قومي حقوق الإنسان: منع الأعضاء المنتمين للأحزاب من متابعة انتخابات الشيوخ 2025    نتنياهو: أوافق على صفقة التبادل فقط إذا كانت جيدة أما الصفقات السيئة فلن أقبلها    لوكا مودريتش يستقر على رقم قميصه مع ميلان الإيطالي    الداخلية تضبط شخصًا دفع كلبًا تجاه مواطن بهدف المزاح والتربح عبر مواقع التواصل بالدقهلية    تامر حسني: غنائي مع محمد منير جايزة كبيرة    بمشاركة محمد فراج وبسنت شوقي.. حسين الجسمي يطلق كليب "مستنيك"    لفقدان الوزن- 4 أشياء تجنبها قبل التاسعة صباحًا    غدا.. الحكم فى طعن مرشح على قرار استبعاده من انتخابات الشيوخ بقنا    خارجية الشيوخ: كلمة الرئيس السيسي أمام قمة الاتحاد الإفريقي ترسّخ مكانة مصر    حماس: نتنياهو لا يريد التوصل لاتفاق.. ويتفنن في إفشال المفاوضات    يترشح للمرة الثامنة وحكم 43 عامًا.. من هو بول بيا أكبر رئيس دولة في العالم؟    بعد حصولهم على مقعدين ب«الشيوخ».. «عليا الوفد» تعلن إجراءاتها لخوض انتخابات «النواب»    «ريبيرو يرفض».. علي ماهر يجدد طلبه لضم نجم الأهلي    بعد اعتذار الهلال.. حقيقة رفض النصر المشاركة في السوبر السعودي    رسميًا.. لاعب منتخب مصر للشباب يوقع أول عقد احترافي مع أرسنال    محافظ الجيزة يعتمد مواعيد امتحانات الدور الثانى    لليوم الثاني.. استمرار أعمال تصحيح أوراق امتحانات طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية ببنها    رئيس الوزراء: إعداد مشروع إسكان جديد لنقل سكان العمارات الآيلة للسقوط بالإسكندرية    فعل خادش.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم على طريق الإسماعيلية الصحراوي    ضبط عامل ارتكب فعلا خادشا للحياء في القنطرة    النيابة تحيل 20 متهمًا في قضية منصة «FBC» إلى الجنايات الاقتصادية    مصر للطيران تعلن شروط حجز تذاكر موسم العمرة، تعرف على الإجراءات المطلوبة    موعد صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بعد الزيادة الجديدة.. رابط وخطوات الاستعلام    «أنا حيّ وأغني».. كاظم الساهر يرد على شائعة وفاته بحفل مرتقب في الكويت    عمرو دياب ونجله عبدالله يتصدران التريند بإعلان أغنية «يلا»    استقرار الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب وتلقيه الرعاية اللازمة    من هم أصحاب الأعذار الذين لهم رخصة في الاغتسال والوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    خالد الجندي: «لا لذّة في الحياة إلا بصحبة الصادقين وأهل الله»    رئيس «الرقابة المالية» يشارك في جلسة نقاشية عن «حوكمة الشركات»    البورصة المصرية تغلق تعاملات الإثنين على ارتفاع جماعي.. ومؤشر EGX30 يصعد 2.04%    حملة تموينية مكبرة لضبط الأسواق بالعاشر من رمضان - صور    ننشر أسماء الفائزين في النسخة ال17 من "كشاف المترجمين"    محافظ الشرقية يشدد على سرعة إنهاء خدمات المواطنين بمركز ههيا التكنولوجي    وزير الداخلية الكويتي: لن نسمح بأي تجاوز لحزب الله اللبناني في بلادنا    تطوير جروبي وحديقة الأزبكية.. بيان جديد من محافظة القاهرة    افتتاح مركز طب الأسرة بقرية صفانية لخدمة 25 ألف مواطن (صور)    أكاديميون إسرائيليون: المدينة الإنسانية برفح جريمة حرب    وزارة النقل تنفي صلة الفريق كامل الوزير بتسجيل صوتي مزيف يروج لشائعات حول البنية التحتية    الإعدام ل3 سائقين والمؤبد ل2 آخرين قتلوا سائق بسبب خلافات سابقة بالقليوبية    ندوات للسلامة المهنية وتدريب العاملين على الوقاية من الحوادث بالأسكندرية    «قناة السويس» تبحث التعاون مع كوت ديفوار لتطوير ميناء أبيدجان    السعيد حويلة.. قصة 45 سنة حداد ماكينات ري الأراضي الزراعية بكفر الشيخ: بحبها من صغري ومعنديش شغلانة غيرها (صور)    لفت الأنظار في المونديال.. بالميراس يرفض 3 عروض