«حتى أنت يا مجمع اللغة العربية» تلك هى الصرخة التى أطلقها الدكتور كمال بشر العالم اللغوى المعروف، والأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، بعد إجراء انتخابات التجديد على منصب نائب رئيس مجمع اللغة العربية. وصلت إلى ساحات القضاء الإدارى الذى ينظر غدا الثلاثاء الدعوى المقدمة من د.كمال بشر. بدأت القصة فى 11 مايو الماضى يوم إجراء انتخابات التجديد، والتى جرت لأول مرة فى تاريخ المجمع، إذ يوجد عرف سائد منذ إنشائه عام 1932 باحترام العلماء القائمين على أمره، بحيث إذا اختير أحدهم فى منصب من المناصب الرئيسية فى المجمع. وهى (الرئيس، ونائب الرئيس، والأمين العام) فإن صاحب المنصب لا ينازع أبدا حتى وفاته باعتبار أن المجمع منظومة منضبطة فى ذاتها، وليست القضية فيها مسألة رئيس ومرءوس، ومن ثم إذا انتهت مدة أحد أصحاب هذه المناصب يجدد لهم، ويتم اختيارهم بالإجماع. العجيب فى الأمر أن المجمع كسر هذه القاعدة المعمول بها، وأعلن إجراء الانتخابات على منصب النائب الذى يشغله الدكتور كمال بشر. وبالفعل أجريت الانتخابات على الرغم من أنه لم يتقدم أحد من الأعضاء لشغل هذا المنصب، وحصل الدكتور بشر على 12 صوتا من 23 صوتا، وهى أغلبية مطلقة. إلا أن فاروق شوشة الأمين العام للمجمع أعلن أن الدكتور بشر لم يحصل على الأصوات اللازمة فى مخالفة صريحة لنص قانون المجمع، كما أكد مصدر آخر بالمجمع رفض أيضا ذكر اسمه. ولاحظنا أن كل من تحدثنا معهم للتحقيق فى هذه القضية رفضوا ذكر أسمائهم. ولشرح ألغاز تلك الأرقام أوضح أحد المصادر المطلعة أن قانون المجمع فى المادة (10) ينص على الآتى: للمجمع رئيس ونائب رئيس وأمين عام يختارهم مجلس المجمع من بين المرشحين من أعضائه بالتصويت السرى لمدة أربع سنوات فى جلسة يحضرها الثلثان على الأقل من الأعضاء، ويكون انتخاب المرشح صحيحا إذا حصل على الأغلبية المطلقة لهؤلاء الأعضاء. وعلمت «الشروق» أنه قد حضر جلسة التصويت (ثلاثة وعشرون) عضوا اكتمل بهم النصاب القانونى، وحصل الدكتور بشر على موافقة (اثنى عشر) صوتا بنسبة 52.17%، ما يحقق له الأغلبية المطلقة من الأعضاء الحاضرين التى تتمثل فى «النصف + واحد». وكانت نتيجة فرز الأصوات كالتالى: (12) صوتا (موافقون)، (4) أصوات (غير موافقين)، (7) أصوات ترك أصحابها الورقة بيضاء، ما يبطل أصواتهم وفقا لنصوص قانون الانتخاب المصرى العام، وكان يجب أن تحسب نتيجة التصويت بناء على عدد الأصوات الصحيحة فقط، وعددها (16) صوتا، وهكذا يكون بشر قد حصل على نسبة 75%، واستحق الحصول على منصب نائب رئيس المجمع. ولكن كان من اللافت للنظر الإصرار على إجراء الانتخاب بطريقة معينة تخالف ما سبق أن اتبع مثلًا فى انتخاب رئيس المجمع فى جلسة 9 مايو 2005 من أن انتخاب المرشح يكون صحيحا إذا حصل على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وليس على أساس عدد أعضاء المجمع البالغ عددهم 31 عضوا. واستكمالا لذلك، أوضح مصدر قريب من بشر أن قانون المجمع ينص فى اختيار الرئيس ونائب الرئيس والأمين العام على الانتخاب، وبما إن د.بشر المرشح الوحيد لهذا المنصب كان لابد من إعلان فوزه بالتزكية دون الحاجة إلى إجراء انتخاب، فما حدث يعد استفتاء وليس انتخابا، وهذا يخالف نص قانون المجمع، وقانون الانتخاب المصرى العام. إلى هنا تنتهى قصة الانتخاب، ليبدأ الدكتور كمال بشر، وهو على مشارف التسعين من عمره، فى سلك «طريق التظلمات والشكاوى»، فقدم تظلما حصلت الشروق على نسخة منه إلى الدكتور محمود حافظ رئيس المجمع، وأرسل نسخة منه إلى الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى، يطلب فيه تعديل إعلان النتيجة قائلا: «أرجو من سيادتكم النظر فيما أوردته من حقائق وتفسيرات قانونية وسحب النتيجة المعلنة بعدم حصولى على الأغلبية المطلقة. وإعلان النتيجة الصحيحة بنجاحى فى الانتخاب، فمصدر القرار من حقه حال علمه بعدم مشروعية قراره أن يصحح قراره ويطهره من العيوب التى لحقته، بل يعد ذلك أفضل من إلغاء القرار قضائيّا؛ إذ إنه بذلك قد أظهر احترامه للقانون، وتقديره لوقت القضاء، فغناه البحث فى شرعية قراره. وأعاد للمتضرر حقوقه دون إجباره على الذهاب إلى القضاء، وهذا هو المفروض أصلا فى مصدر القرار، بل هو أوجب فى حق رجال مجمعنا العظيم، قادة الفكر والثقافة فى المجتمع، وفى حالة عدم الاستجابة أو الرد أحتفظ بحق الالتجاء إلى القضاء الإدارى للدفاع عن مصالحى واسترداد حقى». وبالطبع لم يتلق د.بشر أى رد فلجأ إلى القضاء الإدارى بمجلس الدولة، مختصما وزير التعليم العالى الدكتور هانى هلال، ورئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود حافظ، والأمين العام للمجمع فاروق شوشة. ومن ناحيته، رفض فاروق شوشة الأمين العام للمجمع مُصدر قرار سقوط د.كمال بشر فى الانتخاب التعليق على تلك القضية معللا: «إنه لا يود الحديث إلا بعد صدور الحكم القضائى، أو بعد مشورة محامى المجمع الدكتور محمد سليم العوا»، وحاولنا الاتصال بالدكتور محمد سليم العوا، وهو العضو الحديث بالمجمع، ولم نستطع الوصول إليه لسفره خارج مصر.