أسقف برج العرب والعامرية يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025.. صور    مصر والسعودية توقعان مذكرة تفاهم لتطوير التعاون في مجال الطرق والنقل    رئيس الوزراء يوجه بتعظيم الإيرادات الاستثمارية للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي    نتنياهو يبحث مع كوشنر نزع سلاح حماس وتشكيل قوة دولية لمراقبة غزة    جارية الان.. مباشر.. مصر تواجه إنجلترا في مباراة حاسمة بكأس العالم للناشئين تحت 17 عامًا    بعثة الزمالك تعود إلى القاهرة بعد خسارة السوبر المصري    وفاة المطرب الشعبى إسماعيل الليثى بعد تدهور حالته الصحية    الآثار: المتحف الكبير يستقبل 19 ألف زائر يوميًا    "ملكة القطن" يحصد جائزة أفضل فيلم روائي طويل بمهرجان سالونيك السينمائي الدولي    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة «انتخب واطمّن» لتأمين الناخبين بالأقصر وأسوان    الشيوخ الأمريكى يخطو أولى خطوات إنهاء الإغلاق.. أصوات 8 ديمقراطيين تسمح بتمرير تشريع لتمويل الحكومة.. التنازل عن ضمانات دعم الرعاية الصحية يثير انتقادات داخل الحزب.. ذى أتلانتك: الديمقراطيون ارتكبوا خطأً فادحاً    وزراء النقل العرب يبحثون في القاهرة الكوارث البحرية والأمن السيبراني في الطيران المدني    جبران: قانون العمل الجديد أهم التشريعات الداعمة لبيئة الاستثمار في مصر    استعدادات التموين لشهر رمضان 2026 لضمان توافر السلع بأسعار مناسبة    محمد الغزاوي: زيزو لاعب كبير.. وانظروا على ما فعله بعد نهايه المباراة بعد مواساه لاعبي الزمالك    رسمياً.. تأجيل مباراة الأهلي وسموحة في كأس السوبر لكرة اليد    «حارس النيل» ينطلق من القاهرة قريبا.. أول قطار سياحي فاخر يجوب معالم مصر    ضبط متهمين بحوزتهما 12 ألف عبوة سجائر مجهولة المصدر بمطروح    ضبط المتهم بالتعدي على صاحب محل بحلوان والتسبب في وفاته    السيطرة على حريق ضخم في مصنع بويات بالسادات ومصرع عامل وإصابة آخر    انتظام سير امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول في جامعة العريش    إطلاق سراح ساركوزى رئيس فرنسا الأسبق ووضعه تحت الرقابة القضائية في قضية التمويل الليبي    ياسر جلال ل اليوم السابع: خطابي كان بشكل عفوي وتأكدت أن المعلومة مغلوطة    «يا جبل مايهزك ريح».. 3 أبراج قوية وثابتة بعد الانفصال    ترامب يمنح عفوا لعدد من المتهمين في ملف انتخابات 2020.. بينهم جولياني    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    أحمد مجاهد يعلن الاحتفال بمئوية طوغان في معرض الكتاب 2026    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    3272 متقدما فى اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    اشتريت سيارة ووجدت بها عيبا فهل يجوز بيعها دون أن أُبين؟.. الأزهر للفتوى يجيب    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لسارقي الآثار بالشرقية    صور| رئيس منطقة الغربية الأزهرية يتابع انتظام الدراسة بالمعاهد في طنطا    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    نفذوا جولات استفزازية.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    وزير المالية: نسعى لتنفيذ صفقة حكوميه للتخارج قبل نهاية العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد المصرى والضفادع المسلوقة
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 08 - 2009

يقال إن حكيما صينيا أتى بمجموعة من الضفادع ووضع كلا منها فى إناء منفصل به ماء بارد وبعض الأعشاب التى تتغذى عليها الضفادع عادة. ثم حمل الأوانى ووضعها فوق موقد مشتعل بحيث يتم تسخين المياه ببطء، ثم جلس يراقب ما تفعله الضفادع.
