تنسيق الجامعات 2025.. أماكن اختبارات القدرات للالتحاق بكليات التربية الفنية    محافظ الإسماعيلية يعتمد درجات القبول بالمدارس الثانوية    رئيس مجلس الدولة يستقبل مفتي الجمهورية لتهنئته بمنصبه    لليوم الثالث.. استمرار تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ    إيمان كريم: نُشجع الأشخاص ذوي الإعاقة على المشاركة في متابعة انتخابات الشيوخ 2025    مجلس النواب يوافق على إضافة الصيادلة لبند صرف بدل السهر والمبيت    طلاب القاهرة يحصدون المركز الأول جمهوريًا في معرض الصحف العامة والتربية الخاصة 2025/2024    تداول 48 ألف طن و460 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    صرف 100 ألف جنيه لكل متوفي بحادث الطريق الإقليمي    عبدالغفار: نستهدف تعظيم المخزون الاستراتيجي وتوطين الصناعة الطبية بمصر    وزير الري يلتقي الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمصر UNDP    طفرة في تحاليل المنتجات الزراعية.. 33% زيادة في عدد عينات معمل متبقيات المبيدات.. وتدشين دورات تدريبية للأرفارقة    الرئيس السيسي: زيارة رئيس الصومال لمصر تجسد عمق الروابط الأخوية بين البلدين    المبعوث الأمريكي توماس باراك: ترامب التزم باحترام لبنان وتعهد بالوقوف خلفه    عراقجي: الهجمات الإسرائيلية والأمريكية انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة    وزير الخارجية الروسي: إصلاح منظمة التجارة العالمية بات ضرورة ملحة    الأهلي ينهي إجراءات سفر ياسين مرعي إلى معسكر تونس بعد ضمه رسميًا من فاركو    أبرزهم هرقل ومارتينيلي.. فلومينينسي يحشد أسلحته أمام تشيلسي للعبور لنهائي مونديال الأندية    مصطفى محمد يرد على عرض الأهلي.. أحمد حسن يكشف التفاصيل    فرحات يلتقي بالخبير الهولندي لقيادة خطة تطوير منتخب مصر للهوكي    ناىب يرفض مشروع تعديل قانون التعليم    ضبط موظف عرّض حياة الأطفال للخطر بالشرقية| فيديو    مساعد وزير التموين: حملات رقابية مكثفة لضبط الأسواق وحماية المستهلك    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسميًا (رابط رسمي)    تعرف على المسارات البديلة بعد إغلاق الطريق الدائرى الإقليمى لمدة أسبوع    «قصور الثقافة» تختتم فعاليات مهرجان فرق الأقاليم المسرحية ال47    من 3 إلى 13 يوليو 2025 |مصر ضيف شرف معرض فنزويلا للكتاب    ياسين السقا يدعم والده بعد أزمة والدته: "هتفضل سندي وضهري في الدنيا"    نائب وزير الصحة يتفقد الخدمات الطبية بالإسماعيلية ويوجه بمكافآت وعقوبات    إدوارد يكشف معركته مع السرطان: «كنت بضحك وأنا من جوّا منهار»    بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. متحدث الصحة يصدر تحذيرات وقائية    يوم الشوكولاتة العالمي 2025.. ما الكمية المناسبة لطفلك؟    محافظ الدقهلية يضبط واقعة بيع خبز مدعم بالسعر الحر في بلقاس    البنك المركزي: أرصدة الذهب بالاحتياطي الأجنبي تسجل 13.59 مليار دولار بنهاية يونيو 2025    البنك المركزى يوجه البنوك بدعم العملاء المصدرين والتوافق بيئيا مع المعايير الدولية    قبول استقالة 8 أعضاء بمجلس النواب.. ما السبب؟    جمال عبدالحميد يتحدث عن علاقته ب فيفي عبده ونزوله أرض الملعب بطائرة خلال اعتزاله (تفاصيل)    فيلم أحمد وأحمد يحصد 2 مليون و700 ألف جنيه في شباك تذاكر أمس الأحد    «الغموض سر الجاذبية»: 4 أبراج تحب الغموض وتكره الوضوح المفرط ..هل برجك من بينهم؟    فات الميعاد الحلقة 18.. التحقيق مع أحمد مجدى بتهمة تهريب أدوية خام    الحرس الثوري: مدن الصواريخ التي نمتلكها تحت الأرض «شاسعة» ولم نستعرض بعد صواريخنا الفعالة    «فيفا» يعلن حكم مباراة ريال مدريد وباريس سان جيرمان في نصف نهائي مونديال الأندية    السكة الحديد: تشغيل حركة القطارات اتجاه القاهرة- الإسكندرية في الاتجاهين    ضبط 3 أشخاص بالقاهرة لقيامهم بأعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    بيراميدز يكشف حقيقة إبرام صفقات تبادلية مع الزمالك    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    الهلال يستعد لثورة تغييرات في قائمة الأجانب بقرار من إنزاجي    رئيس الوزراء يلتقي رئيس جمهورية الأوروجواي على هامش مشاركته في قمة بريكس بالبرازيل    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    ماذا قدم محمد أوناجم في الدوري المصري قبل رحلته مع كهرباء الإسماعيلية؟    انخفاض الأسمنت.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    بريكس تطالب بإصلاح صندوق النقد وكسر احتكار إدارته الغربية    إعلام عبري: ذباب مصري يغزو حيفا ويثير الذعر في الأحياء الراقية (تفاصيل)    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    فرسان مدرسة الديوان!    حكومة غزة: نرفض الاتهامات الأمريكية بضلوع حماس في الهجوم على موقع الإغاثة    «لها حدود وضوابط».. أمين الفتوى: لا يجوز الوصية بكل المال إذا كان للموصي ورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصيدة أقوى من قرار لمجلس الأمن
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2012

