرا أو رسميا من صاحبى الشأن ليلى وأنور، ويبدو أن أنور وجدى البارع فى أساليب الدعاية أراده كذلك حتى يزيد من الهمسات التى تتردد عن علاقة ما تربطه بليلى ربما للترويج لفيلمه الجديد، وربما لتوريط ليلى نفسها فى قبول هذه العلاقة، ثم كانت المفاجأة الكبرى حينما نشرت مجلة الصباح فى العدد التالى مباشرة رسالة من ليلى مراد تقول فيها: «أرجو أن تنشروا فى أول عدد يصدر من الصباح: أكذب ما نشرته الصحف والمجلات عن زواجى بأنور وجدى، وأرجو من مندوبى الصحف أن يتحروا الحقيقة فى مثل هذه المسائل الشخصية الدقيقة قبل نشرها». ويذهب هذا الخبر بالكاتب لطرح تساؤلاته، فهل كان هذا هو التكذيب الذى مهد له خليل عبدالقادر فى العدد السابق من الصباح؟، وهل كانت ليلى بذلك تنفذ خطة دعائية دقيقة وضعها لها أنور وجدى؟، أم أنها أرادت أن تسكت كل الألسنة التى رددت مثل هذا الأمر، أو أنها فطنت لحيلة أنور الرامية إلى توريطها فى علاقة ما بينهما، ففضلت تفويت الفرصة عليه بصريح رسمى عن عدم وجود زواج بينهما؟ ويستخلص من هذا التضارب حقيقة مؤكدة، وهى أنه حتى عقد القران بين النجمين فى 15 يوليو من عام 1945، وفق تاريخ وثيقة الزواج كانت ليلى لاتزال مترددة فى قبول الارتباط بأنور وجدى. ويستند فى هذا الرأى إلى حوارات أجراها بنفسه مع كل من المخرج حسن الصيفى والمنتج منيب شافعى، وكان الأول مساعدا لأنور وجدى، والآخر كان والده مدير الإنتاج فى شركة أنور وجدى ومن المقربين للفنان الشهير. حيث أكدا أن ليلى مراد ظلت مترددة فترة طويلة فى قبول عرض أنور بالزواج منها، وذلك على خلفية ما كان يثار عن طبائعه وسلوكياته والسرعة اللافتة التى نفذ بها إلى قلبها، ولكنها فى النهاية وافقت. حسن الصيفي منيب شافعى بيان مشترك وينتقل الكتاب إلى تفاصيل الحياة الزوجية لهذا الثانى الفنى، والتى شهدت كثيرا من التوترات، فعلى الرغم من النجاح الجماهيرى الطاغى الذى حققه الثنائى ليلى مراد وأنور وجدى عقب إعلان زواجهما فى يوليو 1945 والذى استمر حتى انفصالهما الفنى عقب عرض فيلم« بنت الأكابر» سنة 1953، فإن حياتهما الزوجية شابها كثيرا من المشكلات والنوات كادت تعصف بها أكثر من مرة قبل أن تصل الأمور بينهما إلى الطلقة الثالثة والأخيرة، والتفكير فى اللجوء إلى محلل حتى يستطيعا استئناف حياتهما الزوجية. وبدا جليا للجميع أن المشكلات تفاقمت بين الزوجين المحبين بعد أن اختلطت المادة بالمشاعر، وتداخلت علاقات العمل بالأمور الخاصة، وتعارضت المصالح الشخصية للطرفين بحيث اختلفت أولويات كل منهما عن الآخر، والمدهش أنهما كانا يشركان الجمهور والصحافة فى خلافاتهما المتكررة بصورة ملحوظة، فيما بدا أنه رغبة مشتركة لاستغلال حياتهما الشخصية فى الدعاية لهما على طريقة أبناء هوليوود. وفى إحدى الأزمات المتكررة بين الزوجين بادر أنور وليلى بإرسال بيان مشترك يحمل توقيعهما إلى مجلة «الاستوديو»، التى نشرته فى العدد الصادر بتاريخ السابع من ديسمبر سنة 1949، والذى أقرا فيه بأنهما تعاهدا على الصلح، والعودة لاستئناف حياتهما كزوجين، وان الفضل فى هذا للجمهور وبرقياته التلغرافية المطالبة بألا يفرطا فى هذه العلاقة. ويستخلص الكتاب من هذا البيان المشترك عدة أمور أولها أنهما أرادا أن يكون واضحين من البداية أنه بيان مشترك، فبدأت الرسالة ب«نحن الموقعين أعلاه»، خصوصا أن المتعارف عليها هو التوقيع يذيل ما سبقة، والعبارة السائدة تقول: «الموقعون أدناه»، والرسالة بالفعل كانت مزيلة باسمى ليلى وأنور، ومن هنا كان العنوان بمثابة توقيع مسبق على ما جاء فى البيان، أو هى فى النهاية طريقة مبتكرة من جانب أنور وجدى غالبا للاختلاف وجذب الانتباه. ويتضح كذلك حرص الاثنين على أن يرفقا الرسالة أو البيان بصورة غير تقليدية، أغلب الظن أنها ليست من عمل سينمائى يظهر فيه أنور وليلى وهما على سرير فى غرفة النوم وقد طبعت ليلى قبلة حارة على وجه أنور الذى تعلوه ابتسامة عريضة فى إشارة ذات دلالة إلى السعادة التى ترفرف فوق كل أركان بيتهما العامر. فيما يؤكد تاريخ البيان المشترك فى ديسمبر 1949 بأن الأشهر الأخيرة من عام 1949هى التى شهدت ذروة الشقاق بين ليلى وأنور، وكان هذا غالبا فى أعقاب عرض فيلمهما البديع «غزل البنات» فى سبتمبر من العام نفسه، وهذا يفسر لماذا غابت ليلى مراد عن أفلام أنور وجدى طوال العام التالى 1950، فشاركت هى فى بطولة فيلم «شاطئ الغرام» إخراج بركات وإنتاج عبدالحليم نصر، فيما أنتج هو وأخرج وقام ببطولة فيلم «ياسمين» وقام ببطولة فيلم «أمير الانتقام» من إخراج بركات وإنتاج لوتس فيلم (آسيا داغر) إلا أنه وللمرة الأولى منذ أن قدما معا فيلم «ليلى بنت الفقراء» يمر عام كامل ولا يشهد عملا مشتركا يجمع بينهما من إنتاج شركتهما. بركات كشف المستور ويرى الكاتب أنه ربما لم تكن أزمة 1949 هى الأولى فى حياة الزوجين ليلى وأنور لكنها بكل تأكيد لم تكن أيضا الأخيرة، فقد ظل الزوجان نحو ثمانى سنوات من النجاح الفنى والفشل الأسرى، فلماذا وصلت الأمور بين ليلى وأنور إلى الطلقة الثالثة والبائنة على الرغم مما بينهما من حب؟، ولخص الكاتب الصحفى مصطفى أمين مشكلة أنور وجدى مع ليلى مراد فى كتابه شخصيات لا تنسى حين قال: «... ثم أحب النجمة ليلى مراد يقصد أنور وجدى حبا مجنونا وعرض عليها الزواج فرفضت، وألح عليها وطاردها فى كل مكان، واشترطت أن تعمل فى أى شركة أخرى غير شركته، وقبل أنور، واشترطت أن تدفع شركة أنور وجدى أجر كل دور تمثله فى أفلامه مقدما، وقبل أنور وجدى، واشترطت أن يبقى حسابها فى البنوك مستقلا عن حساباته، ووافق أنور وجدى، وتزوجا، وكتبت الصحف والمجلات عن أسعد زوجين فى العالم وعن الحب الذى اشتعل بعد الزواج. مصطفي امين وجاء أنور إلى مكتبى وفاجأنى بأنه أتعس زوج فى العالم، وأن أكبر غلطة ارتكبها فى