يختزل الكثيرون التاريخ المصرى القديم فى شخصية فرعون موسى، فعلى سبيل المثال أدبيات التيارات الإسلامية لا ترى فى تاريخ مصر القديم إلا هذا الفرعون، لكن التدقيق فى القصة يعطينا بعدا ناقصا، فالمروية التاريخية صادقة فى بعدها الذى رويت منه، لكن البعد الآخر هو أن فرعون يوسف الذى دخل فى عهده اليهود مصر وعاشوا ورغدوا لم يكن ملكا مصريا، بل كان أحد ملوك الهكسوس الذين احتلوا مصر وأذلوا أهلها. ولم يكن فرعون يوسف له علم بنهر النيل ولا تخزين الحبوب والأغذية على ما درج عليه المصريون، فقدم له يوسف هذه النصيحة وقام بتنفيذها، لذا لم يأت يوسف النبى بجديد بالنسبة لأهل البلد الأصليين. فلما حرر المصريون بلدهم استبعدوا اليهود كرد فعل على تعاونهم مع المحتلين، لذا لم يكن لليهود ذكر فى تاريخ مصر، فهم خدموا الأعداء وأصبحوا عبيدا عند المصريين، والعبيد كانوا كثرا من أسرى الحروب التى خاضها المصريون القدماء فقد كانوا سادة العالم، بسبب قصة فرعون موسى ظلمت أدبيات التيارات الإسلامية تاريخ قدماء المصريين وفراعنتهم الذين كانوا عظماء انجزوا لمصر الكثير، فاختزال هذا الإرث فى حادثة عابرة لتاريخ حافل لآلاف السنين فيه ظلم لهذا التاريخ. كان الفرعون سنفرو يوصف بالعدل والحكمة، سنفرو هو والد الفرعون خوفو مشيد الهرم الأكبر، سنفرو بلغ من حب المصريين له أن سطروا له أساطير ظلت لقرون حتى أحب فراعنة الدولة الوسطى أن يدفنوا إلى جواره فى دهشور فتحولت دهشور إلى أكبر تجمع لأهرامات فراعنة مصر. لم يكن فراعنة مصر يتخذون قراراتهم منفردين بل يستعينون برجال الدولة فالفرعون كامس حينما أراد خوض حرب لتحرير مصر من الهكسوس جمع قادة جيشه ليناقشهم قبل أن يتخذ القرار. ●●● رسم المصريون للفرعون صورة ذهنية احتفظوا بها فى مخيلتهم إلى الآن، فالرئيس المصرى أو الفرعون يجب أن يكون قويا ممشوق القوام، ينتصر بقوة ذراعه، يبتسم فى رقة، أنيق فى ملبسه. لذا نجد تماثيل الفرعون تجسده فى هذه الصورة أنه صورة قوة الدولة وفى نفس الوقت رمز عظمة المصريين. الفرعون هنا لا يجسد ذاته التى اكتسبت صفات إلهية، بقدر ما يمثل الدولة المصرية التى سيطرت وروضت نهر النيل عبر العصور، فأقامت السدود لحجز المياه، ونظمت الزراعة وتوزيع الأراضى، وشجعت على الانتاج، لذا فإن الأرض السوداء (كميت) كما يعرفها المصريون عبرت عن مصر فى تلك العصور فعشق قدماء المصريين العمل وأبدعوا فى مجالات لا حصر لها فكانت معارفهم تفوق كل شعوب العالم فالتفوق المصرى جعلهم قدوة فى العالم لذا بات تقليد المصريين موضة العصر فقلدهم الأفارقة واليونانيون الذين استنسخوا حضارة قدماء المصريين فى ثوب اغريقى، كان أعظم ابداعات المصريين القدماء الدولة التى نظمت حياتهم عبر تعاملها مع نهر النيل، لذا فان نشأة الدولة فى مخيلة المصريين ترتبط بوجود مصر منذ عصور ما قبل الكتابة إلى الآن، وفى كل تقلبات مصر عبر العصور ظلت الدولة هى روح المصريين، فانهيارها يعنى ضمنا سقوط الشعب بلا روح، لذا فإن هدم هذه الدولة بالنسبة لهم هو هدم مصر. ●●● من هنا نجد أن جماعة الإخوان المسلمين حين تولت الحكم فى مصر أثارت لدى كل مصرى حولها شوائب كثيرة سببت لبسا لدى المصريين، فهى كائن هلامى خارج نطاق مؤسسات الدولة، وخارج المؤسسات التى ينشأها المجتمع كالجمعيات أو الأحزاب أو المؤسسات الأهلية، فهى كل هذا ويزيد أنها تؤدى أدوارا اقتصادية واجتماعية، فضلا عن كونها جماعة مغلقة على أعضائها، فاعتبرها البعض دولة مغلقة لجماعة معينة من الشعب تستولى على الدولة الأم لتهيمن على الشعب ومقدراته. لذا فإن من أكبر خطايا الإخوان المسلمين هى أنها لم تحل نفسها عندما تولى أحد أعضائها سدة الحكم فى مصر، فأصبح وارثا لإرث الفراعنة العظام الذين لم يكن لأى منهم جماعة خارج نطاق الدولة والمجتمع، فقد كان الفرعون يحكم عبر وزراء وله قادة جيوش وحكام أقاليم لهم سلطات يمارسونها، لم نر فرعون له جماعة مفضلة من دون الشعب المصرى. كان فرعون يستعرض فى موكب سنوى الأقاليم وهى تقدم له الولاء والقرابين دون تفرقة أو تمييز، فرعون لم يكن اسم ملك على مصر بل هو لقب يشير الى القصر الكبير الذى يسكن فيه الفرعون، ولم تعرفه مصر إلا فى الأسرة 18 كان لتعريف مكان إقامة الملك، كما نقول اليوم عابدين أو الاتحادية أو الكرملين أو البيت الأبيض، فكأن مثل هذه الدلالات السياسية ضاربة فى التاريخ كتأثير مصرى للحكم والسياسية إلى اليوم. هل رأيتم كم كانت مصر الدولة ضاربة فى الجذور وكيف ظلمنا تاريخ اجدادنا العظام؟