أضفى الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودى على الغناء المصرى لغة جديدة ومفردات شاسعة البلاغة. مما جعله يصل إلى مناطق لم تكن مأهولة قبله. الغناء قبل الأبنودى كان من صميم العامية المصرية التى تنتمى للقاهرة أو الإسكندرية على أقصى تقدير. لكنه جعل الأغنية ترتدى ثوبا جديدا من طين مصر الجنوبى. فعرفنا الغناء العاطفى والوطنى والاجتماعى المعجون بلهجة الجنوب. أخذ على عاتقه أن ينشر غناء جديدا من حيث الفكر والمفردات. وهو أيضا دائما تجده فى قلب الأحداث يتأثر ويؤثر بأعماله خلال الفترة الاخيرة قدمت للأبنودى أغنية ضحكة المساجين ألحان الموسيقار فاروق الشرنوبى وغناء على الحجار وتوزيع محمد حمدى رؤوف.وهو العمل الأهم الذى يعبر عن ثورة 25 يناير وربما عن كل ما لقيه السياسيون والمبدعون الذين قالوا لا للأنظمة المستبدة طوال السنوات الماضية. ولأن هذه الأغنية خرجت من بين قلب مجروح بهموم الوطن وصوت «انكوى» من انظمته ونغم عاش حزينا على وطن كان يسلب خيره لصالح فئة معينة جاء استقبال الناس لها كبيرا مثقفين وعامة بفضل كلمة بسيطة التناول عميقة الفكر والتأثير، وأتصور لو ان هذه الأغنية طرحت فى سوق الكاسيت سوف تنال اهتماما كبيرا من حيث المبيعات أو التحميل من الإنترنت. فى هذا التقرير طرحنا على الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى العديد من الأسئلة حول أغنيته الأخيرة هل هى بداية جديدة للأغنية السياسية وكيف ظهرت للنور.
قال اعتبر أغنية ضحكة المساجين الامتداد لأغنية موال النهار، حيث كانت شيئا فريدا فى زمنها ولم يتكرر هذا التناول إلا فى ضحكة المساجين. كلاهما من منطق واحد أو معين واحد، فهما لم تكتبا على الصورة التقليدية للأغانى. من هنا جاء تفردهما وتلك القفزة التى حققتها كل منهما بعيدا عن رتابة الأغنية المصرية ومسحة المناسبة التى عادت ما تكتب فيها الأغانى الوطنية. «موال النهار» كانت تنشر كقصيدة، وضحكة المساجين مأخوذة من قصيدتى التى تحمل نفس الاسم انتقى أبياتها بعنابة المطرب الكبير على الحجار. واستفزت الكلمات جانبا جديدا فى فاروق الشرنوبى.. مشاعر الوطنية جاءت على هذه الصورة الفريدة التى لاتشبهها فيها أغنية أخرى.
وأضاف الأبنودى: بالمناسبة الحجار أخبرنى أنه انتقى الأغنية الثانية من نفس القصيدة وأسماها «مسلمين ونصارى» وهى عن الوحدة الوطنية وأظنها أنها لن تقل أهمية عن ضحكة المساجين لأن المنبع واحد. والنية من وراء الأغنيتين واحد وهو الاحتفاء بشباب الثورة بتضحياتهم ودفاعهم عن إخوانهم الأقباط ومنهم من استشهد فى سبيل ذلك ومنهم من سجن مثل علاء عبدالفتاح. لذلك ابعث من خلال «الشروق» تحية إلى المطرب الكبير على الحجار نظرًا لشجاعته وجراءته وتفرده فى الموضوعات الصعبة ذات التعبير السياسى المختلف وهى شجاعة لم يسبقه إليها سوى عبدالحليم حافظ. ونرى أصداءها عند محمد منير.
سألت الأبنودى ربطت بين موال النهار وضحكة المساجين فهل كانت الظروف السياسية متشابه رغم فارق السنين بين الأغنيتين؟.
قال الظروف متشابهة فى غموض المرحلة المقبلة لدى كل منهما. ويغمر الأغنيتان أمل صعب التحقيق لكنه سوف يتحقق بإرادة أبناء الأمة بإذن الله تعالى.
على خلفية ذكره لعلى الحجار هل يستطيع بمفرده أن يظل الناطق الرسمى باسم هذا اللون من الغناء؟
بالطبع على بمفرده سوف يدفئ فنانين آخرين. قد يحسون بالخجل من سعيهم وراء أرزاقهم الخاصة وتجاهل الوطن وانتظار أجهزة الدولة الرسمية لتكلفهم بالغناء الوطنى. وهى لن تفعل. بدليل أن وزير الأعلام أحمد أنيس أوقف تسجيل أغنيتى الجديدة «أكثر من كلام» تلحين زياد الطويل وغناء جنات بعد أن انهيناها.. حيث قرر الوزير ألا يسجل أى أغنية اتفق عليها بين لجنة النهوض بالغناء التى شكلها الوزير السابق أسامة هيكل. وفى الواقع أنا لم أكن ضمن هذه اللجنة ولم أحضر معهم ولم اتفق مع أحد. لقد طلب منى زياد الطويل كلمات أغنية وكانت بين يدى هذه الكلمات فأعطيته إياها. كما أن أغنية ضحكة المساجين عرضت فى كل القنوات ما عدا التليفزيون المصرى. الذى يريد أغنيات مختلفة عن ذلك طبعا.
سألت الأبنودى عن سباب ذلك.. قال طول ما السلطة موجودة فى الإعلام ما فيش فايدة. فلن يتحقق لإعلامنا أى نهضة ولن يبادر بعمل شىء يؤثر فى الجماهير بصورة صادقة.
سالته رأيك ان هذا الجهاز لم يعد يصلح بهذا الشكل.. رد قبل أن استكمل سؤالى: يا راجل صلى على النبى ما أنت عارف.
وحول ما يتردد عن ان الثورة لم تنجب غناء خاص بها على المستوى الذى يتناسب معها.. قال فى الواقع هى أنجبت.. لكن لأن صوتها لم يخرج من الجهاز الرسمى وتفرق بين الفضائيات. فإننا نعتبرها غير موجودة لكن هناك أغانى معبرة مثل «نزلت وقلت أنا مش راجع» لفريق وسط البلد هى حقيقة صادرة من الميدان. ولا يكتبها سوى شخص ذاق طعم الميدان وكان مشارك فى الصورة. وأنا سعيد بغناء فرقة وسط البلد وإلحاقها جزءا من قصيدتى الميدان لها دون معرفة بهم ولكن الأغنية استدعت القصيدة. كذلك سعيد بأعمال فرقة اسكندريلا. وعلينا أن ننتظر أن تصل لدرجة معينة من النضج تجعل الرجل العادى يبحث عنها. ويستمتع بها.
وعن المختلف الذى وجده فى إبداع الشباب كما رصده.. قال اللغة جديدة، والألحان شبابية.. معتمدة على الجيتارات والأعواد والإيقاعات. إلى جانب كل ذلك طازجة التجربة وبعيدة عن ركاكة الأغانى المتداولة.