الدكتورة هالة يوسف، أستاذة الصحة العامة بقصر العيني، التي تولت منذ أسابيع قليلة منصب مقرر المجلس القومي للسكان، تعد حاليا لعقد مؤتمر قومي للقضية السكانية، تحت رئاسة حازم الببلاوي، رئيس الوزراء، الأسبوع القادم؛ لإعادة القضية السكانية على أجندة الحكومة. عن المؤتمر، وعن رؤيتها للقضية السكانية، وما استفادته من عملها لسنوات مع العديد من المنظمات المصرية والدولية، في مجالات بحثية وتنفيذية، في قضايا السكان والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، والتثقيف الصحي، وخدمات رعاية الحوامل ورعاية حالات ما بعد الإجهاض، دار حوارنا معها. ما الهدف من المؤتمر الذى يعقد الأسبوع المقبل، بحسب المخطط له؟ - المؤتمر يعقد في 18 و19 نوفمبر، لإعادة وضع القضية السكانية على الأجندة السياسية، وتوضيح الوضع السكاني الحالي، ولإعلان السياسة السكانية لمصر 2013، ويعلنها رئيس الوزراء، وترأس المؤتمر وزيرة الصحة مها الرباط، ويشارك فيه عدد من الوزراء، والمحافظين والخبراء وممثلو المنظمات الوطنية والدولية، المهتمة بقضايا السكان والتنمية. " نريد أن تكون القضية السكانية، بما تعنيه من الارتقاء بالمستوى الصحي والتعليمي والاقتصادي للسكان، وإعادة توزيع السكان، والعدالة في الاستفادة من عوائد التنمية لجميع المواطنين، هي الأساس، في التخطيط والتنفيذ من قبل كل الوزارات، والهيئات الوطنية، على المستويين الرسمي والأهلي، واستثمار كل الفرص المتاحة للاستفادة من الثروة البشرية". القضية السكانية انحصرت لسنوات في تنظيم الأسرة.. فكيف ترينها؟ - القضية السكانية كما أراها الآن هي تحقيق العدالة الاجتماعية، التي لن تتحقق إلا بالتنمية البشرية، التي تساعد في إعادة توزيع السكان، والإنفاق أكثر على خدمات التعليم والصحة، بالجودة المطلوبة؛ لأنهما حق لكل مواطن، والتوسع في المناطق الصناعية الجديدة؛ لخلق فرص عمل للشباب، مع الأخذ في الاعتبار نتائج الأبحاث وتطوير مؤشرات المتابعة الميدانية. وكيف نطور مؤشرات متابعتنا لإنجازات الوزارات والهيئات المختلفة؟ - لا نريد أن نعتمد فقط على مؤشرات تنظيم الأسرة، كما كان في السابق، بل يجب أن نقيس الظواهر الأخرى مثل، أطفال الشوارع، زواج الأطفال قبل 18سنة، الذى يشهد عليه كل أفراد المجتمع المحيط بالفتاة، ويترتب عليه عادة تسرب الفتاة من التعليم، وعدم تسجيل الابن إذا أنجبت، أو تسجيله باسم جده، لعدم وجود عقد زواج. ونقيس مشكلة مثل تسرب الفتيات من التعليم الإعدادي؛ كى نضع الحلول المناسبة، فقد لا تكون زيادة أعداد المدارس الإعدادية هي الحل، إذا علمنا أن عدم إرسال البنات للمدرسة، وراءه خوف الأهل عليهن، من بعد المدرسة عن القرية، وهنا سيكون الحل بجلوس المسئولين في التعليم مع خبراء المجلس، لوضع الحلول المناسبة. ما الذى استفدته من عملك في مجال البحث وتقديم الخدمات الصحية؟ - كنت دائما أسأل نفسي، لماذا يحتفي متخذو القرار بالأبحاث العلمية التي نجريها، ثم يكون التطبيق شيئا آخر، وأردت أن أكتشف العوائق التي تحول دون تطبيق ما جاء بهذه الأبحاث، لتحسين الأوضاع الصحية، فشاركت في العمل في مشروعات لتحسين الصحة، مع وزارة الصحة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وتعلمت من خلال عملي المباشر مع الناس، أن المصريين، يتعلمون بسرعة، عندما تستجيب الخدمات الصحية لاحتياجاتهم، فتكون النتائج جيدة في النهاية. وعندما عملت في مجال التقييم والمتابعة، للخدمات الصحية، أصبح لدى الصورة الأكبر للعمل الصحي المتكامل، وأدركت أهمية