أوروبية لريتشارد ريوس    «الوطنية للتدريب» تواصل تنفيذ برنامج «المرأة تقود في المحافظات المصرية»    «الأوقاف» تُطلق الأسبوع الثقافي ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    رئيس الوزراء يبدأ جولة تفقدية لعدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية    تحولات الوعي الجمالي.. افتتاح أولى جلسات المحور الفكري ل المهرجان القومي للمسرح (صور)    رئيس هيئة الرعاية الصحية: تكلفة تشغيل التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة تتخطى 26 مليار جنيه حتى الآن    توزيع 977 جهاز توليد الأكسجين على مرضى التليفات الرئوية «منزلي»    "لازم وقفة وبطالب الأهلي ببلاغ".. شوبير يفتح النار على مصطفى يونس    ماذا قال رئيس مجلس الدولة لوزير الأوقاف خلال زيارته؟    غزة: الاحتلال يشن حرب تعطيش ممنهجة ويرتكب 112 مجزرة بحق طوابير تعبئة المياه    أوروبا تسير على خطى ترامب في مطاردة المعادن الحيوية مع تأجج الحرب التجارية    مستشار الرئيس للصحة: الالتهاب السحائي نادر الحدوث بمصر    12 صورة لضرب لويس إنريكي لاعب تشيلسي بعد المباراة    دعاء في جوف الليل: اللهم اللهم أرِح قلبي بما أنت به أعلم    "عندي 11 سنة وأؤدي بعض الصلوات هل آخذ عليها ثواب؟".. أمين الفتوى يُجيب    أول رد فعل ل وسام أبوعلي بعد بيان الأهلي ببقائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد المصرى والضفادع المسلوقة
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 08 - 2009

يقال إن حكيما صينيا أتى بمجموعة من الضفادع ووضع كلا منها فى إناء منفصل به ماء بارد وبعض الأعشاب التى تتغذى عليها الضفادع عادة. ثم حمل الأوانى ووضعها فوق موقد مشتعل بحيث يتم تسخين المياه ببطء، ثم جلس يراقب ما تفعله الضفادع.
ولاحظ الحكيم أن أغلب الضفادع لم تنتبه إلى الزيادة فى درجة الحرارة إلا عندما أصبح الماء ساخنا جدا وأصبحت فى حال من الإعياء لا يمكن معها الفرار من الإناء وتحولت فى النهاية إلى ضفادع مسلوقة، إلا ضفدع وحيد، يبدو أنه أكثر ذكاء، ما إن أحس بالسخونة المتزايدة حتى استجمع قواه، قبل أن تخور، وقفز قفزة هائلة خرج بها من الإناء وسقط على الأرض ومن ثم اختفى بسرعة فى نهر صغير مجاور للموقد.
قرأت هذه الحكاية أخيرا وقفز إلى ذهنى مباشرة عدد من المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى والتى يبدو أننا نتعامل معها بنفس الطريقة التى تعاملت بها الضفادع مع الماء الساخن. وأول تلك المشكلات مشكلة تزايد السكان حيث قارب تعداد مصر حاليا ثمانين مليونا، بينما أذكر، وأنا طفل صغير، أن والدى قال لى إن تعداد مصر 16 مليونا وذلك حسب إحصاء قامت به الحكومة سنة 1946 (على ما أذكر). وفى سنة 1956 أذكر أغنية مشهورة، خلال فترة العدوان الثلاثى على مصر، كان يغنيها المطرب محمد عبدالمطلب يقول فيها «عشرين مليون عبدالناصر هيحاربوا الاستعمار» ولابد أن التعداد الحقيقى كان عندئذ فى هذه الحدود. وعندما تولى الرئيس السادات الحكم كان التعداد قد بلغ حوالى 35 مليونا وقفز إلى 45 مليونا فى سنة 1981عندما تولى الرئيس مبارك الحكم والآن وصلنا إلى 80 مليونا!! أى إن تعداد مصر قد زاد ب5 أضعاف خلال ما يقارب من 60 عاما. وبالطبع فقد انعكس ذلك بالسالب على كل نواحى الحياة فى مصر. وانخفض نصيب الفرد من الأرض الزراعية بشدة وأصبحنا نستورد أكثر من 50% من غذائنا من الخارج. وبعد أن كنا نصدر البترول أصبحنا نستورده وتفاقمت أزمة المساكن وانتشرت العشوائيات. كل ذلك ومعدل الزيادة فى السكان ما زال يضيف ما لا يقل عن 1.5 مليون نسمة سنويا دون أمل فى تخفيضه.. ألا يذكرنا ذلك بالضفدع المسكين الذى ترتفع درجة حرارة المياه من حوله دون أن يلاحظ الكارثة التى تقترب منه ودون أن يستجمع قواه ويقفز خارجا من الإناء؟!
