أخطاء متتالية تقع على شاشة التليفزيون المصرى وتجعله فى مواجهات عنيفة مع الرأى العام، وتجسدت هذه الأخطاء فى واقعتين متتاليتين الأولى بطلتها المذيعة رشا مجدى المتهمة بالتحريض ضد المتظاهرين الأقباط خلال تغطيتها لأحداث يوم الأحد 9 أكتوبر، والثانية بطلها المذيع عاطف كامل مقدم برنامج «الحلم المصرى» والذى تم تحويله إلى لجنة تقييم بعد اتهامه بالتحريض ضد التليفزيون المصرى فى احدى حلقات البرنامج،.. الواقعتان على الرغم من تناقضهما إلا أن الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز أكد ارتكاب الاثنين خطأ مهنيا جسيما وقال: «من يعتقد أن إثباته لنزاهته يأتى عبر الإفراط فى الانحياز للطرف الأضعف فهو مخطئ كما ان من يخلط بين قراءته للخبر وادلاءه برأيه ظنا منه ان هذا يكسبه مصداقية وشعبية فهو مخطئ أيضا لأن النتيجة هى تغطية غير نزيهة وغيرمتوازنة فيجب ان يتم اعطاء كل ذى حق حقه وان يقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف أثناء التغطية الاخبارية للأحداث المختلفة خاصة الذين ينتمون إلى الإعلام العام المملوك لدافعى الضرائب». وأضاف: «وهو ما يدفعنا للمطالبة بتحرير ماسبيرو أولا قبل تقييم أداء مذيعيه وذلك عبر تحويله إلى تليفزيون خدمة عامة وليس أداة سلطوية دعائية، فالتليفزيون المصرى حاليا يمر بمرحلة البين بين فيتنازعه أمران بين الميراث الثقيل للاستبداد وبين الطموح إلى التحرر».
وعن الفرق بين مذيع القنوات الخاصة ومذيع إعلام الدولة قال: «لا يجب أن يظهر من انماط أداء مذيعى تليفزيون الدولة أى موقف سياسى أو اجتماعى أو حتى رياضى ولا يعد ذلك انتقاصا من أهليتهم أو هويتهم الثقافية أو السياسية، ولكنه تكريسا لقيمة الحياد المهنى الذى لابد ان يتجسد فى التليفزيون الرسمى ذى الملكية العام خصوصا فيما يتعلق بتغطيته الأحداث الجارية فلابد ان يقدم تغطية متوازية محايدة حتى لو تحدى الجو العام، فيجب عليه ذكر الحقائق مجردة ومنسوبة لمصادرها دون الالتفات للجماهيرية فهو غير مطالب بتحقيق أى رواج له ولا للشاشة العامةالتى يعمل بها لأن دورها يتخطى الترفية والاخبار إلى إلهام صناعة الإعلام كله بالنموذج الأمثل، والالتزام بالمهنية والدفاع عن مصلحة.
وبمواجهته كيف يكون مذيع التليفزيون الرسمى محايدا وهو يرى النجومية تذهب لمذيعى القنوات الخاصة الذين يعلنون آراءهم باستمرار أجاب: «منذ أيام قليلة حقق فيلم شارع الهرم إعلى إيرادات رغم انه ابعد ما يكون عن اشتراطات صناعة السينما الجيدة وهو نفس ما يحدث فى الإعلام فيبدو ان الرواج فى صناعة الإعلام لم يرتبط بالجودة فبعض المذيعين الذين يتمتعون بالنفاذ فى القنوات الخاصة يحصدون الشهرة بسبب انماط ادائهم غير المهنية وهذا للاسف يرتبط بالديمقراطيات المضطربة والدول الرخوة والمؤسسات الهشة كما هو الحال عندنا.
وردا على سؤالنا.. لماذا يقع الذنب دوما على مذيعى التليفزيون الرسمى.. أجاب «لأن التعددية تخلق التوازن فيما يتعلق بالاعلام الخاص فالقناة التى تتبنى فكرا من من حق اصحاب الفكرة المضادة ان تنشئ قناة للدفاع عن فكرها لكن التليفزيون المصرى المملوك للشعب يجب ان يخدم الجموع العامة ويجد كل حسب وزنه ممثلا على الشاشة، وفى كل العالم يتم فرض قيود اكبر على الاعلاميين العاملين فى الاعلام العام لأنه يرسى من مهنية، ولكن هذا لا يعفى ابدا الاعلام الخاص من الالتزام بالقيم المهنية».
وأضاف: «يجرى الآن إنشاء هيئة ضابطة للاعلام المصرى يكون من ضمن مهامها متابعة الأداء وتلقى الشكاوى واتخاذ الإجراءات الأزمة وتدريب العاملين واصدار مواثيق شرف، وهذه الهيئة ليست اختراعا بل هو نظام معمول به فى كل الدول وهى هيئة مستقلة تدار من قبل مستشارين يتمتعون بالاستقلالية وهو ما ناديت به منذ عام 2008 وفوجئت بمشروع مضاد تتبناه الدولة فى شخص وزير الإعلام السابق انس الفقى وكان مشروعا سلطويا يهدف إلى السيطرة على الصناعة وليس تأمين ازدهارها ومنذ ايام اجتمعت نخبة من الاعلاميين المصريين وبحثنا سبل تحقيق مشروعنا هذا ووضع ورقة سياسات له».
وعن مدى استمرار التليفزيون على هذا النحو من التخبط، قال: «لا أحد ينكر انه طرأ تحسن على أداء التليفزيون المصرى فى أعقاب ثورة 25 يناير ولكن هذا التحسن يحتاج إلى كثير من العمل والقرارات الصعبة والمجهود الشاق لكى يقترب من الأداء المهنى ولكنى فى نفس الوقت لا انصح بأى إجراءات استراتيجية حيال الملف الإعلامى القومى فى الفترة الانتقالية، وأرفض أى مساس بحقوق العاملين فيه مهما كانت الأسباب فالقرارات الاستراتيجية وهى اعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون وتركيز عدد الوسائل ووضع سياسات توظيف جديدة، ويجب أن تتخذ فى وقت الاستقرار وفى ظل حكومة منتخبه لديها الأغلبية لكن هذه الفترة يجب ان تستثمر فى وقف الفساد وتهيئة الأوضاع للمرحلة الديمقراطية المقبلة والرفع النسبى للأداء، وأؤكد أن الاعتصام بالمعايير المهنية هو طوق نجاة التليفزيون المصرى».