اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة إنسانية ترفع شعارات عدم الانحياز والحياد والاستقلال في مساعدة ضحايا النزاعات الدولية وتفعيل القانون الدولي الإنساني، ومن هذا المنطلق أدت اللجنة دورا مميزا في دول الربيع العربي، وخصوصا مصر التي تتواصل فيها جهود اللجنة في تطوير قدرات الهلال الأحمر والتعاون مع السلطات لترسيخ القانون الدولي في التشريعات المصرية. "بوابة الشروق" التقت كلاوس شبرايرمان رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القاهرة، وكان معها هذا الحوار..
- ما أكثر البلاد التي بذل فيها الصليب الأحمر مجهودات أكثر فيما يطلق عليه الربيع العربي؟ وما المساعدة التي قدمها للثورة المصرية؟ أعتقد أن نشاطنا في كل البلدان التي تأثرت بالربيع العربي (تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وبالطبع سوريا في الآونة الأخيرة، والبحرين أيضا)، حيث يتوقف على الوضع الذي نشهده والعمليات اللازمة هناك، فعلى سبيل المثال شهدت الساحة الليبية نزاعا واسع النطاق بعد بداية الاضطرابات والتوترات، وقَّدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مساعدات في هذا الصدد، التي ساعدتها بعثة اللجنة في مصر من الناحية اللوجيستية من أجل نشر المساعدات، والتي قامت بزيارة الأشخاص المحتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع ونشر المعرفة بالقانون الدولي الإنساني، وهناك العديد من المعوقات في هذا الصدد.
ونرى في العديد من شاشات التلفاز ما تقدمه اللجنة من الغوث والإمدادات الطبية، حيث إننا نعيد الروابط الأسرية بين الأشخاص الذين شتتهم النزاع، وقدمنا مساعدات إلى العالقين على الحدود في السلوم، ونقوم بإزالة مخلَّفات الحرب والألغام التي تعد من أكثر الأمور خطورة في المناطق المكتظة بالسكان، وأيضا نقوم بالتوعية بالمخاطر المرتبطة بالألغام والمتفجرات ومخلَّفات الحرب القابلة للانفجار.
أما عن مصر، فالتدخل كان محدودا أكثر، حيث قدمنا الإمدادات الطبية للمستشفيات التي عالجت الجرحى في أحداث الثورة، وقمنا بدعم الهلال الأحمر المصري فيما يتعلق بالاستجابة لحالات الطوارئ، واحتجنا- لبعض الوقت- لتجهيز وتأهيل الفرق للاستعداد للطوارئ، وبالتأكيد، أنتم على دراية أكثر مني بأنه خلال الشهر المنصرم، قدم زملاؤنا في الهلال الأحمر خدمات مهمة للشعب المصري، وهناك مناقشات مع السلطات المصرية ووزارة الخارجية المصرية لاسيما فيما يتعلق بالقيود القانونية الخاصة بحالات الاضطرابات.
- هل شعار المنظمة (الصليب) كان عائقا لأداء العمل الإنساني في دول غلب عليها الطابع الإسلامي؟
للإجابة على هذه المسألة، أعتقد أنه يجب أن نرجع إلى التاريخ القديم وإنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1862، فالشارة التي اعتمدت لم تكن فقط شارة الصليب؛ ولكنها معكوس العلم السويسري، وهي الدولة التي تبنت فكرة اللجنة الدولية في ذلك الوقت، ويساء فهم هذه الشارة في الكثير من السياقات في المنطقة العربية بصفتها شارة لها مدلول ديني، ولكنها شارة الحماية والمساعدة.
والعاملون في الحقل الإنساني يجب أن يحظوا بالحماية في ظلها، ويجب أن يعترف بها أي شخص يرى هذه الحقائق على أرض الواقع، ولكن من الناحية العملية واجهنا مشكلات كثيرة في اليمن والصومال بسبب الصليب، ولكن ليس لدينا أي مانع في تغير شارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولكن بالأحرى نشرح ماهيتها، ونحاول أن نحظى بقبول، وأيضا استطعنا بعد الوقت أن نقوم بذلك في اليمن على سبيل المثال.
وهناك 3 شارات تحظى باعتراف القانون الدولي الإنساني أولها: الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وأيضا الكريستالة أو البلورة الحمراء، وهي التي تحظى بأقل مدلول من الناحية الدينية، ولكنها شارة حديثة العهد ولا بد من الاعتراف بها ونشرها في كثير من البلدان بشكل قانوني.