بدأ عصر جديد فى ألمانيا، فى أوروبا، بل فى العالم.

القصيدة التى كتبها الروائى المبدع جونتر جراس انتشرت فى أوروبا والعالم كما لم ينتشر عمل أدبى أو سياسى منذ زمن طويل. ترجمت إلى نحو 15 لغة وقوبلت بأقذع السباب من جانب إسرائيل وأنصارها. تدق الناقوس لأنها تعلن نهاية العصر الذى عاشته أوروبا وعاشه العالم حتى الآن منذ الحرب العالمية الثانية. لقد أزالت جدار الذنب العنصرى الذى عاناه العالم منذ انهيار النازية.

قصيدة جراس بدأت عصرا جديدا. الأمر الذى لا يستطيعه قرار لمجلس الأمن لأنه لا أحد ولا حتى إسرائيل نفسها يملك فيتو على إعلان النوايا الذى أصدره جراس نابعا من ضميره ومن وجدانه كواحد من أهم روائيى العالم. فلو جاءت كلمات جراس فى صورة قرار لمجلس الأمن بإجماع دولى لواجه الفيتو الأمريكى.

●●●

وإسرائيل تعرف هذا جيدا. لهذا جاء رد فعلها مشحونا بالفزع من القصيدة. فلا هى تستطيع أن تلجأ للفيتو الأمريكى ولا هى تستطيع أن تبقى وراء الجدار العازل الذى بقيت وراءه طوال السنوات منذ تأسيسها فى عام 1948، والذى حماها من أى نقد مباشر وغير مباشر. هذا مع أنها تأسست تحت ذريعة ما أصاب اليهود من النازية، ومع أنها نالت باتفاقية التعويضات من ألمانيا ما لم ينله فلسطينى واحد أو عربى واحد جراء سنوات الحرب والطرد والاضطهاد.

إسرائيل تعرف أن الثقافة الألمانية والأوروبية بصرف النظر عن مواقف الحكومات لم تعد تحتمل مشاعر الذنب بعد انقضاء كل ما انقضى من سنين على اندحار النازية، وأن هذا هو الدافع الأساسى وراء قصيدة جونتر جراس. إسرائيل تعرف أن الثقافة الألمانية بعد هذه القصيدة لن تعود فى وضع الاختناق الذى دام كل هذه السنوات. وإسرائيل تعرف أنها حصلت من العالم كله وليس فحسب من ألمانيا على أضعاف أضعاف التعويضات المالية التى جنتها من ألمانيا. وإسرائيل تعرف أن مبررات ما حصلت عليه سقطت منذ أن انضمت إلى النادى النووى وأصبحت قوتها العسكرية النووية سيفا مصلتا على رقاب العرب وبعد ذلك الإيرانيون. والأهم من هذا بعد أن حصلت من ألمانيا على وجه التحديد على ثلاث غواصات تسير بالطاقة النووية وتستطيع أن تطلق أسلحة نووية على بلاد العرب وإيران وقتما تريد وأينما تريد.

