خطيب الجمعة الذى أراد منافقة الدكتور مرسى وخطيب التحرير الذى هدد بتصفية الرئيس مرسى بلا محاكمة، كلاهما أخطر على مصر وعلى ثورتها من ألد أعدائها. خطيب الشربتلى ارتد بنا إلى أزهى عصور مداهنة الحاكم، ومن حيث أراد أن يجامل فتح على الرئيس نوافذ جديدة للغضب والهتاف ضده، حتى إن الأخير وكما نقلت «بوابة الشروق» لم يجد بدا من مشاطرة المصلين الغضب والهتاف ضد الخطيب الذى أراد الرئيس فرعونا لا ينبغى أن يسائله أحد أو يرد له كلمة.
وفى هذا لا تزال ذاكرة التاريخ تحتفظ بما اعتبره المحللون سقطة العمر للإمام الجليل الراحل الشيخ متولى الشعراوى حين انزلق لسانه عندما كان وزيرا للأوقاف فى السبعينيات ليقول إن الرئيس السادات الذى عينه لا يسأل عما يفعل.
وإذا كان خلط الدين بالسياسة، أو امتطاء السياسة للدين أمرا مستهجنا ومرفوضا على النحو الذى قام به خطيب جامع الشربتلى فى التجمع الخامس، فإنه مرفوض بالقدر نفسه كما جرى فى خطبة الجمعة فى ميدان التحرير.
فحسب ما نقلته الفضائيات بدا الخطيب دمويا وتصفويا ومغرضا وعابثا بالتاريخ والفقه حين هدد رئيس الجمهورية بأن الجماهير لن تحاكمه بل ستقتص منه عقابا له على مقتل الشهيد جابر صلاح «جيكا» فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن على.
وأزعم أن محاولة إضفاء طقس كربلائى على مليونية «حلم الشهيد» فى ميدان التحرير، والتى غاب عنها حق الشهيد وحضر مطلب إسقاط الرئيس، لم تكن شيئا عفويا وليد الصدفة، فهذا الذى ألقى الخطبة ذهب إلى أبعد من تهديد مرسى بالقصاص وإراقة دمه بلا محاكمة ثمناء لدماء «جيكا» قطع شوطا أبعد من ذلك فى توظيف تاريخ الفتنة الكبرى طائفيا، حين قال موجها كلامه للدكتور مرسى إنهم سيقتصون منه للشهيد جابر وستنزل عليه اللعنة، كما طالت بنى أمية بعد استشهاد الحسين.
وهنا لا بد أن نتوقف لنسأل: من أين جاء هذا الخطيب الكربلائى ومن الذى صعد به إلى منبر الثورة؟
إن هذه الخطبة دليل آخر على فساد تعليم نظام مبارك الذى أنتج لنا هذه النوعية من أئمة الفتنة والتزييف، ولا معنى لهذا الاستدعاء والاستعداء لسيرة بنى أمية بكل هذا الغل وهذه الإساءة إلا شيئين: إما أن المتحدث جاهل بالتاريخ إلى الحد الذى لم يتح له أن يعلم أو يتعلم آن بنى أمية هم أهل الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن معاوية بنى أبى سفيان نفسه كما كانت له أخطاء، إلا أن له أفضالا على الإسلام، كما أن من بنى أمية أعدل الحكام وأكثرهم إنسانية، وهو خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز، فضلا عما يحفظه التاريخ لحكام الدولة الأموية من الوصول بالإسلام إلى الصين شرقا وفرنسا غربا.
وإذا كنت لا أدعى التبحر فى تاريخ الإسلام، فإن الأمر معروض على الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، ليراجعوا ما ذهب إليه خطيب جمعة التحرير، ويخرجوا على الناس ببيان واضح ضد تلويث وعى الناس بتخرصات ومهاترات وإساءات للصحابة فى عبث واضح بالدين لصالح السياسة، فى مناسبة وهنا قمة المفارقة اعتبرها الداعون إليها ضد تجار الدين.
إن ما ورد فى هذه الخطبة يصلح لمداعبة حواس وغرائز جمهور من مؤيدى حاكم طائفى مثل بشار الأسد، أو يليق بتجمع فى الضاحية الجنوبية ببيروت، ولا يليق أبدا بمليونية مصرية ثورية خرجت ضد إعلان دستورى يكرس لاستبداد وديكتاتورية