«ما قام به المصريون فى ثورة 1919 كان أحد أولى تطبيقات فكرة العصيان المدنى»، كما تقدم موسوعة «ويكيبديا» الأشهر على شبكة الانترنت، الصفحة الخاصة بتعريف العصيان المدنى وتاريخه فى العالم، ليأتى الحديث بعد مصر عن العديد من التجارب التحريرية كتجربة المهاتما غاندى ضد الاحتلال البريطانى أيضا وجنوب افريقيا ضد نظام الفصل العنصرى «الابارتيد» وفى شرق ألمانيا ضد النظام الشيوعى آنذاك، وفى أوكرانيا مؤخرا خلال أحداث الثورة الوردية عام 2003. وتعد التجربة المصرية فى مجال الإضراب العام أحد أبرز الأحداث التى ساهمت فى حسم ثورة 1919 لصالح الحركة الوطنية المصرية، فبعد اعتقال ونفى سعد زغلول واعضاء الوفد المرافق له فى التاسع من مارس من هذا العام، بدأ إضراب عمال الترام فى الحادى عشر من هذا الشهر، والذى كان مؤثرا للغاية، تلاه إضراب عمال السكك الحديدية، وأضرب كذلك سائقو التاكسى وعمال البريد والكهرباء والجمارك، وعمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية.
وارتبطت تجارب الإضراب العام فى كثير من الاحيان بالانتفاضات السلمية الداعمة للتحول الديمقراطى، حيث يعتبر بعض المؤرخين أن مذبحة البترلو البريطانية، والتى قام بها رجال أمن عام 1819 ضد فقراء البريطانيين الذين احتشدوا فى مظاهرة سلمية للمطالبة بحق الفقراء فى التمثيل السياسى، والدعوة التى صدرت بعدها من الشاعر البريطانى، بيرسى شيلى، لشكل جديد من التحرك الاجتماعى، هى من أولى الدعاوى لأشكال المقاومة السلمية التى طورها بعد ذلك مناضلين تحرريين مثل المهاتما غاندى.
ويعد الإضراب عن العمل من أبرز ممارسات العصيان المدنى، وهو الشكل السلمى فى الاحتجاج الذى تحمية مبادئ الدستور المصرى وتشريعات العمل الدولية، حيث أقرت منظمة العمل الدولية اشكال النشاطات الاحتجاجية المشروعة للعمال والتى تتضمن بالطبع الامتناع عن العمل. وتكفل المادة 8 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمال حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد، إلا أن حالات الاضراب العام قد تتطور إلى بعض الممارسات التى لا تحميها التشريعات نتيجة لاستمرار تعنت السلطة السياسية فى رفضها للانصياع للارادة الشعبية، وهو ما شهدته مصر فى تجربة ثورة 1919 من خلال القيام بقطع طرق السكك الحديدية.