•• للأسف، وما أكثر الأسف، هناك تجارة بالكوارث. متاجرة سياسية.. تلك صورة المشهد عقب حادث قطار البدرشين المؤلم.. فريق الحكم يتنصل ويعلق الإهمال على حكم سابق. وفريق المعارضة يعلق الكارثة على فريق الحكم. ويبدو الأمر كأننا فى مباراة يركل فيها المواطن فى لعبة السياسة بقدم هذا وقدم هذا. مع أن الأزمات والكوارث الكبرى فى حياة الأمم توحد الشعوب والأحزاب. والواقع أن الشعب أكثر تحضرا من نخبته، كل نخبته. الناس وحدها الغضب الحزن. إلا أن هذا الغضب لم يمنعهم عن المساعدة والمساندة والعمل.. هذا معدن المصريين الساكن والحقيقى. •• فى البدرشين انتفض أهلها فى سواد الليل لإنقاذ الضحايا. هم الذين بدأوا عمليات الإنقاذ، ولملمة الأشلاء، ونقل المصابين، وإضاءة الموقع. وإطعام الجوعى. وتدفئة الجنود.. أما الدولة فكانت كعادتها منذ قديم الزمان سلوكها ورد فعلها مدرسى ابتدائى، ومنه صورة تبرع رئيس الوزراء بالدم.. بينما الحكومة كلها بطيئة، متثائبة، روتينية حائرة، عشوائية، كل مرءوس فيها ينتظر توجيهات رئيسه. وقد خرجت من الحكومة نفس التصريحات السابقة ونفس ردود الأفعال، ونفس الإجراءات. حبس الملاحظ، والسائق، والمعاون، ومحاكمة كل ما هو سابق.
•• سؤال: ماذا جرى منذ حادث أسيوط الذى التهم 51 طفلا فى عمر الزهور فى نوفمبر الماضى؟.. هل طورتم مزلقانا واحدا؟ ما هى الإجراءات الجادة، بخلاف الكلام؟.
•• حوادث القطارات التى أودت بحياة 350 مصريا خلال هذا العام وما يقرب من 850 مواطنا فى 20 عاما، تلفت الأنظار ويطاردها الإعلام والكاميرات، لارتفاع عدد ضحايا الحادث الواحد (وقع 1057 حادث قطار عام 2010)، لكن حوادث المرور والطرق فى نفس العام قتلت 4791 وأصابت 49529 (حسب البلاغات الرسمية).. وتلك الأرقام لا تعبر عن الواقع المؤسف، لأنه لا توجد قاعدة تحتم الإبلاغ عن كل حادث رسميا.. وهذا الواقع المؤسف يقدر عدد قتلى حوادث المرور والطرق سنويا فى مصر بعشرة آلاف قتيل، وهو رقم مفزع.. يمثل 30 ضعف المعدل العالمى.
•• إن جولة فى أى طريق سريع أو بطىء فى مصر تكفى لمشاهدة آثار الدماء التى تركتها فوضى المرور والسرعة وبلطجة الميكروباص، وسيارات النقل التى تجوب الشوارع بلا رقيب أو حسيب، ويمارس أصحابها وتجارها كل أشكال الضغط من أجل مصالحهم المادية بلا رادع.. والذين يحاكمون إهمال النظام السابق بسبب حوادث القطارات عليهم أن يحاكموه أولا بسبب ضحايا حوادث الطرق، وأن يحاكموا أنفسهم أيضا. لأن ضحايا الطرق من المصريين أكثر من ضحاياهم فى الحروب مع إسرائيل.