يقول قائل وما الحل؟ وما الذى يمكن أن نفعله لمواجهة هذه المشكلة؟ أقول، ولست خبيرا فى مجال دراسات السكان وتنظيم الأسرة، إن هناك التجربة الصينية فى هذا المجال والتى كان لى الحظ أن أراقبها عن قرب فى زيارة للصين منذ شهر. الصين قفزت خارج الإناء وأقدمت على حلول جذرية، قاسية لكن فعالة. فمنذ عشرين عاما أصدرت قانونا يفرض غرامة باهظة تدفعها الأسرة عن كل طفل يولد بعد الطفل الأول مع بعض الاستثناءات للمناطق الريفية المحتاجة إلى عمالة ولبعض الأقليات المهددة بالانقراض. وكانت النتيجة أن تعداد الصين الآن يقل عما كان سيصل إليه دون هذا الإجراء ب400 مليون نسمة. وبالطبع أنا لا أدعو إلى أن ننقل الحل الصينى.. ولكن أدعو أن نواجه المشكلة باستنفار قومى يبحث عن حلول غير تقليدية ويوضح للمواطنين حجم الكارثة القادمة إذا ما استمرينا فى تجاهل الزيادة المضطردة فى السكان.
ويمثل نظام التعليم فى مصر مشكلة أخرى تتفاقم يوما بعد يوم ويكفى أن ننظر إلى مستوى خريجى الثانوية العامة، بل، والجامعات ليتبين لنا ما وصلنا إليه فأغلبهم غير قادر على كتابة خطاب بسيط دون أن يقع فى أخطاء لغوية وإملائية فادحة، كما أن معلوماتهم العامة ضحلة إلى درجة تدعو للرثاء. والأدهى من ذلك، فى حالة الثانوية العامة، أن مجاميع هؤلاء الطلاب قد أصبحت مدعاة للسخرية والتندر.. فأعداد الحاصلين على مجموع يفوق 95% (!!) بلغت عشرات الألوف وكأن الطلبة المصريين قد أصابتهم موجة من النبوغ والتفوق بينما هم فى الحقيقة يأتون فى ذيل القائمة مقارنة بأغلب الدول، نامية هى أو متقدمة. وإذا رجعنا بالذاكرة بضع عقود إلى فترتى الأربعينيات والخمسينيات لوجدنا أن التعليم العام فى مصر كان على مستوى يضاهى أفضل الدول الأوروبية، وكان تقييم الطلاب يتم بصرامة ودون التدليل المفرط الذى نشهده الآن، وأتذكر أن أول الثانوية العامة فى عام 1958، وهو العام الذى حصلت فيه على تلك الشهادة، كان 91%، وكان من يحصل على 75% يضمن أن يدخل الكلية التى يرغب فيها أيا كانت، وهو مجموع لا يسمح الآن بدخول أى كلية ولا حتى كلية الآداب فى أبعد الجامعات الإقليمية. كل هذا يوضح مدى عبثية نظام التعليم، فبينما انخفض مستوى الطلاب بشدة ارتفعت درجاتهم إلى أرقام خيالية مؤكدة مدى التسيب الذى انتاب التعليم فى مصر.
مرة أخرى الوضع يتدهور سنة بعد أخرى ونحن لاهون عما يحدث حتى أوشك النظام كله أن ينهار من أساسه.. ألا يذكرنا ذلك بوضع الضفادع الصينية وهى فى الرمق الأخير وتوشك أن تتحول إلى ضفادع مسلوقة تطفو على وجه الإناء؟ ألا يتطلب ذلك أن نستجمع قوى هذا المجتمع لنقفز خارج الإناء ونطبق حلولا جذرية تنقذ نظام التعليم فى مصر؟
مرة أخرى لا أدعى أن لدى حلولا جاهزة ولكنى متأكد أننا إذا حولنا الموضوع إلى قضية قومية واستجمعنا موارد هذه الأمة وأعطينا الأمر أولوية مطلقة من حيث الجهد والمال لاستطعنا، كما استطاع غيرنا، أن نتفادى كارثة قومية توشك أن تداهمنا.
إن هاتين المشكلتين الزيادة السكانية والتعليم هما فى رأيى أهم ما يمنعنا من أن ننطلق قدما فى تحويل هذا البلد إلى بلد متقدم يتمتع بالرفاهية والاستقرار. صحيح أن هناك مشكلات أخرى ولكنها جميعا لا تقارب حجم هاتين المشكلتين ومن هنا يجب أن يكون لهما الأولوية فى توجيه الموارد والجهود، وإن كان الخروج منهما يتطلب أيضا أن نكون مستعدين لتطبيق حلول جريئة وغير تقليدية وأن نفكر خارج الأطر المعتادة (Out of the box) وأن نقفز خارج الإناء.. الوقت يمر والماء يزداد سخونة.. ولنا أن نتساءل متى تقفز الضفادع؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.