إسرائيل تعرف أنها تجاوزت كل الحدود التى يمكن السكوت عنها فى استغلالها لعقدة الذنب الألمانية، بينما تعيش الولايات المتحدة بلا شعور بالذنب من أى نوع نتيجة استخدامها السلاح النووى مرتين ضد الشعب اليابانى عندما كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها، وكان انتصار الحلفاء قد اصبح مؤكدا ولا يستوجب التصعيد إلى حد استخدام السلاح النووى للمرة الأولى وللمرة الثانية فى التاريخ على مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين، حينما لم تكن ضرورة والحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة.

نستطيع أن نجزم بأن قصيدة جراس ستكون بداية لانطلاق روح جديدة فى أوروبا والعالم للنظر إلى الخطر الإسرائيلى المتربص بالبلدان المحيطة بإسرائيل والمتربص بالتالى بأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط والمتربص بإيران. ولا يمكن هنا استبعاد امتداد الخطر النووى الإسرائيلى إلى روسيا الأوروبية والآسيوية وإلى باكستان التى كسرت الاحتكار النووى وربما الصين تنفيذا لرغبة أمريكية أو عبر الحماية الأمريكية المضمونة لإسرائيل إلى حين تأتى لحظة يقظة كالتى أطلق فيها جراس قصيدته.

ولو أن اسرائيل أخفت رد فعلها المشحون برغبة الانتقام على قصيدة جراس لما اختلف الأمر كثيرا. لأن القصيدة بدأت موجة يقظة ظلت مختنقة منذ تأسيس إسرائيل. القصيدة أعطت إشارة البداية لحركة تحرر ثقافية من نوع جديد.. تحرر من عقدة الذنب التى طال عليها الزمن فأصبحت عبئا على ضمير كل إنسان معاصر، ومعظم الآدميين المعاصرين لا ينتمون لجيل ألمانيا النازية وما لحق باليهود إبان سيطرتها. بل إن معظم الأدباء والفنانين والمفكرين تجاوزوا كل الحقب التى كانت تمثلها عقدة الذنب الألمانية.

●●●

لقد دفع العالم كله ثمن هذه الخطيئة الإجرامية النازية على الرغم من أنها لم تتجاوز حدود ألمانيا كفكر عنصرى. واليوم وقد أعلنت قصيدة جراس نهاية ذلك الزمان، وأعلنت فى الوقت نفسه بداية رؤية الخطر الذى تمثله إسرائيل المدججة بالسلاح النووى وشعورا أكثر تأثرا بالنازية بالتفوق العنصرى والفكرى والثقافى والتكنولوجى، فإن الخطوات التالية ضد التفوق العنصرى الصهيونى لن تتأخر فى الظهور.

لن تذهب قصيدة جراس فى مهب الريح. إنها صيحة أجيال من المفكرين والملهمين الذين ضاقوا بالتميز الإسرائيلى الذى ترعاه الولايات المتحدة وترعاه أوروبا، مع أن الشعور القديم بعقدة الذنب لم يعد يستطيع أن يعيش ويتجدد بعد أن تخطت إسرائيل كل الحدود التى كانت تصورها فى صورة الضحية. ولم يعد دور الضحية يلائمها وهى تمارس نوعا خاصا من النازية ضد العرب.

وليس من قبيل المصادفة أن جاءت القصيدة ضد الخطر الإسرائيلى فى وقت ظهرت فيه بوادر ثورة على الأرض الأمريكية تهتف بأعلى الصوت ضد وقوف اللوبى الصهيونى الأمريكى إلى جانب إسرائيل وفى الوقت نفسه إلى جانب نسبة الواحد بالمائة من الأمريكيين الأثرياء الذين يملكون وحدهم ما يجبر باقى الأمريكيين على العيش دون المستوى اللائق.

لقد سمع صدى قصيدة جراس فى أمريكا ولابد أنها ستجد أصداءها فيما تعلنه مظاهرات الأمريكيين ضد هيمنة اللوبى الصهيونى التى تنتج هيمنة إسرائيلية بحتة على السياسات الأمريكية خارجية وداخلية وكنا نظن أنها خارجية فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.