- هل هناك شروط خاصة لقبول اللجنة للمساعدات؟ وكيف يستطيع المواطنون العاديون ذلك؟
يجب أن أشرح هنا أن حركة الهلال والصليب الأحمر الدولية واللجنة الدولية، منظمات مهمتها الرئيسية هي العمل في النزاعات المسلحة وحالات العنف الآخرى، ومن ثمّ فإن لدينا موظفين مهنيين وليسوا متطوعين فحسب.
من الناحية الأخرى، في كل بلد بالعالم لدينا جمعية الصليب أو الهلال الأحمر الوطنية، والتي تعمل في مجالات مختلفة؛ وأذكر على سبيل المثال، الهلال الأحمر التي لديها برامج اجتماعية تديرها، وأعتقد أنه إذا أراد أحد مساعدة الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر يجب أن يتوجه إلى الهلال الأحمر المصري وأن يعمل كمتطوع.
- هل يؤثر تمويل الحركة الدولية من قبل بعض الدول على أنشطتها بأي شكل من الأشكال؟
إن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نرفض هذه التمويل، فهناك مبادئ توجيهية واضحة من أجل منح المساعدات، ونحن لا نقبل أن تكون لدينا أية توجيهات بخصوص الكيفية التي نقوم بصرف الأموال فيها أو القنوات التي نصرف فيها الأموال، فلا بد أن تقبل الدول المانحة جميع مبادئ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، لاسيما مسألة عدم التحيز والحياد.
- إلى أي مدى وصلت المناقشات التي تديرها اللجنة مع كبار المسئولين المصريين حول زيارة المحتجزين في السجون والإطلاع أحوال المحتجزين؟
ثمة حوار ونقاشات دائرة منذ فترة طويلة مع السلطات المصرية منذ 2003- على ما أعتقد- وما زال مستمر حتى الآن، ونأمل بعد ثورة 25 يناير أن نستطيع الاستمرار في هذه المناقشات وأن نصل إلى نتائج ملموسة، فاللجنة الدولية تزور حوالي 5700 محتجز في عدة بلدان بالعالم، ولدينا بعض الأساليب التي ننتهجها في الزيارة، لكي نصل إلى نتائج إيجابية لمساعدة هؤلاء المحتجزين لأي سبب من الأسباب.
- في حالة استمرار رفض السلطات المصرية.. ما الإجراءات التي ستتخذونها؟
ليس هناك أي التزام قانوني على السلطات المصرية بأن تقبل عرض خدمات اللجنة الدولية، فمصر ليست في حالة نزاع، على الرغم من أنه هناك بعض الاضطرابات والتوترات، لكن الخدمات التي نعرضها تستند إلى مهمتنا الإنسانية، ومن ثمَّ، نحن ندخل في مفاوضات مع السلطات وحوار معها، ولا أستطيع أن أقول إنها تنجح في كل الأوقات، ولكن نحاول أن نحتفظ بحوار مع السلطات المصرية، ولا يمكن أن تفرض المنظمة الإنسانية أي شيء عليها، ونحن لا نريد أن نقوم بذلك؛ لأن هذا التعاون ينبغي أن يكون مبنيا على اتفاق متبادل، لكي يكون مثمرا؛ وهذا ما تقوم به اللجنة الدولية.
- هل ثمة اعتقاد ملح في زيارة السجون المصرية؟
لا أستطيع أن أجيب على ذلك؛ لأننا لم نقم بزيارات بعد لنعرف مدى الحاجة، وما الوضع في السجون، وكما ذكرت من قبل، لدينا تاريخ وخبرة كبيران في هذا المجال تعود إلى أكثر من مائة عام.
في البداية كانت يقتصر عملنا على زيارة أسرى الحرب؛ ولكن اليوم - كما ذكرت من قبل- وسعنا من هذا المجال فلا تقتصر الزيارات على المحتجزين أو المعتقلين السياسيين أو أسرى الحرب، بل نزور كافة المحتجزين تبعا لحالات الاحتياجات الإنسانية في سياق ما، ويمكن أن نعرض زياراتنا للمحتجزين في أماكن وأنظمة مختلفة، ونحاول أن نستفيد من هذه الخبرة في المجالات التي نحددها والتي في حاجة للتحسين.
