من الواضح أن من كتب قرار الرئيس محمد مرسى بتعطيل زيادة الضرائب على نحو 50 سلعة بعد زيادتها بأقل من عشرين ساعة هو أديب أو شاعر مرهف الحس. والأمر برمته يدخل فى باب الغرائب والعجائب وليس التحليل السياسى الجاد. من باب الطرائف قول بيان الرئاسة إن الدكتور محمد مرسى ألغى قرار الزيادة لأنه استشعر نبض الشارع!.. إذن ألم يكن طبيعيا أن يتم هذا الاستشعار قبل اتخاذ القرار؟!.
النكتة الكبرى التى جاءت فى بيان الإلغاء هى الآتى: «الرئيس لا يقبل أن يتحمل المواطن المصرى أى عبء إضافى إلا باختياره ورضاه».
أولا هذه نظرية اقتصادية جديدة، وفتح كبير فى كيفية اتخاذ القرارات يتجاوز حتى تفكير «الجماهيرية العظمى» عند المرحوم خالد الذكر معمر القذافى الذى كان يؤمن انه من العبث أن تكون مباريات الكرة بين 22 لاعبا فقط فى الملعب والافضل اشراك آلاف المتفرجين فى المدرجات.
ألم ينتبه كاتب قرار الرئيس ان هذا الأمر صار قيدا على الرئاسة والحكومة، وانه لن يمكنها من زيادة أى سلعة إلا بعد رضا وموافقة المواطن؟!.
هل يعرف كاتب القرار اسم أى مواطن سيقبل زيادة الأسعار؟!.
ثم كيف وقع الرئيس على القرارات السيئة الظالمة للمواطن صباحا، وألغاها ليلا، ما الذى تغير خلال هذه الساعات؟!.
روايات كثيرة تقول إن تدخلا عاجلا من جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة فى وقت متأخر من الليل أوقف القرار، وبالتالى وإذا صح هذا الأمر فإن هناك جهتين تتخذان القرار فى مصر هذه الأيام كما ذهب البرلمانى د. مصطفى النجار.
هل اتخذ مجلس الوزراء والمجموعة الاقتصادية هذا القرار وأقنعوا الرئيس به، ثم أصدر الرجل القرار، وفوجئ به الإخوان فتدخلوا فورا لإيقافه؟!.
هذا احتمال أكيد لأن أى شخص لديه حد أدنى من الفهم السياسى سيدرك أن تطبيق هذا القرار فى هذا الوقت كارثة سياسية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الرئيس والاخوان، فهناك احتقان سياسى على أشده، وهناك استفتاء على الدستور بعد أيام قليلة، ثم هناك احتمال انتخابات برلمانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، ورفع الأسعار بالطريقة التى أصدرها مرسى هى أفضل هدية يقدمها يمكن تقديمها لشارع ملتهب وشعب فقير ومعارضة متربصة، ولذلك فإن المعارضة عليها أن تهدى صاحب قرار رفع الأسعار جائزة كبرى على جهوده فى خدمتها!.
الطريف أن وزير الاقتصاد قال للزميل عمرو أديب قبل لحظات من إلغاء القرارات أنها ليس لها تأثير على المواطن وانها طبيعية ولن تمس محدودى الدخل ومدروسة وتتناسب مع الزيادات العالمية، وليس لصندوق النقد أى صلة بها!.
وبعدها بقليل خرجت بعض المواقع والأصوات المنافقة لتصور الأمر باعتباره مجرد زيادة فى أسعار الخمور والبيرة والسجائر، فمن ذا الذى سيرفض رفع أسعار هذه السلع؟!.
ولم يقل هؤلاء المنافقون ان هذه الزيادات تشمل الأسمدة والنقل وعشرات السلع المرتبطة بحياة الناس. والأكثر دهشة أن هؤلاء سوف يسارعون إلى الإشادة بحكمة الرئيس بعد إلغاء هذه القرارات.
أما المفاجأة الكبرى فهى ان الرئيس لم يلغ القرارات وانما عطلها للدراسة، واختيار الوقت المناسب لتطبيقها، وسوف نسألهم وقتها عن حكاية المواطن الذى لابد أن يوافق ويرضى بزيادة الأسعار!.
أما الملحوظة الأخيرة فلم نعرف كيف استشعر الرئيس نبض الشارع؟!.
كل ما نعرفه أن الفيس بوك وتويتر شنا حملة سخرية لاذعة والفضائيات انتقدت القرارات.. والسؤال: إذا كان هذا الإعلام الحر هو الذى أتاح للرئيس معرفة نبض الشارع.. فلماذا هذه الحملة الشرسة ضده؟!.