على كوبرى قصر النيل، وقف سمير محمد، الطفل الذى لا يكاد يبلغ عامه العاشر من العمر، يحمل مجموعة من الأعلام لبيعها، وقال بيقين إن «المظاهرات الجاية هتبقى دمار، الكل بيجهز نفسه وبلطجية التحرير، محمد كاوتش، وسعيد جنزير، وأم الدنيا، بلغونا إن الشرطة هتضرب المتظاهرين وتقبض علينا بدلا منهم». لم يستمد سمير رأيه السابق من كلمات الكبار فقط، وإنما من خبرات سابقة شاهدها بعينه، فى أيام اشتباكات محمد محمود الأولى والثانية، حيث اعتاد أن يبيع المياه والمناديل ويقضى معظم وقته مع المتظاهرين الذين يحصل منهم على الطعام والمعاملة الحسنة، ثم يؤكدون له، ولأصحابه، إن رجال الشرطة هم الأعداء، فبالتالى يلقى سمير ورفاقه من أطفال الشوارع عليهم المولوتوف والحجارة كرد فعل على إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع.
ومع اقتراب 30 من يونيو، موعد المظاهرات التى دعت إليها قوى متنوعة ضد النظام، تجدد الحديث عن إمكانية استغلال أطفال الشوارع فى أعمال تخريبية، واتخاذهم ساترا لبدء أعمال عنف، وظهرت هذه المخاوف فيما كشفه المركز المصرى لحقوق الطفل من اعتقال 930 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 15 عامًا منذ بداية حكم الرئيس محمد مرسى فى 30 يونيو الماضى، خلال الاشتباكات التى شهدها ميدان التحرير وشارع محمد محمود واحداث الاتحادية الاولى والثانية، وأحداث فندق سميراميس وشبرد.
وقال أحمد مصيلحى، رئيس الوحدة القانونية بالمركز، إن قوات الأمن تلقى القبض العشوائى على الأطفال، كما تحملهم نتيجة الاحداث السياسية من فوضى وحرق وتخريب رغم انهم شاركوا فيها كغيرهم من المواطنين، مؤكدا أن الشرطة تفعل ذلك لأنها عاجزة على تقديم المخربين الحقيقيين للعدالة، كما أن قرارات النيابات المختلفة بحبس الاطفال مخالفة للقانون، مثلها مثل قرارات الإفراج عنهم بكفالة مالية.
وأشار مصيلحى إلى أن إجمالى الكفالات المدفوعة مقابل الإفراج عن الاطفال بلغت 130 ألف جنيه، وسجل المركز 8 حالات وفاة لأطفال أبرزهم بائع البطاطا، ومجهولان اثنان عثر على جثتيهما بالقرب من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير.
«لكن استغلال الأطفال سياسيا أقدم من الاشتباكات التى تلازم بعض التظاهرات»، كما رأى محمود بدوى، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الاحداث، وطبقا لرأيه، بدأ الاستغلال السياسى لأطفال الشوارع فى 2010 عندما استخدموهم فى الدعاية الانتخابية مع مندوبى الدعاية للترويج للمرشحين مقابل مبلغ مالى، وتطور إلى استغلالهم فى العنف المصاحب للاحتجاجات وتظاهرات القوى السياسية، واتضح فى حريق المجمع العلمى وأحداث شارع محمد محمود الاولى والثانية، وأحداث الاتحادية.
وعلل بدوى إقبال هؤلاء الأطفال على أيام التظاهر بالتحرير لأنهم يرون أن ميدان التحرير وأماكن التظاهرات ملاذا آمنا لحسن معاملة المتظاهرين معهم، لافتا إلى أنه هناك أطفال المدارس الذين بدأوا فى تقليد المتظاهرين وبدأوا يقذفون قوات الأمن بالحجارة والمولوتوف، مؤكدا أن أطفال الشوارع مجنى عليهم من قبل المجتمع، ولديهم الاستعداد للقيام بأى أعمال تخريبية مقابل مبالغ مالية.
لكن أحمد سيد، أحد أطفال الشوارع الذى لا يعرف كم يبلغ عمره، يرى أن قوات الأمن هى من تبادر بإطلاق قنابل الغاز وتلقى القبض العشوائى عليه وعلى رفاقه، فلابد من أن يقوموا بمبادلتهم برمى الحجارة والمولوتوف دفاعا عن أنفسهم، مؤكدا وجود بلطجية فى ميدان التحرير يرغمون الاطفال على مشاغبة الأمن لضمان عدم تواجده فى الميدان حتى يظل تحت سيطرتهم، وقال إنهم فى الأيام العادية يقتسمون معهم الإيراد اليومى من التسول والسرقة والبلطجة، وفرض الإتاوات على قائدى السيارات.
أما محمود، 15 عامًا، فيؤكد أن التظاهرات من أفضل الأيام، لسبب بسيط من وجهة نظره، «بأبيع كل المناديل الورق والأعلام اللى معايا»، ويكون البيع بأسعار مضاعفة؛ لذا فهو يتمنى استمرار المظاهرات ليحقق اكبر ربح من بيع بضاعته.