صباح محايد بلا نوم، وبالتالى بلا أرق.. جدران باردة لا تنتمى لداخلى.. ميدان التحرير من خلف نافذة علوية.. أحدق بالتفاصيل الأنثوية المرتبكة والذكورية الأشد ارتباكا، بينما شمس أغسطس العنيدة المنعكسة على زجاج السيارات تؤلم العيون. أتذكرها وأندهش كونها منذ اللحظة الأولى كانت قادرة على إثارة دهشتى.. على إبهارى بدفء الاعتياد.. أحلامها المؤجلة تعصف بى، وأحلامى المبتورة تبعدنى عن فخذين أختبر بينهما محض اللذة، لتصلبنى فى استسلام الرضا بين عينين أثق بقدرتهما على بذل الحب.. كذبتنا الصادقة! أعود لأطالع سيّال البشر المنحدر من أعلى لأسفل.. وجوه كثيرة عابرة.. أجساد منسوخة.. سماء تحترق لتنز الأرض بذرات الغبار أو البشر.. لا فارق جوهرى حقيقى فى تلك اللحظة، أرتشف ما تبقى من قهوتى الباردة تمتزج بصوت «إديث بياف» يتصاعد محمولا بنزق بيانو فرنسى قديم. ألو.. صباح الخير. صوتها ناعسا على الطرف الآخر من الوحدة ينشر بأنفى رائحة نهديها المرتبكين بين حمالتى قميص نومها وشعرها المبعثر فى همجية كارمن، دافئة أثق.. وانا الذى أجلس هنا بذلك الفراغ البارد، أنتصب متصنعا، وأتحدث متكلفا، وأجتهد فى تأكيد كذبة الاهتمام بتفاهات البشر. يجذبنى إليها بساطتها.. عفويتها.. وأنها امرأة كل الوقت.. كل الحالات، كونى أستطيع معها أن أكون كل شىء ولا شىء بالوقت ذاته، ترى هل يجذبنا عادة اختلاف ما بداخل الآخر أم هى تلك الفرصة النادرة كى نشعر بذلك الاختلاف الكامن بداخلنا ؟ الوقت ظهيرة.. ولا شىء يبعث تلك المرة على الغثيان، عندما أفرطت فى الشراب الليلة الفائتة خشيت عليها حقا من الغثيان، ووجدت نفسى أحدق بدهشتى وأحتضنها فى حنان وإشفاق، هل يخلق ضعف الآخر بنا نفس الضعف، ومن ثم الحنين. ربما.. كلنا ضعفاء حقا وبصورة غير واعية كونها غير محتملة. قرأت عن خفة الكائن التى لا تُحتمل.. وعرفت حب «نيرودا» والذى به الأرض ستواصل الحياة، ولكن ما الذى يمكن أن تمدنا به لذة الحياة على الأرض ما دمنا سنسقط بقبرينا كحجر؟ مادمنا ما بين خفة لا تُحتمل وثقل محتم، نحيا هذا الشتاء الداخلى الطويل! شتاء يتناقض مع ندرة زيارات المطر.. شتاء أبيض بلون أسرّة المرضى.. بمذاق قبلة محايدة على وجنة حبيبة تخترق أن ترتحل بشفتيها للجحيم. وقت أن قبلتها، تذكرت بحنايا جسدها رائحة المطر.. عرفت أن عطرها قادر على استعبادى.. إنه ذلك الاستسلام الطوعى للرأس تحت مقصلة تحولات الأنثى.. ذلك الاحتفال الوردى بهزيمة المراوغة. على مسافة طاولة تتهدل أطرافها كساعات «دالى» من المكاشفة، كانت تقبع أمامى فى استكانة تعذبنى.. تمرر أناملها المرتبكة على كتفين طفوليين مكشوفين لشبق الهواء، ربما لا تكون أنيقة.. هذه ملاحظة استطعت إقتناصها من غياب الحياد.. ولكن ما الذى يمكن أن يدفعنى لاستحضارها غير عارية؟ عارية إلا من شعرها وهواجسها.. هل يوما استطعت أن ارسم امرأة غير عارية؟ وهل جرؤ الإله ذاته على خلقنا إلا عراة؟