هناك قول من غير المقبول أن يقال هنا، وهو أن إسرائيل كانت على حق. فهى كانت على حق عندما قالت إن دبلوماسية العقد الأخير فشلت وإن إيران باتت قريبة جدا من الهدف. وهى محقة فى أن التعهدات التى حصلت عليها من الولاياتالمتحدة قبل الانتخابات الرئاسية اتضح أنها تعهدات لا قيمة لها. وهى محقة لأنه قد اتضح اليوم أن التشدد الذى أظهره الغرب منذ سنة 2010 حيال إيران كان وهما. لقد تجاوزت إيران جميع الخطوط الحمراء التى وضعها العالم، وعلى الرغم من ذلك فالعالم مصاب بالشلل. وفى الواقع، المارد النووى حقيقى وسوف يخرج قريبا من القمقم وسيغير الواقع من أساسه. ولأن إسرائيل على حق فهى معزولة. فالمجتمع الدولى فى سنة 2013 مجتمع يعانى من الصدمات التى خلفتها الأزمة الاقتصادية وحربا العراق وأفغانستان وما جرى فى ميدان التحرير وسوريا. وما يمكن قوله هو أن الزعماء الذى يجتمعون هذا الأسبوع فى مبنى الأممالمتحدة يمثلون دولا ضعيفة. ويفتقر العالم اليوم إلى إدارة، وإلى عمود فقرى، وإلى رؤية للوقوف فى وجه (المشروع) النووى الإيرانى، لذا فهو يتجاهل الكلام الصادق الذى تقوله إسرائيل ويحشرها فى الزاوية. إن الذى يجسد هذا الصدق الإسرائيلى أكثر من أى شخص آخر هو بنيامين نتنياهو. وفى الحقيقة هو الذى كان يجب أن يستقبل فى نيويورك بالتصفيق، فهو السياسى الوحيد الذى وضع إيران فى رأس جدول الأعمال الدولى وكان على حق. وهو السياسى الوحيد الذى جال العالم محاولا كبح السلاح النووى الإيرانى. وهو الذى قال قبل الأزمة السورية إن المزج بين التهديد العسكرى والمبادرة السياسية هو ما يمكن أن يجرد دولة راديكالية من أسلحة الدمار الشامل. لكن نجاح نتنياهو فى الجدل الفكرى الكبير الدائر بشأن إيران، هو الذى جعله يخسر الأذن الصاغية فى مبنى الأممالمتحدة. فاليوم لا أحد مستعد لسماع الحقيقة المقلقة التى يقولها. ولا أحد مستعد لتخريب حفلة الأوهام الكبيرة. فقد اتفقت دول العالم طوعا على عدم السماح لنبى الغضب القادم من القدس بتدمير السلام الآن الذى يبيعه لهم تاجر الأوهام المشهور من طهران. لقد توافرت لنتنياهو جميع الأسباب التى ستدفعه إلى إلقاء خطاب تشيكوسلوفاكيا الخاص به. فثمة أوجه تشابه بين الأجواء التى كانت سائدة فى باريس ولندن سنة 1938، والأجواء التى تسود لندننيويورك اليوم فى سنة 2013. فالإغراء كبير لأن يلقى نتنياهو خطابا تشيرشليا، ولكن يجب ألا يستسلم للإغراء. يجب أن يقول للعالم الحقيقة التى يرفض العالم أن يسمعها، ولكن يجب عليه أيضا أن يطرح على الطاولة اقتراحا عمليا وخلاقا. ثمة اقتراح بسيط يجب أن يُطرح هو التجميد الفورى (للمشروع النووى الإيرانى). ومثلما طالب أوباما بربط المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية بتجميد الاستيطان، يجب على نتنياهو المطالبة بربط المحادثات الأمريكيةالإيرانية بتجميد بناء القدرة النووية الإيرانية. هناك من يقول إن روحانى مختلف وهو مستعد للتنازل عن (المشروع) النووى مقابل مكاسب اقتصادية. هذا جيد لأنه بهذه الطريقة لن تكون هناك مشكلة بالنسبة لروحانى في الموافقة على التجميد الكامل لعمليات تخصيب اليورانيوم ووقف بناء مراكز الطرد فى أثناء المحادثات. إن مبادرة التجميد ضرورية وهى وحدها قادرة على اختبار حقيقة نيات الإيرانيين والمجتمع الدولى. ففى حال رفضت إيران المبادرة سيصبح واضحا لنا وللجميع حقيقة ما نحن فى مواجهته. أما إذا قبلت المبادرة، فإن الضغط النووى الزمنى سينخفض تلقائيا. لا ضرورة لاتخاذ قرارات متسرعة قبل أوانها. وحده اقتراح التجميد الفورى للمشروع النووى الإيرانى يخرج إسرائيل من الزاوية والعزلة اللتين حشرت فيهما.
محلل سياسى - «هاآرتس» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية