الصحة: «المسؤولية الطبية» دخل حيز التنفيذ.. ولن ننتظر ال6 أشهر الخاصة بالتفعيل    ترامب يعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري    الأهلي يحصل على توقيع محمد سيحا حارس المقاولون العرب    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شاب بسبب خلافات مالية في قنا    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    تأجيل محاكمة 9 متهمين بالانضمام لجماعة إرهابية ل24 يونيو    محمد صلاح يكشف حقيقة خلافه مع ساديو ماني    البيتكوين يواصل الارتفاع الطفيف متجاوزًا حاجز 103 آلاف دولار    بريطانيا.. فوز «الإصلاح» تغيير فى المشهد السياسى    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    38 درجة فى الظل.. الأرصاد تحذر المواطنين من الوقوف تحت أشعة الشمس    تفعيل المسرح المتنقل والقوافل للوصول بالخدمات الثقافية لقرى شمال سيناء    وصول جثمان زوجة محمد مصطفى شردى لمسجد الشرطة    مهرجان SITFY-POLAND للمونودراما يعلن أسماء لجنة تحكيم دورته 2    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    لجنة الصحة بالبرلمان: موازنة الصحة الجديدة هى الأكبر فى تاريخ مصر    بيتر وجيه مساعدا لوزير الصحة لشئون الطب العلاجى    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    وفود دولية رفيعة المستوى منها عدد من وفود منظمة (D-8) تزور متحف الحضارة    محافظ أسوان: توريد 170 ألف طن من القمح بالصوامع والشون حتى الآن    العربى للعدل والمساواة يقترح رفع القيمة الإيجارية فى قانون الإيجار القديم    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الوزاري الرابع للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني بالأقصر    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    «لوفتهانزا» الألمانية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    فيلم سيكو سيكو يواصل تصدر الإيرادات    أنغام تحيي حفلاً غنائيًا فى عمان وسط حضور جمهور كثيف وتقدم أكثر من 25 أغنية    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    جيروساليم بوست: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    أبرز ما تناولته الصحف العالمية عن التصعيد الإسرائيلي في غزة    الحكومة المكسيكية تعلن أنها ستقاضي "جوجل" بسبب تغيير اسمها إلى خليج المكسيك    تنظيم ندوة «صورة الطفل في الدراما المصرية» بالمجلس الأعلى للثقافة    الدستورية تلزم الشركات السياحية بزيادة رؤوس أموالها خلال مدة محددة    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    هيئة التأمين الصحي الشامل توقع اتفاقًا مع جامعة قناة السويس    أنشأ محطة بث تليفزيوني.. سقوط عصابة القنوات المشفرة في المنوفية    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    المتحف المصري الكبير يستقبل فخامة رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (1)
الصراع العربى - الإسرائيلى تحول من صراع على الوجود إلى نزاع على الحدود
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 10 - 2011

«بدون تجاربه عن حياته الدبلوماسية العملية لمدة تزيد على نصف قرن.. (يقدم) فصولا حية تنطق بالحقيقة عن حدث مر عليه، فلم يكن شاهد عيان فقط، وإنما أيضا مشارك فعال فى سياسة مصر الخارجية»، هكذا قدمت لطيفة محمد سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية، لكتاب نبيل العربى الذى تصفه بحق أنه «أحد فرسان الخارجية المصرية» المعنون «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية».

كتاب العربى، الصادر حديثا عن دار الشروق، لا يمكن وصفه فقط بأنه مذكرات، كما وأنه ليس حديث ذكريات لواحد من أهم دبلوماسى جيله بحق وأحد قضاة محكمة العدل الدولية. الكتاب هو بالأحرى إطلالة على بعض من فصول ملحمة الصراع العربى الإسرائيلى، يرويها العربى كما خبرها فى عوالم السياسة متجولا بين عواصم الشرق الأوسط ونيويورك مقر مجلس الامن التابع للأمم المتحدة وجنيف مقر مؤتمر نزع السلاح والمجلس الدولى لحقوق الإنسان ومتحاورا، أحيانا بالاتفاق وأحيانا أيضا بشجاعة بل وربما جسارة الاختلاف، مع القيادات السياسية التى اختارت وقررت.