ولاحظ الحكيم أن أغلب الضفادع لم تنتبه إلى الزيادة فى درجة الحرارة إلا عندما أصبح الماء ساخنا جدا وأصبحت فى حال من الإعياء لا يمكن معها الفرار من الإناء وتحولت فى النهاية إلى ضفادع مسلوقة، إلا ضفدع وحيد، يبدو أنه أكثر ذكاء، ما إن أحس بالسخونة المتزايدة حتى استجمع قواه، قبل أن تخور، وقفز قفزة هائلة خرج بها من الإناء وسقط على الأرض ومن ثم اختفى بسرعة فى نهر صغير مجاور للموقد.
قرأت هذه الحكاية أخيرا وقفز إلى ذهنى مباشرة عدد من المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى والتى يبدو أننا نتعامل معها بنفس الطريقة التى تعاملت بها الضفادع مع الماء الساخن. وأول تلك المشكلات مشكلة تزايد السكان حيث قارب تعداد مصر حاليا ثمانين مليونا، بينما أذكر، وأنا طفل صغير، أن والدى قال لى إن تعداد مصر 16 مليونا وذلك حسب إحصاء قامت به الحكومة سنة 1946 (على ما أذكر). وفى سنة 1956 أذكر أغنية مشهورة، خلال فترة العدوان الثلاثى على مصر، كان يغنيها المطرب محمد عبدالمطلب يقول فيها «عشرين مليون عبدالناصر هيحاربوا الاستعمار» ولابد أن التعداد الحقيقى كان عندئذ فى هذه الحدود. وعندما تولى الرئيس السادات الحكم كان التعداد قد بلغ حوالى 35 مليونا وقفز إلى 45 مليونا فى سنة 1981عندما تولى الرئيس مبارك الحكم والآن وصلنا إلى 80 مليونا!! أى إن تعداد مصر قد زاد ب5 أضعاف خلال ما يقارب من 60 عاما. وبالطبع فقد انعكس ذلك بالسالب على كل نواحى الحياة فى مصر. وانخفض نصيب الفرد من الأرض الزراعية بشدة وأصبحنا نستورد أكثر من 50% من غذائنا من الخارج. وبعد أن كنا نصدر البترول أصبحنا نستورده وتفاقمت أزمة المساكن وانتشرت العشوائيات. كل ذلك ومعدل الزيادة فى السكان ما زال يضيف ما لا يقل عن 1.5 مليون نسمة سنويا دون أمل فى تخفيضه.. ألا يذكرنا ذلك بالضفدع المسكين الذى ترتفع درجة حرارة المياه من حوله دون أن يلاحظ الكارثة التى تقترب منه ودون أن يستجمع قواه ويقفز خارجا من الإناء؟!
يقول قائل وما الحل؟ وما الذى يمكن أن نفعله لمواجهة هذه المشكلة؟ أقول، ولست خبيرا فى مجال دراسات السكان وتنظيم الأسرة، إن هناك التجربة الصينية فى هذا المجال والتى كان لى الحظ أن أراقبها عن قرب فى زيارة للصين منذ شهر. الصين قفزت خارج الإناء وأقدمت على حلول جذرية، قاسية لكن فعالة. فمنذ عشرين عاما أصدرت قانونا يفرض غرامة باهظة تدفعها الأسرة عن كل طفل يولد بعد الطفل الأول مع بعض الاستثناءات للمناطق الريفية المحتاجة إلى عمالة ولبعض الأقليات المهددة بالانقراض. وكانت النتيجة أن تعداد الصين الآن يقل عما كان سيصل إليه دون هذا الإجراء ب400 مليون نسمة. وبالطبع أنا لا أدعو إلى أن ننقل الحل الصينى.. ولكن أدعو أن نواجه المشكلة باستنفار قومى يبحث عن حلول غير تقليدية ويوضح للمواطنين حجم الكارثة القادمة إذا ما استمرينا فى تجاهل الزيادة المضطردة فى السكان.
ويمثل نظام التعليم فى مصر مشكلة أخرى تتفاقم يوما بعد يوم ويكفى أن ننظر إلى مستوى خريجى الثانوية العامة، بل، والجامعات ليتبين لنا ما وصلنا إليه فأغلبهم غير قادر على كتابة خطاب بسيط دون أن يقع فى أخطاء لغوية وإملائية فادحة، كما أن معلوماتهم العامة ضحلة إلى درجة تدعو للرثاء. والأدهى من ذلك، فى حالة الثانوية العامة، أن مجاميع هؤلاء الطلاب قد أصبحت مدعاة للسخرية والتندر.. فأعداد الحاصلين على مجموع يفوق 95% (!!) بلغت عشرات الألوف وكأن الطلبة المصريين قد أصابتهم موجة من النبوغ والتفوق بينما هم فى الحقيقة يأتون فى ذيل القائمة مقارنة بأغلب الدول، نامية هى أو متقدمة. وإذا رجعنا بالذاكرة بضع عقود إلى فترتى الأربعينيات والخمسينيات لوجدنا أن التعليم العام فى مصر كان على مستوى يضاهى أفضل الدول الأوروبية، وكان تقييم الطلاب يتم بصرامة ودون التدليل المفرط الذى نشهده الآن، وأتذكر أن أول الثانوية العامة فى عام 1958، وهو العام الذى حصلت فيه على تلك الشهادة، كان 91%، وكان من يحصل على 75% يضمن أن يدخل الكلية التى يرغب فيها أيا كانت، وهو مجموع لا يسمح الآن بدخول أى كلية ولا حتى كلية الآداب فى أبعد الجامعات الإقليمية. كل هذا يوضح مدى عبثية نظام التعليم، فبينما انخفض مستوى الطلاب بشدة ارتفعت درجاتهم إلى أرقام خيالية مؤكدة مدى التسيب الذى انتاب التعليم فى مصر.
مرة أخرى الوضع يتدهور سنة بعد أخرى ونحن لاهون عما يحدث حتى أوشك النظام كله أن ينهار من أساسه.. ألا يذكرنا ذلك بوضع الضفادع الصينية وهى فى الرمق الأخير وتوشك أن تتحول إلى ضفادع مسلوقة تطفو على وجه الإناء؟ ألا يتطلب ذلك أن نستجمع قوى هذا المجتمع لنقفز خارج الإناء ونطبق حلولا جذرية تنقذ نظام التعليم فى مصر؟
مرة أخرى لا أدعى أن لدى حلولا جاهزة ولكنى متأكد أننا إذا حولنا الموضوع إلى قضية قومية واستجمعنا موارد هذه الأمة وأعطينا الأمر أولوية مطلقة من حيث الجهد والمال لاستطعنا، كما استطاع غيرنا، أن نتفادى كارثة قومية توشك أن تداهمنا.
إن هاتين المشكلتين الزيادة السكانية والتعليم هما فى رأيى أهم ما يمنعنا من أن ننطلق قدما فى تحويل هذا البلد إلى بلد متقدم يتمتع بالرفاهية والاستقرار. صحيح أن هناك مشكلات أخرى ولكنها جميعا لا تقارب حجم هاتين المشكلتين ومن هنا يجب أن يكون لهما الأولوية فى توجيه الموارد والجهود، وإن كان الخروج منهما يتطلب أيضا أن نكون مستعدين لتطبيق حلول جريئة وغير تقليدية وأن نفكر خارج الأطر المعتادة (Out of the box) وأن نقفز خارج الإناء.. الوقت يمر والماء يزداد سخونة.. ولنا أن نتساءل متى تقفز الضفادع؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.