أود أن أضيف هنا نقطة فيما يتعلق بأنشطة الاحتجاز، فهذه مسألة حساسة للغاية، ودائما ما سعت اللجنة الدولية منذ بداية أنشطتها في هذا المجال إلى نهج من الحوار السري بدلا من الدعوة والمناصرة المعلنة، فنحن نحتفظ بالنتائج التي نتوصل إليها في زياراتنا في حوار سري مع الأشخاص المسئولين عن المحتجزين، ولذلك نحاول أن نتناقش مع هذه السلطات، وندخل معها في حوار متبادل بدل من اللجوء إلى العلن.
- هل تتواصل اللجنة مع معتقلين مصريين خارج البلاد مثل عمر عبد الرحمن، وهل هناك معتقلون مصريون ما زالوا في جوانتانامو؟
كنا نزور خليج جوانتنامو لعدة سنوات، ونقدم خدمات في استعادة الروابط الأسرية بين المحتجزين وأسرهم في موطنهم الأصلي كما هو الحال في مصر. وهذا نشاط مستمر نقوم به، وكما قلت نحن نغطي 70 بلدا، ولكن لا نقوم بزيارة المحتجزين في كل هذه البلدان، إلا فيما يتعلق بالاتصال بالعائلات فنحن نتصل بهم، لكي نعرف هل هناك حاجة لتدخل اللجنة الدولية، وإن كان الحال كذلك فإننا نقوم باستعادة هذه الروابط على سبيل المثال عن طريق رسائل الصليب الأحمر التي ننقلها بين الأسر والمحتجزين.
- ماذا عن المعتقلين المصريين في السجون الإسرائيلية منذ أكثر من 30 عاما؟
اللجنة الدولية تزور السجون الإسرائيلية منذ عام 1967 بموجب اتفاقية جينف الرابعة، وهذا فيما يتعلق بحماية الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال من الفلسطينيين بشكل رئيسي، وهذا ينطبق أيضا على الأجانب اللذين ليس لديهم تمثيل دبلوماسي هناك، وهذه ليست الحالة بالنسبة للمحتجزين المصريين على الأقل الآن، حيث إنهم يحظون بالرعاية من القنصلية المصرية الموجودة هناك.
- كيف تستطيع تقييم الأنشطة التي تؤديها اللجنة الدولية في مصر؟ وهل سيستمر في عملها لفترة طويلة؟
نحن موجودون هنا منذ فترة طويل، وحينما أتيت إلى هنا منذ عامين ونصف العام كنت أحاول أن أنظر في تاريخ وجود اللجنة الدولية هنا ورأيت أنه خلال وجودنا منذ 1935، حيث عملنا من قبل في النزاعات المسلحة والحروب العربية الإسرائيلية وأنشطتنا في هذا المجال كانت تتعلق باتفاقيات جينيف مثل زيارات أسرى الحرب والمساعدة في إعادة الأسرى ومساعدة المدنيين في الأراضي المحتلة وقت ذلك في سيناء وفي حالة النزاع المسلح.
في السنوات الخمسين الماضية، ركزت أنشطتنا على تفعيل القانون الدولي الإنساني وتعزيزه وإدراجه في التشريعات الوطنية- على المستوى الوطني- وأيضا لدينا علاقات وتعاون مع السلطات المصرية من خلال اللجنة القومية لتنفيذ القانون الدولي الإنساني، وفي الوقت نفسه، فإن بعثتنا هنا تدعم الجهود على المستوى الإقليمي، ولدينا تعاون منذ حوالي 15 عاما مع جامعة الدول؛ حيث نقدم لها خبراتنا في مجال تنفيذ القانون الدولي الإنساني لكافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، هذه أنشطتنا في الماضي.
أما بالنسبة لمصر، ومع التغيير في عام 2011، فقد عملنا في أنشطة المساعدة كما قلت؛ في المجال الطبي وطورنا علاقة جيدة مع الهلال الأحمر المصري، وهذا هو مستقبلنا في الأعوام القادمة، أولا تطوير قدرات الهلال الأحمر بصفة رئيسية، ونأمل أن لا تضطر اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل هنا وفق للمعاهدات.
- هل تعرضتم في الآونة الأخيرة لضغوط من الحكومة شبيهة بما تعرضت له المنظمات الحقوقية الأخرى؟
لا، لم نتعرض لأي ضغوط على الإطلاق، نحن نعمل هنا في مصر منذ مدة طويل قبل الحرب العالمية الثانية، فوجودنا هنا ينظمه اتفاق مقر مع وزارة الشؤون الخارجية في مصر ولدينا علاقات جيدة مع السلطات المصرية.