العربى إذن يقدم لنا ما يزيد على 300 صفحة خطها بعناية تجمع بين التحليل السياسى لدبلوماسى ترأس وفد مصر فى كل من جنيف ونيويورك، وروح الانصاف لقاضى تقلد أرفع المناصب الدولية ودارس القانون الذى يعرف بدقة المدى الذى يمكن أن يذهب إليه والحدود التى يقتضى عليه أن يتوقف عندها.

ويعلم كل من اتاحت له الفرصة ان يتحدث مع زملاء العربى أن ما اختار حجبه ربما لحين وربما للأبد هو أكثر بكثير مما أفصح عنه. فالعربى (كما تقول سالم) يتحدث عن قضايا مصيرية ب«تحفظه الذى يقف حجر عثرة» أمام المزيد من البوح.. فهناك، كما تضيف سالم «المسموح به وهناك غير المسموح».

وكما يقرر العربى نفسه فى أولى صفحات كتابه الجامع بين التدوين والتحليل والاستشراف لم يرد تضييع أمانات أوكلت له حكم عمله الدبلوماسى وبعضها «أمور قد يفسرها البعض على أنها تتعلق بالأمن القومى المصرى ولا يصح نشرها» أو تلك التى خبرها حكم عمله القضائى.

بل إن العربى يقول إنه تحسب كثيرا كتابة بعض ما لديه لأنه أبدا لا يريد إفشاء أسرار أؤتمن عليها ولكنه بالتأكيد كما القاضى وأيضا كما الدبلوماسى يريد أن يضع الأمور فى نصابها بحيث لا يأتى السرد ممتعا إلى حين الانتهاء من آخر صفحات الكتاب وحسب، ولكن ليكون فى السرد ما يدعو للتأمل والتفكير وربما إعادة التقييم.

العربى أضاف إلى ما كتب أكثر من مائة صفحة من وثائق وأوراق لتمحيص ما طرح فى صفحات «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» التى تقول سالم عنها إنها «تحكى لنا ما كان يدور على المسرح ووراء الكواليس بأسلوب سهل وسلس وممتع، يجعلنا نعيش معه فى كل المواقع التى ذهب إليها والتى أتت إليه فى سنوات التحامه الطويل بالصراع العربى الإسرائيلى، وهى السنوات التى اختار فيها دوما وبلا تردد أو حساب لمكسب وخسارة شخصية أن يكون فاعلا ولا يكون مجرد مشاهد حسب أول دروس الدبلوماسية التى تلقاها فى روما محطته الأولى فى العمل الدبلوماسى وناصية أول لقاء جمعه مع شريكة حياته نادية علوى تيمور المهندسة المصرية الشابة التى وافقت فى نادى هيلوبوليس بمصر الجديدة أن تذهب مع العربى فى طريقه، لتؤازره وتشاركه صناعة النجاح وتكوين أسرة: مى ومروان وهشام.


سيرة ذاتية خجولة

الاطلاع على ما كتبه العربى يتطلب قدرا من المعلومات؛ لأن فى ذلك فهما لكثير من المواقف التى أخذها عبر مسار مهنى طويل وكذلك لفهم تساؤلات طرحها وبدت له وربما ما زلت تبدو بلا إجابات واضحة أو مقنعة.

نشأ العربى فى ضاحية مصر الجديدة واحدة من ركائز الطبقة المتوسطة التى يتمتع ابناؤها بيسر اقتصادى يفقونه دوما بتعلم يليه تعلم لأب كان أستاذ القانون العام فى كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول وقتئذ (القاهرة الآن).

الدكتور محمد عبدالله العربى (بك) صاحب الجذور الصعيدية ودرجة أكسفورد الجامعية، كانت لديه مكتبة قانونية وأدبية وتاريخية واقتصادية وثقافية ضخمة، نهل منها العربى بينما كان يدرس ويتقن تعلم اللغات الاجنبية وتذوق الثقافة بمختلف روافدها، فيكون له من الادراك أن يقرأ وهو بعد فى الثانية عشرة «بإعجاب شديد بيان النقراشى باشا فى مجلس الامن عام 1947» فى إطار محاولات مصر الحصول على جلاء الانجليز.

ولكن ربما كان ذلك هو الفأل بعينه، فالعربى سيذهب إلى مجلس الامن بعد ثلاثة عقود بحثا عن جلاء إسرائيلى اغتصب بعدوان السلاح وتواطؤ السياسة وتراجع القيادة كما يقول العربى بالتلميح أكثر من التصريح أراضى مصرية وأخرى عربية، جلها فلسطينية.

ولكن تصدى العربى للاحتلال ورغبته فى مقاومته بكل ما أوتى من قوة لم تبدأ مع ذهاب العربى للانضمام لبعثة مصر الدائمة لدى مقر الأمم المتحدة بنيويورك عام 1966 قبل أقل من عام من وقوع الهزيمة العسكرية المرة فى يونيو 1967، فالعربى كان عضوا نشطا فى مظاهرات ونشاطات سياسية حاول ولكن الظروف حالت أن تكون أيضا مسلحة ضد الاحتلال فى سنوات الاربعينيات والخمسينيات فى وقت «كان الشباب فيه يشعر بانتماء للوطن واهتمام حقيقى بالشأن العام».

وتتيح صفحات «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية»، لمن يقرأها أن يعلم أن العربى حصل على لقب سفير وهو بعد فى ال41 من عمره إنه كان مشاركا، فى الأغلب بصورة مباشرة، فى متوالية الصراع العربى الإسرائيلى سواء من خلال عمله فى بعثات مصر الدبلوماسية أو من خلال عمله بديوان وزارة الخارجية حيث كثيرا ما كانت مسئولياته مرتبطة بعمل بعض من أبرز وزراء الخارجية المصريين: محمود رياض، مراد غالب، محمد حسن الزيات، إسماعيل فهمى.

وعندما تقاعد العربى من عمله فى وزارة الخارجية عام 1999، عمل كشريك فى مكتب الدكتور زكى هاشم للمحاماة والاستشارات القانونية، ثم انتخب قاضيا فى محكمة العدل الدولية فى أكتوبر 2001 ليتركها فى 2006 دون ان يترك العديد من المناصب الرفيعة التالية فى الممارسة القانونية ودون ان يكف على الانشغال بالشأن السياسى، خاصة ما تعلق منه بملف الصراع العربى الإسرائيلى.


حديث العربى

«من النكسة إلى ارهاصات كامب ديفيد»، هكذا يمكن أن يكون إيجاز السياق الذى يروى فيه العربى الفصول الأربعة الأولى من كتابه الواقع فى عشرة فصول. الفصول الستة الباقية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة اجزاء: «التفاوض من اجل انهاء الاحتلال الواقع فى 1967، «أوراق طابا»، «15 عاما بين نيويورك ولاهاى».

وفى كل ما يرويه يفصل العربى بين الشخصى حيث يسمح لنفسه بقدر من الحرية المأطرة بتحسب المتواضع فى الحديث عن دراسته الدولية للقانون واستزادته من العلم وبين المهنى حيث يلتزم حدود القانون والمصطلحات المتفق عليها دوليا فهو لا يتحدث كثيرا عن النكسة وإنما عن حرب 1967، كما أنه لا يتحدث عن العدو الإسرائيلى وإنما عن إسرائيل، دولة الاحتلال، وأيضا هو ملتزم بتعبير النزاع العربى الإسرائيلى ولا يطلق العنان لاستخدام تعبير الصراع العربى الإسرائيلى دون ان ينال ذلك من حق أصبح مشروعا له بالتقاعد فى الاعراب عن وطنية صادقة، غيورة وأيضا حزينة أحيانا.


1967: الحرب التى قلبت موازين القوى فى الشرق الاوسط:

«إن السمة الغالبة للنزاع العربى الإسرائيلى كانت قبل الحرب (فى 1967) إنه نزاع على وجود ولكن بعد الحرب وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) أصبح نزاعا على حدود»، حسبما يقرر العربى فى بدايات الفصل الأول لكتابه ليوضح وجهة نظره بأن تلك الحرب كانت فاصلة فى تطور الصراع العربى الإسرائيلى الذى بدأ فى 1947 واستمر التعامل مع جميع أبعاده الرئيسية فى إطار الأمم المتحدة لثلاثة عقود قبل أن ينتقل إلى أيدى الوسيط الأمريكى مع الاتحاد السوفييتى إلى حين وذلك بموجب ما أتى به القرار 242 الذى طالب الطرفين العربى والإسرائيلى بالدخول فى مفاوضات لتنفيذ جميع بنود القرار «تحت إشراف مناسب».

ولكن العربى، وليضع الأمور فى سياقها، يعود قليلا للوراء ليتحدث عن تجربة حرب 1956 العدوان الثلاثى فيشير إلى «فشل مجلس الأمن فى اتخاذ أى قرار (حول العدوان) إثر تآمر بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل على مصر بدعوى حماية قناة السويس ثم استخدام بريطانيا وفرنسا الفيتو ضد القرار العربى الذى قدم لوقف العدوان والمطالبة بالانسحاب»، وما تبع ذلك من «تقدم الولايات المتحدة بطلب عاجل إلى السكرتير العام لعقد اجتماع للجمعية العامة طبقا لقرار الاتحاد من أجل السلام، تم اتخاذ قرار بالتوقف الفورى للقتال وانسحاب القوات المعتدية من الأراضى المصرية إلى خطوط الهدنة».

قبلت مصر إذن أن تتواجد داخل أراضيها، كما يتذكر العربى، قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة التى انشئت بموجب القرار 1000 الصادر فى نوفمبر 1956، ولكن إسرائيل تملصت كما ستستمر لعقود وعقود من التزاماتها حسب نفس القرار الذى كان يقضى بأن تكون المراقبة على جانبى الحدود.

وفى حديثه القصير عن حرب 1956 والحديث الاطول عن حرب 1967 يأسف العربى، كما يقول لأشياء من بينها أن تلك المعضلات العسكرية أسىء استغلالها من بعض العواصم العربية لتوجيه أسهم النقد والاتهام لمصر ونظام جمال عبدالناصر الذى لا يبالغ العربى فى نقده ولا يذهب إلى إعفائه من كل الاخطاء. كما وانه يأسف لتخبط عملية المتابعة واتخاذ القرار والاستفادة من خبرة المستشارين خاصة فى ملابسات حرب 1967 وما تلاها من تعامل مع تبعات الاحتلال ثم التفاوض من أجل انهائه.


بداية أزمة 1967 والدور الاممى فى تفاقمها

يذكر العربى بما لا يذكر به كثيرا فى وجه الرواية الإسرائيلية المتغلغلة إلى الاعلام الغربى بل والعربى أحيانا من ان طلب مصر «حسب وثائق الامم المتحدة الرسمية» فى عام 1967 وبعد كثير وكثير من الاستفزازات الإسرائيلية «الذى أبلغه ضابط الاتصال المصرى العميد عز الدين مختار إلى الجنرال إندار ريكى قائد قوات الطورائ الدولية لم يطلب فى البداية سحب جميع القوات الدولية بصفة نهائية لأن الطلب كان مجرد إبعاد قوات الطوارئ الدولية عن منطقة الحدود بين مصر وإسرائيل، ولن يتعرض الطلب إطلاقا إلى القوات الموجودة فى غزة أو إلى تواجد قوات الطوارئ شرم الشيخ».