حياته أنه تزوج من ليلى مراد.. إن غلطتى أننى تزوجت من نجمة مشهورة تعتقد أنها أشهر منى.. تزوجت من امرأة عنيدة تعتقد أنها ليست بحاجة إلى أموالى، وقامت بيننا خلافات.. إن ليلى تعمل مع شركات سينمائية، وأنا صاحب شركة سينمائية، وبينى وبين هذه الشركات منافسات، وأى فيلم تظهر فيه ليلى مراد يضرب أفلامى، وأنا أخشى أن تنجح وتقضى على أفلامى، وأخشى أن تفشل، وبذلك أفقد النجمة التى أعتمد عليها.. فقلت: إن هذا كلام جديد، أنت قلت لى إنها اشترطت عليك أن تمثل مع شركات أفلام منافسة لشركتك وأنت قبلت هذا الشرط.. قال: نعم لأننى كنت أحبها كثيرا، وسألته: والآن؟..أحبها، إنما أحب نفسى أيضا، أحب مصلحتى، أحب شركتى». وفى مقابل ما نقله مصطفى أمين عن أنور وجدى فإن ليلى مراد قالت كلاما مشابها لمجلة «الفن» فى الثانى من مارس 1953، وارجعت ازمتها مع زوجها إلى علاقات العمل، وقالت: «أساس الخلاف هو العمل لأنه مش عاوزنى أشتغل غير فى الشركة بتاعته، وأنا عندى مصاريف، ويمكن لو كان عندى ثروة قوت القلوب كنت وافقت على طلباته». وعلى الرغم من توافق تصريحات ليلى وأنور عن أسباب الطلاق، فقد راجت فى صحافة هذه الفترة رواية أخرى تقف وراء الطلاق الثالث أعاد روايتها الكاتب حسين عثمان فى مجلة «الكواكب» بعددها الصادر بتاريخ 17 نوفمبر من عام1981 عن حسناء فرنسية أتى بها أنور وجدى من باريس إلى القاهرة، واستأجر لها شقة بالزمالك، وأن ليلى فى مشهد أقرب إلى الأفلام السينمائية قامت بضبطهما فطلبت الطلاق على الفور. وأيا كان الأمر فقد وقع الطلاق الثالث والأخير، وانصرف كل منهما لاستئناف حياته مع شريك آخر، فتزوجت ليلى من قائد الجناح وجيه أباظة، ثم من المخرج فطين عبدالوهاب، وتزوج أنور من الممثلة ليلى فوزى قبل فترة وجيزة من وفاته سنة 1955. «المحلل» ليلى مراد وأنور وجدى يبحثان عن «محلل»، كان هذا هو عنوان خبر اوردته جريدة الصباح فى 12 سبتمبر من عام 1952 بباب «شكشكة»، يكشف عن استمرار تداعيات الطلاق بين النجمين الكبيرين بعد انفصالهما، وجاء فى سياق الخبر أن وسطاء الخير فى سبيلهم لإعادة الصلح بين أنور وجدى وليلى مراد إقناعهما بالعودة إلى الزواج ولم يبقَ إلا أن يجدا «المحلل»، الذى يكون موضع الرضا والثقة من الزوجين، لأن الطلقة الأخيرة كانت الثالثة، ولا يمكن إعادة الحياة الزوجية بينهما من جديد إلا بعد ليلة أو أكثر يقضيها المحلل المجهول مع الزوجة ثم يطلقها، لتعود بعد ذلك إلى الزواج من أنور. ويتساءل أشرف غريب فى كتابة هل تمت بالفعل فكرة المحلل وعاد أنور وليلى لاستئناف حياتهما الزوجية؟.. وتجيب ليلى مراد بنفسها عن هذا التساؤل بعد أن هدأت العاصفة، وتقول فى حوارها لمجلة «الفن» والمنشور فى الثانى من مارس 1953: «الحقيقة إنى ما قدرتش أتصور حكاية المحلل دى، وعشان كده ما حصلش «رد»، وتقدر تقول إننا فى حالة طلاق رسمى وإننا لم نتزوج مرة أخرى.