التقييم والمتابعة؛ لتحقيق الأهداف، وأصبحت المتابعة والتقييم أسلوب حياة بالنسبة لي. المتابعة الجيدة هي التي تكشف العوائق التي تحول دون تحقيق جودة الخدمة، ففي مجال تحسين الخدمات الصحية، يجب التأكد من أن الأطباء وفريق التمريض مدربين على مناهج علمية موحدة، وأدلة للعمل، وفق نظام موحد للعمل مدعوم من وزارة الصحة، والتأكد من أن الإشراف على الطبيب، يجرى وفق طريقة لا تحرج الطبيب، بل تراعي كل ظروفه، وفى نفس الوقت توجهه الوجهة الصحيحة. طريقة المتابعة نفسها هي التي يمكن أن تحسن الخدمة، أو العكس، فعندما أريد تحسين الخدمة في الوحدات الصحية، لابد أن أتابع مدى تواجد الطبيب في العيادة، وليس فقط هل يقيس الضغط للمريض أم لا، وما إذا كان هناك نظام لمتابعته ومكافأته أم لا وهكذا. وكيف ستفيد المتابعة بهذه الطريقة القضية السكانية؟ - المتابعة الجيدة لأى قضية، لابد أن تعتمد على تحديد النتيجة والأهداف في البداية، ثم الخطة والجدول الزمنى، الذى يحدد من سيؤدى ماذا، متى وأين؟، بالإضافة إلى إمكانية تعديل الخطة وفق ما تقتضيه المخرجات المرحلية. وفي المجلس القومي للسكان لدينا خطط للعمل وضعت خلال العامين الماضيين، لكن التغييرات السياسية السريعة، التي حدثت منذ يناير 2011، وما تبعها من تغيير للمسئولين في الحكومة وفي المجلس، أعاقت استمرار العمل بها، لكل لدينا خطة للقضايا التنموية لهذا العام، لكن ينقصنا اعتماد استراتيجية طويلة لعشر سنوات، وفقا للإمكانيات المتاحة والمشكلات الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد. فإذا أخذنا قضية الهجرة الداخلية كمثال، سنجد أن الخطة تعتمد على تنمية في المحافظات الطاردة، وهذا حل يحتاج إلى موارد مالية، والمتاح الآن أن تقدم كل وزارة ما يمكن أن تنفذه لحل المشكلة. المجلس ليس جهة تنفيذية، بل يضع استراتيجيات بمساندة الشركاء، ويقترح سياسيات، وينسق بين الجهات، ويتابع العمل مع كل الوزارات لتحقيق أهدافه. والمجلس في حاجة الآن لإجراء أبحاث تستفيد منها الجهات المختلفة؛ لتوضح ما إذا كانت الزيادة السكانية التي حدثت منذ يناير 2011، التي تقول البيانات إنها كبيرة، هي زيادة عادية بسبب زيادة قاعدة الشباب، أم غير عادية لارتفاع الخصوبة، أم الاثنين معا، وبالمثل كل الأوضاع السكانية الأخرى، والمجلس لديه جزء من تمويل هذه الأبحاث بالفعل، وبعض المنظمات الدولية لديها استعداد لمساعدتنا في هذا. البعض يرى أن الجهات المانحة هي التي تحدد المجالات التي تعمل فيها وليس العكس؟ - كنت مستشارة لمنظمة الصحة العالمية، وصندوق الأممالمتحدة للسكان، وعادة ما تتم مناقشات بين الجهة المانحة والجهة التنفيذية، وتستطيع الجهة التنفيذية أن تقنع الجهات المانحة، بأن تساهم في الاحتياجات الحقيقية للجهة التنفيذية، شريطة أن يكون لديها عندنا تقييم بالوضع الحقيقي للاحتياجات واضح وصريح وموثق، وليس آراء شخصية شفوية، وفى النهاية إذا رفضت إحدى الجهات المشاركة، ستوافق أخرى. هل تساعد عودة تبعية المجلس لرئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء إلى تحقيق مهمته مع الجهات المختلفة أكثر من تبعيته لوزير الصحة الآن؟ الدعم السياسي الذى يلقاه المجلس من وزير الصحة، أكثر تأثيرا من تبعية المجلس لرئاسة الجمهورية الآن، ففي العام الماضي كان هناك إهمال كامل للقضية السكانية، وسمعنا عن نية لإلغاء المجلس القومي للسكان، لكن الوضع تغير الآن، وهناك حاجة لدعم الإعلام لقضايا الأسرة والسكان، ومناقشتها بطريقة تقترب من مشكلات الناس على أرض الواقع.