لم يعد فى الإمكان الحديث عن النجمة هند صبرى باعتبارها نجمة تونسية تعشق الفن المصرى وتجيد التعبير عن بنات جيلها.. فهى حورية السينما المصرية وواجهتها، التى تعبر عنها.. هى التى أخرجت إبراهيم الأبيض من جنته، وبهرت محمود عبدالعزيز فتنازل عن ملكه.. هى السمراء التى يداعبها خيال الشعراء فى السينما.. والتى تحدثت عن فيلمها الجديد وأحلامها الكثيرة فى هذا الحوار: فى البداية قالت هند: «فيلم إبراهيم الأبيض» جاء بعد رحلة طويلة فتخيل أننى قد قمت بعمل «الكاستينج» له عام 2001 وسمعت أنه قبل ترشيحى كانت مرشحة لنفس الدور حنان ترك، ومن الغريب أننا بدأنا تصويره بعد 8 سنوات، ولكنها كانت فترة ثرية زادت خبراتنا وعملت خلالها مع مروان فى فيلمه الأول «عمارة يعقوبيان» ومع السقا فى «الجزيرة»، وهو ما انعكس علينا بالفائدة خصوصا فى التفاهم الذى خلقته خبرة العمل السابقة. ولكن ما سبب التأخير وطول فترة التحضير خصوصا أن «جودنيوز» طوال هذه الفتره لم تتوقف عن الإنتاج؟ بصراحة أنا لا أعرف السبب.. وربما جاء تأخيره لظروف لها علاقة بتنقله بين الشركات فأعتقد أنه كان مع جهة إنتاج أخرى قبل جودنيوز، وهو يحتاج إمكانات إنتاجية ضخمة، ورغم هذا التأخير الطويل لم يحدث أبدا أن حددنا موعدا للتصوير ثم تم تأجيله. هناك من يفسر تصوير الفيلم الآن للاستفادة من نجاح أفلام العشوائيات الأخيرة؟ ربما.. لكننى لا أعتقد أن هذا صحيح، ففيلمنا مكتوب منذ عام 99، ووقتها لم تكن هناك موضة للعشوائيات، كما أن إبراهيم الأبيض ليس فيلم عشوائيات، بل فيلم شخصيات، وهو عن منطقة عشوائية موجودة فى حزام الفقر المحيط بمدينة القاهرة، وهو نفسه الحزام المحيط بنيويورك والقاسم المشترك الوحيد بين هذه الأفلام هو الفقر، وهو ما يولد العنف، ونحن نبرر العنف فى الفيلم بظروف المعيشة، فهو عن أناس ربما عبرنا يوما فوق كوبرى يفصلنا عن بعض ولا نعرف شيئا عنهم أو عن معيشتهم، وأنا أرفض كلمة فيلم عشوائيات ونحن لا نصنع موضة بل نتمنى اختفاء هذه الأماكن. وأرى أن السيناريست كان ذكيا خاصة فى تناوله لشخصيات واقعية، لكن فى إطار ملحمى أسطورى وفيلمنا كان عن مثل هذه الشخصيات، وهو ما أزعج البعض عندما تنبهوا لوجود مثل هذه النماذج. بما أنك تحدثتى عن «نيويورك» فالبعض يرى أن الفيلم مأخوذ عن الفيلم الشهير «عصابات نيويورك» خصوصا فى الشخصيات الرئيسية ودمويته الشديدة؟ ربما يكون هناك تقارب بين الفيلمين لو نظرنا للفيلم من وجهة نظرك، التى تتحدث عن تشابه الشخصيات، لكننى أؤكد لك أنه لو حدث فهو تقارب غير مقصود. ولمعلوماتك من المشروع أن تأخذ مخرجا أو فيلما كمرجع لك فلو كان مرجع مروان هو مارتن سكورسيزى أو كوينتين تارنتينو فهو شىء جميل، ولكن دعنا نرجع للحديث عن تيمات الدراما القليلة، التى لا تتعدى 36 تيمة، فان أحزمة الفقر دوما متشابهة فحزام الفقر فى الهند هو نفسه فى أمريكا هو نفسه فى مصر، ولو أردت أن ترى شبها بين فيلمنا وأى فيلم آخر ستجده، والأهم أننا لم نصنع فيلما فاشلا على المستوى التكنيكى بل أؤكد أنه فيلم مشرف للسينما المصرية خصوصا فى مجال إخراج المعارك، وهو شىء صعب جدا، ولكن مروان نجح فى هذا. ودعنى أخبرك أن الفنيين العالميين عندما شاهدوا الفيلم أكدوا أننا وصلنا للمعايير العالمية فى صنع هذه النوعية من الأفلام. ثلاثة أفلام فى موسم واحد عن العشوائيات والمهمشين وقبلها فيلم «حين ميسرة» ألا ترين أنها قد أصبحت موضة السينما المصرية الجديدة؟ لا أعتقد أنه يوجد تشابه بين هذه الأفلام وأنا شخصيا لم أرَ «دكان شحاتة» حتى الآن ولا «الفرح»، لكننى لا أعتقد أنه يوجد أى تشابه بينهما، ولكل فيلم صبغته الفريدة التى يعطيها له المخرج، وأنا أعتقد أنه شىء جيد يعنى زيادة الوعى لدى الناس فنحن ظللنا ولفترة طويلة ندارى عين الشمس بغربال لعله يمنعنا من رؤية الحقيقة!.. ونحن فقط بدانا نتحدث بصوت من لا صوت لهم، ومنتهى أملى أن تؤدى هذه النوعية من الأفلام إلى اهتمام الجهات المختصة بهذه الفئة من الناس لتحل مشكلاتها ولو حدث هذا فسأصبح فى قمة سعادتى. ما المصادر التى اعتمدتى عليها فى تجسيدك لشخصية «حورية» خصوصا أن أحمد السقا مثلا أخبرنا أنه شاهد إبراهيم الأبيض، أما محمود عبدالعزيز فأكد أنه اخترع شخصية عبدالملك زرزور.. فمن أين أتت هند صبرى بحورية؟ حورية شخصية من الصعب رؤيتها فى أى مكان فمثلا لن تقابلها فى الشارع.. وكانت مصممة الملابس ناهد نصر الله تخبرنى دوما أنها أكثر الشخصيات، التى أجهدتها طوال الفيلم فهى حرة ويحكمها القدر ولها أبعاد أسطورية لاستطيع أن أعرف شخصيتها حيث يبدواحيانا وكانها لا علاقة تربطها ببيئتها. طريقة حديث «حورية» كانت غريبة بعض الشىء بالنسبة لفتاة من هذه الطبقة؟ بصراحة لم أكن أقصد خلال التصوير طريقة حديث معينة كان كل تفكيرى فى المشاعر الإنسانية لحورية ولم اكن أفكر فى اللكنة.. فهل تصدق أننى لم أتعمد أن يكون صوتها عاليا وكل ما فعلته هو ذهابى متنكرة لهذه الأماكن ومنها حصلت على الجو العام وروح هذه المناطق. يتميز هذا الفيلم عن غيره بكون المرأة فيه هى محرك الأحداث ومحورها الرئيسى.. فهل تتفقين مع هذا؟ يوجد مثل فرنسى يقول إبحث عن المرأة وحتى فى صفحة الحوادث دوما السبب فى الجرائم هو المرأة، فهى دوما إما غنيمة يا فريسة أو غرض، وهذا هو ما هدف إليه السيناريست عباس أبو الحسن، وهو ما يحاول تفسيره ببيت الشعر فى بداية الفيلم، وهو يفسر الأحداث، فالقدر هو الذى يبدأ العلاقة، وهو الذى ينهيها، فالفيلم عنفه به حب وانتقام، فالحب فقط هو محرك الفيلم. يتهم البعض الفيلم بأنه عنيف ودموى؟ من القراءة الأولى للسيناريو فهمت أن الفيلم يتعامل مع العنف كجمال، وهو تحد قوى.. ولعلمك أحمد السقا مجتهد جدا ويحترم عمله جيدا فتخيل أنه يقوم بأداء المشاهد العنيفة بنفسه والصورة فى الفيلم أصدق من ألف كلمة، ونحن هنا أظهرنا جماليات العنف وللعلم هذه ليست تهمة، نعم الفيلم عنيف، وهو نوع من السينما موجود فى العالم كله. لكن «حورية» قوية أكثر من اللازم وأكثر مما تسمح به ظروف البيئة المحيطة بها وطبيعتها؟ لمعلوماتك البنت المصرية قوية لكن وبكل أسف لم يظهر أحد من السينمائيين شيئا من هذا، وحورية هى نفسها البنت التى تشاهدها فى الشارع وإشارات المرور، ولكنها لم تظهر من قبل فى السينما.. ولمعلوماتك الفقر يعطيك قوة لأنك لو استكنت للحظة فهى تعنى موتك وأنا شخصيا شاهدت فتيات بقوة مائة رجل. هل نفهم من هذا أن حورية فيها جزء من قوة شخصية هند صبرى نفسها؟ أنا فقط أقوم بإظهار القوة ولمعلوماتك هناك نماذج من السيدات أقوى بكثير مما تتخيل، ولكن مشاعرى وردود أفعالى توحى بالقوة ربما حبى للشجاعة، لكننى أؤكد لك أن السيدة العربية عموما قوية. لاحظنا أن مشهد القطار كان خارج سياق الفيلم كله من حيث الرومانسية التى شاهدناها داخله؟ المشهد بهذه الطريقة هو فكرة مخرج الفيلم مروان حامد، وهو كان يناقشنا فيها طوال الوقت خصوصا فى طريقة الحركة لأننا نفذنا المشهد بأسلوب يشبه المسرح بعض الشىء وحتى سامح سليم فى تصويره راعى أن تكون بطريقة إضاءة وبقعة ضوء، وهو مشهد مهم لأنه يفسر العلاقة والتناغم العجيب بين حورية وإبراهيم والمشهد استغرق الإعداد له يوما كاملا وصورناه فى 10دقائق، وأنا أعتقد أنك بدون هذا المشهد لن تفهم الفيلم أبدا. إذن فتيمة الفيلم الأساسية هى الغرام والانتقام؟ لم أكن أقصد شيئا من هذا ولم أكن أقصد إظهار حورية كامرأة قوية قادرة، لكنى كنت أرغب فقط فى إظهارها كبطلة أسطورية إغريقية تطارد قدرها، وتسعى لمصيرها المحتوم بكل شموخ، هؤلاء الأبطال المستسلمون تماما للقدر وهناك الكثير من المشاهد التى حذفناها من الفيلم تعبر عن حالة عدم الاتزان، التى تحدث لحورية خصوصا فى الثلث الأخير من الفيلم. هل من الطبيعى فى مثل هذه الحالة ولرجل مثل عبدالملك زرزور أن يقبل بشرط حورية ألا يمارس معها حقوقه الشرعية إلا بموافقتها هى؟ إنها ليست علاقة حب بل هى علاقة امتلاك، فزرزور يهمه امتلاكها لأن حورية بالنسبة له هى الحياة. هل من المنطقى أن يكون عشرى عمرو واكد يحب صديقه كل هذا الحب ويحاول اغتصاب حبيبته؟ ومن قال إنها شخصيات منطقية! هى شخصيات أسطورية تتمزقها صراعات ومشاعر متباينة بين الحب والكره إنها شخصيات خارج إطار الزمن والمعقول. كيف عرفت حورية مكان الأشياء التى يخبأها إبراهيم خصوصا عقد أمه لأن الفيلم لم يوضح لنا هذا؟ اتفقنا أن طريقة السرد هنا طريقة غير تقليدية سواء فى المونتاج العنيف المبتور بقوة وقسوة وليس كل شىء يجب ذكره، فمن المنطقى أنها ذهبت كثيرا لبيت إبراهيم قبل معرفتها أنه قتل أباها، ومنطقى أنه عرفها مكان هذه الأشياء، ولسنا ملزمين بتبريره وأنا لا أفهم سبب كثرة الأسئلة حول هذا المشهد خصوصا مع عدم أهميته فى أحداث الفيلم. مشهد مقتل إبراهيم الأبيض سمعنا أنه فى السيناريو كان بالرصاص ولكن فى الفيلم شاهدناه يموت من الإجهاد والإعياء.. فلماذا هذا التغيير وهل هذا مؤشر على تغييرات أكثر فى السيناريو؟ صورنا النهايتيتن واختار بعدها المخرج مروان وحيد حامد هذه النهاية وهو قراره بمفرده أما بالنسبة للتغييرات الأخرى فأنا شخصيا لم يتعرض دورى لأى حذف أو تغيير. كيف ترى هند صبرى صورة المرأة فى السينما العربية؟ هى صورة منقوصة.. وبعيدة عن حقيقة دورها، الذى تلعبه مجتمعاتنا العربية وهى تستعمل دوما كأداة أو «كمالة عدد».. وإذا كانت هناك بعض التغييرات لكنها ليست، بنفس الدرجة المطلوبة ولا أدرى لماذا يعتقد البعض أن قصصنا كنساء أتفه من قصص الرجال. هل هى نظرة مرتبطة بنظرة البعض للمرأة؟ لا أفهم.. فهناك من يرى أن السيدة التى تفكر خطر داهم يجب محاربته ولكن يبدو أن وضعنا فى السينما هو انعكاس لوضعنا فى الواقع الراهن، على الرغم من أن المرأة كائن يستحق الاهتمام والاحترام. وكيف نتخلص من كل هذه السلبيات من وجهة نظرك؟ بمجهوداتنا كلنا فى المجتمع.. وفيما يخصنا كممثلين يجب أن تقدم أفلامنا صورة متوازنة للمرأة وللرجل أيضا ويجب ألا ننسى أن عدد النساء فى العالم 3 مليارات أنثى، ويجب أن يثق فينا المجتمع وفى فعاليتنا كنساء بالنسبة له. هل هذا يفسر من وجهة نظرك قلة أدوار البطولة المطلقة للنساء فى السينما؟ للأسف المؤلفون دائما يكتبون سيناريوهاتهم وعينهم على البطل الرجل، وأتمنى منهم أن يتعاملوا مع شخصيات نسائية، وأنا شخصيا أتمنى وجود أدوار تساعدنى فى إظهار المجتمع الحقيقى ولمعلوماتك ما يحدث حاليا هو تقديم لصورة مؤلمة لكل النساء العربيات، وهو ما يجعلنى دوما أحاول اختيار الشخصيات القوية على قدر استطاعتى فى ظل أن السيناريست يكتب الفيلم وعينه على البطل الذكر فيعطيه مساحات أكبر بكثير، وهو بالطبع يعكس ضعفنا كنساء فى السوق السينمائية. ومن المؤلم أيضا أن الفيلم ينسب دوما لبطله الرجل، وننسى دوما وجود بطلات معه. وأنا أحلم بثقة أكبر فى قدرتنا كبطلات، وفى قدرتنا على التفكير والاختيار. ومن هو السيناريست الذى عبر عن المرأة كما تراها هند صبرى؟ ما كتبه المخرج داوود عبدالسيد من أفلام وتامر حبيب ووسام سليمان بفيلميها «أحلى الأوقات» و«فى شقة مصر الجديدة»، وذلك على سبيل المثال لا الحصر ومعهم بالطبع وحيد حامد بأفلامه كلها، والتى تظهر فيها المرأة دوما قوية ومؤثرة. من وجهة نظرك أيهما أكثر قدرة على التعبير عن النساء المخرجين الذكور أم الإناث؟ لا أستطيع أن أضع قاعدة محددة لهذا السؤال، فهناك مثلا مخرجون مثل نورى بوزيد ويسرى نصر الله عبروا عن مشاعر المرأة ببراعة، كما أن هناك مخرجات عبرن عن القضية نفسها بل عن الرجال بكل حساسية. ولكننى أحلم بأن نقدم الشخصيات المحورية فى أفلامنا بطريقة متكاملة.. ففى كل الأفلام الأمريكية التى يتخذونها مرجعا تعرف دوما بعد 12 دقيقة كل ما تحتاج لمعرفته عن الشخصيات المحورية فى كل أفلامهم، وهو ما أحلم بأن نصل إليه. كيف ترين صورة المرأة فى هذا الموسم؟ فى هذا الموسم هناك فيلم جميل حسبما أظن للنجمة الكبيرة منى زكى هو «احكى يا شهرزاد»، فقضاياه تحوم حول عالم المرأة ويخرجه يسرى نصر الله، وأتوقع أن يكون جيدا وعموما أحب أن أوضح لك أنها ليست حربا بين النساء والرجال وأنا لا أحب نبرة الصراع نحن فقط نحلم بشخصيات أكثر واقعية تنتمى لعالمنا الحقيقى.