تتمثل مشكلة «لحظات التعلم» فى أن هذا اللفظ يضع جماعة فى وضعية المعلمين ويحيل أخرى إلى وضعية التلاميذ. وتمثل هذه مشكلة فى حالة الدول الديمقراطية. ومن خلال الصراع بين البروفيسور هنرى لويس جيتس والسرجنت جيمس كراولى بسبب اعتقال الثانى للأول أثناء محاولته دخول منزله، شعرت أطراف الحوار الوطنى كافة أنها يجب أن تلعب دور المعلم. وكانت الفكرة الرئيسية هى «لا.. فلتسمعنى أنت». وبدا أن الجميع يريدون أن يعلموا بعضهم البعض الحاجة إلى الاحترام، احترام ضباط الشرطة البيض للرجال السود، واحترام أساتذة هارفارد لضباط الشرطة فى أثناء تأديتهم مهام وظيفتهم. وكانت هذه لحظة مثالية بالنسبة للبروفيسور باراك أوباما، حيث حاول أن يشرح للجميع القضايا كافة. ويعد ذلك هو السبب فى تراجع أوباما بعد أن تعثر فى البداية وأخذ جانب جيتس وقوله إن القضية تكتنفها العديد من جوانب الخطأ والصواب، ودعوة كل من جيتس وكراولى إلى الجلوس معا فى البيت الأبيض. وهذه هى القراءة الرصينة للحدث التى يجب على الرجال الثلاثة تبادل الرأى حولها. ويؤكد جيتس، الكاتب الذى تصادف أنه أمريكى من أصل أفريقى أنه «ليست مهمة أمريكا السوداء تنشيط رموزها، حيث إن الرمزية هى واحدة من السلع القليلة التى توجد لدينا بوفرة». وبدلا من ذلك، حذر الكاتب من تبنى «خطاب يتحدث فيه الجميع عن سداد الدين، ومع ذلك لا يتم الدفع لأحد». وخلُص إلى أن «نتيجة ذلك هو تحول السياسة المتعلقة بالعنصر إلى محكمة من وحى الخيال يطالب فيها السود بمعاقبة البيض على أفعالهم السيئة ويطالب البيض بمعاقبة السود على أفعالهم السيئة أيضا، مما يؤدى إلى حالة لا نهائية من الردة وتسوية الحسابات». هذا صحيح تماما، ومن ثم لا يحتاج سكيب جيتس أن يسعى لتبنى مثل هذه القراءة الرصينة، لأنه قام بذلك بالفعل، حيث إنه كتب هذه الكلمات فى نيويوركر عام 1995. لقد استخدمت تعبير «سكيب» لأنى أعرف جيتس منذ نحو 35 عاما. وقد أعجبت به منذ وقت طويل، بسبب تمسكه المدهش بأخلاق المهنة، وكذلك دقة ورصانة كتاباته وعلمه. وأريد من جيتس أن يضع نهاية لهذه القصة، سواء للأسباب التى صاغها هو نفسه بطريقة جيدة للغاية، أو لغيرها من الأسباب. فهو يدرك، مثله مثل الجميع، أن أكثر ما يحطم الآمال فى العدالة والمساواة هو معركة تُدار على أسس عرقية أو طبقية. وبالنظر إلى ميل الجميع إلى أن يصبحوا من كتاب السيرة الذاتية خلال تلك اللحظات «التعليمية»، فسوف أمارس أنا أيضا حقى فى ذلك. فمنذ أن كنت فى الجامعة فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات وأنا أشعر بالغضب إزاء الطابع النخبوى الذى يظهره الليبراليون الموسرون تجاه الطبقة العاملة البيضاء. وكنت أشعر بذلك كواحد من المنتمين إلى اليسار. ومن وحى هذا القلق كتبت أطروحتى للدكتوراه. وقد جعلنى الجدل الراهن أعود إلى الذاكرة، من خلال تصفح أرشيف صحيفة الكلية التى كنت أدرس بها، كى أرى ما إذا كانت وجهات نظرى الأولية تتفق مع الواقع أم لا. وفيما يلى ما كتبته فى عام 1973 هو عام تخرجى فى الجامعة أيا كانت قيمته: «يتمثل الأمر الأكثر إثارة للقلق فيما يتعلق بهجوم المحافظين على الطلاب اليساريين فى أن العديد من الاتهامات الموجهة إليهم صحيحة. فغالبا ما كان الطلبة اليساريون يتميزون بنوع من النخبوية والغطرسة الفكرية. وكانت قضايا العنصرية من أكثر القضايا تدميرا وإثارة للانقسام. وبالطبع من الواضح أن مطالب السود بشأن المساواة الاقتصادية والسياسية لها ما يبررها.. لكن الطريقة التى تطورت بها هذه الأمور أدت إلى انعزال الطبقة العاملة البيضاء عن الحركة المطالبة بالمساواة. وقد تمرد العمال البيض لأنهم شعروا بأنهم مجبرون على دفع نصيب غير عادل من تكاليف حالة الظلم الراهن.. إنه لمن المحزن أن البيض الذين احتجوا على أنهم قد جرى التمييز لصالحهم غالبا ما تلقوا الهجوم بدعوى أنهم عنصريون.. وفى النهاية، كان الخاسرون هم أصحاب أكبر مصلحة فى الإصلاح الاجتماعى وهم العمال البيض والسود والطلاب اليساريون». إننى أخاطر باقتباس ما كتبته فى شبابى كى أطرح أننا مازلنا نشاهد نفس اللعبة منذ زمن طويل جدا، وأنها دائما ما تنتهى نهاية سيئة بالنسبة لأولئك الراغبين فى المساواة والإصلاح الاجتماعى. ففى الوقت نفسه الذى طُلب فيه إلى أوباما التعليق على قضية جيتس، كان يحاول الدفاع عن قضية نظام الرعاية الصحية الشاملة، وهى الخطوة الأهم فى طريق العدالة الاجتماعية، منذ إقرار الحقوق المدنية والرعاية الصحية. لكن كلمة واحدة هى «بغباء» والتى أدلى بها عند وصفه تصرف الشرطة تجاه جيتس كانت كفيلة بجعل الجميع يهرولون للخلف فى اتجاه الردة وتسوية الحسابات». كان على السرجنت كروالى عدم اعتقال جيتس، وهو ما أقرت به الشرطة ضمنيا عبر إسقاطها الاتهامات التى وجهتها إليه. لكن جيتس يعلم أن ضابط الشرطة هذا، ذا السجل الجيد، ليس هو العدو. دعونا إذَن نضع الآن نهاية لتصفية الحسابات. واشنطن بوست