بينما يحتفل العالم اليوم بعيد اليتيم، تجلس نعمة 12 عاما يتيمة الأب، داخل أحد الممرات الضيقة فى سوق الخضراوات بمنطقة 6 أكتوبر، تنادى على زبائنها لشراء البيض والجبن الفلاحى. وجه طفولى وابتسامة صافية، وجلباب مهلهل وكيس قماش بالى متسخ تضع به الجنيهات القليلة التى تدفعها النساء لها مقابل بضاعتها، هذه هى الطفلة نعمة.
تشارك الصغيرة أمها فى رعاية إخواتها الصغار محمد 10 أعوام، وأميرة 9 أعوام، ومحمود 7 أعوام، «أمى فى البيت يبقى أنا فى السوق والعكس»، تبتسم نعمة للزبائن وتنادى بصوتها الرقيق «تعالى يا عسل اشترى الجبنة الفلاحى».
سيدة واحدة فقط من بين الزبائن هى المفضلة عند نعمة، تنتظر قدومها كل شهر، لا تعرف اسمها، لكنها تحدثت عنها بصوت خافت جدا، «الست دى قمورة كده وشكلها غنية أوى بتيجى كل شهر بتدى أمى 500 جنيه وتمشى».
تلفتت نعمة حولها فى ترقب، ثم قالت بهمس: «أمى قالت لى إن الست دى بتعطف علينا علشان احنا أيتام»، ثم صمتت قليلا قبل أن أتساءل «هو فى أيتام تانين ولا أنا وأخواتى بس؟».
لا تعلم نعمة أن هناك أيتاما يعيشون فى دور رعاية، وعددهم حوالى 12 ألف طفل يتيم، طبقا لإحصائية وزارة التضامن الاجتماعى، عن عام 2011/2012.
تقول عائشة عبدالرحمن وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعى لشئون التأهيل، إن هؤلاء الأطفال مسجلون لدى الوزارة وموزعين على دور الأيتام، وعددهم فى زيادة بشكل يومى.
وأضافت عائشة أن وزارة التضامن الاجتماعى لا ترصد أعداد الأيتام الذين ترعاهم عائلاتهم أو أمهاتهم، ويقتصر عمل الوزارة على الطفل الذى لا يجد من يرعاه، ويحتاج إلى دار إيواء.
يبدأ يوم نعمة من السابعة صباحا، ترتب البضاعة التى تجلبها الأم من صاحب مزرعة فى الفيوم، تحملها فى «مشنة» كبيرة على رأسها، وتذهب إلى السوق، حيث اعتادت الجلوس، ولا تترك السوق إلا بعد نفاد البضاعة، وتقول بابتسامة «دى أرزاق».
مهمة نعمة فى المنزل رعاية إخواتها المتسربين من التعليم، فى حين تأخذ أمها وردية السوق الليلية، لكن نعمة تفضل أن تجلس فى السوق طوال اليوم، «علشان تبقى بياعة شاطرة». من الفيوم جاءت هى ووالدتها وإخواتها الصغار بعد وفاة والدها، «كانوا بيقولوا أبويا عيان، بس أنا ماعرفش كان عنده إيه».
وقررت والدتها أن تترك الفيوم منذ عامين، وتأتى إلى منطقة 6 أكتوبر، لتعيش مع شقيقها سائق «توك توك» فى الحى السادس.
نعمة لا تعرف جميع التفاصيل عن شراء البضاعة، لكنها تحاول أن تساءل والدتها لتتعلم أكثر عن المهنة الجديدة التى عرفت طريقها بعد أن تركت المدرسة منذ 5 سنوات عندما توفى والدها.
الصغيرة نعمة لم تسمع عن الاحتفال بيوم اليتيم الذى يصادف الجمعة الأولى من شهر أبريل، والذى تحتفل به مصر منذ عام 2006، ولكنها قالت بكل براءة، «هو ليه عيد اليتيم يوم واحد بس مش 3 أيام زى العيد الصغير؟».
نعمة لا تعلم أن الاحتفال بيوم اليتيم يقتصر على دور الرعاية، التى يصل عددها فى المحافظات إلى 354 دارا مسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعى.
وتنظم احتفالات عيد اليتيم فى كل دار أيتام أو تجتمع مجموعة من الدور الصغيرة، وتنظم احتفال للأطفال.
ويحتفل اليوم 15 ألف طفل يتيم فى مدينة ملاهى دريم بارك على طريق الواحات، تحت رعاية جمعية الأورمان الخيرية، ويشهد الاحتفال زفافا جماعيا به 12 عروسة وعريسا، وفى نفس اليوم يتم زفاف 200 فتاة يتيمة على مستوى المحافظات.
وفى مركز شباب الساحل فى شبرا، تحتفل 12 جمعية خيرية لرعاية الأيتام بتكريم الأم المثالية، والأطفال المتفوقين، وفقرات ترفيهية ومسرح العرائس، والأراجوز.