لست من الذين يتورطون فى إلصاق صفات مسبقة بآخرين، ولست من محبى توزيع أختام «النقاء الثورى» أو «الوطنية الخالصة» إن بالإيجاب أو السلب على الحشود الأفراد، ودوما ما أدافع عن الحق فى التعبير الحر عن الرأى وقبول الرأى الآخر واحترام الاختلاف. إلا أن متابعتى للاحتفالات «الرسمية الشعبية» فى 25 يناير وللافتات وللشعارات وللمطالب التى رفعها الجمع المحتفل (والذى لا يعنينى هنا تقييمه عدديا) وكذلك لمجمل الأحداث الراهنة فى مصر، أثارت لدى أسئلة جوهرية أوجهها من هنا إلى المحتفلين الرسميين (الدولة ومؤسساتها) والشعبيين (المواطنات والمواطنون الذين شاركوا بالتواجد فى الميادين): 1 هل يتسق مع إحياء الذكرى الثالثة لثورة أرادت الانتصار لحقوق الإنسان وللحريات وإنهاء الممارسات الظالمة والانتهاكات المستمرة ومحاسبة المتورطين بها من مسئولين سياسيين وتنفيذيين وأمنيين، أن تتجدد الانتهاكات وتسيل دماء مصرية ويسقط جرحى وتعتقل مجموعة كبيرة من المواطنات والمواطنين، والدولة ومؤسساتها بين صمت وتبرير ورفض للتحقيق فى أداء الأجهزة الأمنية وشواهد الاستخدام المفرط للقوة والجمع الشعبى المحتفل بين تبرير يستند إلى مقولات «الحرب على الإرهاب» و«نزع الوطنية» و«العقاب الجماعى» ورغبة فى التجاهل والتعتيم على الانتهاكات وكأنها أنباء غير مؤكدة عن وقائع بعيدة فى بلد غريب؟ 2 هل يتسق مع إحياء الذكرى الثالثة لثورة أرادت التخلص من الاستبداد ومن هيمنة الحاكم الفرد على الدولة والمجتمع واستتباعه للسلطات العامة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ومن وضعه فوق القانون والمحاسبة بهالات من القدسية المتوهمة التى دوما ما أنتجتها وروجت لها أقلام وأصوات النفاق وخدمة السلطان وممالأة نخب الحكم، أن تجدد دماء هيمنة الحاكم الفرد وتجدد خلايا وأطراف صناعتى النفاق والممالأة ويزيف فى 25 يناير وعى الناس باتجاه الربط العضوى بين صالح الوطن وبين وصول «البطل المخلص» أو «البطل الضرورة» إلى سدة الحكم تماما كما يزيف الوعى باتجاه الربط بين الوطنية وبين الرأى الواحد والموقف الواحد والصوت الواحد ويبرر من ثم قمع المعارضين، وكل هذا والجمع الرسمى والشعبى فى مواقع الاحتفال لا يغادرها أبدا؟ 3 هل يتسق مع إحياء الذكرى الثالثة لثورة أرادت بناء الديمقراطية وممارسة التعددية والمنافسة السياسية فى إطار احترام سيادة القانون والمساواة الكاملة بين المواطنين، أن تُقمع أقلام وأصوات وتتعقب أجسادا ترى فى ترتيبات الحكم الراهنة خروجا على الديمقراطية يرتكن إلى نصوص دستورية وقانونية وممارسات سياسية كارثية وإلى إعادة إنتاج للتعددية وللمنافسة المقيدتين اللتين وصمتا نظام الرئيس الأسبق مبارك وإلى تجديد لسيطرة المكون العسكري الأمنى على الدولة والمجتمع والمواطن؟ هل يتسق مع ذكرى 25 يناير قمع وتعقب هؤلاء وهم يلتزمون بالتعبير السلمى عن الآراء والمواقف؟ 4 هل يتسق مع إحياء الذكرى الثالثة لثورة أرادت صياغة دولة عادلة ومجتمع متوازن يحفظ الكرامة الإنسانية ويحمى الحقوق والحريات وينظر إلى العالم القريب والبعيد بثقة دون خوف واعتداد بالنفس وبالوطن دون شوفينية، أن يتواصل تشويه ثورة يناير بإفك يروج له وبنظريات مؤامرة لا صدقية لها وأن يزج بالمصريات والمصريين إما إلى خوف من العالم خارج حدودنا (ما لم يناصر ماليا كل خطوة وكل سياسة تنفذها الدولة ومؤسساتها) أو إلى الاستعلاء والشوفينية على الجوار الفقير والمكلوم من حولنا (الشعب الفلسطينى والشعب السورى كمثالين). 5 هل تشعر ضمائركم الفردية بالارتياح وهل ينحى ضميركم الجماعى جانبا الشكوك والهواجس والمخاوف المشروعة على وطن لن تصنعه الكراهية ودولة ومجتمع طال انتظار تحولهما إلى العدل والديمقراطية؟ غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.