والعربى أيضا يلوم السكرتير العام للأمم المتحدة عندئذ على أنه بعث برسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر يقول له فيها «إما أن تسحب القوات كلها أو أن تبقيها كلها»، بدلا من أن يفعل كما فعل سابقه فى أزمة 1956 بأن يأتى للقاهرة للتفاوض على مخرج من الأزمة الناشئة بالأساس عن الاستفزازات الإسرائيلية. «بدلا من هذه الرسالة كان يمكن لأوثانت (السكرتير العام للأمم المتحدة فى ذلك الوقت) أن يبلغ الرئيس عبدالناصر أنه سوف يأتى للقاهرة لمقابلته وبحث الموضوع معه.. ولماذا لم يعرض الامر على مجلس الامن.. يبقى هذا الامر سؤلا مطروحا بدون رد مقنع إلى اليوم، وهناك بالطبع روايات كثيرة حول مؤامرة إسرائيلية أمريكية للإيقاع بالجيش المصرى».


أخطاء مصرية وتلاعب إسرائيلى

لكن العربى بالتأكيد لا يتردد فى القول بأن «الطلب كان من مصر وإن مصر أخطأت لا شك فى التقدم بمثل هذا الطلب فى هذا التوقيت وإن الطلب المصرى كان مفاجأة للجميع ودون مقدمات ودون دراسة كافية ومتعمقة لنتائجه». كما انه يشير إلى رواية تقول بأن أمر طلب سحب جزء من القوات الدولية «لم يرفع إلى القيادة السياسية إلا بعد أن تسلم سكرتير عام الأمم المتحدة الطلب المصرى، وهذا بالطبع يعكس التخبط وانعدام النظام اللذين كانا يسودان المؤسسة العسكرية التى كان يرأسها المشير عبدالحكيم عامر».

ويضيف العربى دون أن يبالغ فى تحميل القيادة السياسية المصرية فى ذلك الوقت أكثر من نصيبها من أسباب الأزمة بأنه «يجب الاعتراف بأن معالجة الازمة من جانب مصر لم تكن مدروسة بأسلوب جاد بل كانت انفعالية، وقد استغلت إسرائيل هذا الموقف»، كما أنها «قررت استغلال يوم سفر الوفد المصرى (الرفيع) إلى واشنطن للتشاور حول الأزمة.. لشن الحرب قبل أن يصل الوفد إلى (العاصمة الامريكية).. وذلك كان مرتبطا بمعرفة إسرائيل أن مصر كانت لا تتوقع أن تبدأ إسرائيل بالهجوم فى نفس اليوم الذى يسافر فيه الوفد..كما أن القيادة الإسرائيلية العسكرية اقتنعت تماما فى ذلك الوقت أن الدولة التى سوف تقوم بالضربة الجوية الاولى سوف تنتصر فى الحرب».

ويشير العربى إلى أنه بعد نحو ثلاثة عقود من حرب 1967 التقى روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الامريكى الأسبق الذى «أكد أن واشنطن كانت تعلم بأن إسرائيل سوف تبادر بالهجوم بعد إغلاق خليج العقبة ولكنه لم يكن يعلم بتوقيت الهجوم على وجه الحدود».

ويعود العربى ليشير إلى أخطاء مصر فى التعامل مع الازمة فيقول «وحقيقة الامر أن المضيق لم يغلق ولكن مصر أعلنت انها أغلقته لأسباب غير مفهومة»، كما يتحدث عن تضليل الاعلام المصرى الرسمى للرأى العام بحديث عن انتصارات عسكرية وهمية وقتما كانت الهزيمة العسكرية أصبحت مكتملة الأركان، كما يتحدث، بإحباط غاضب يبدو أنه ما زال يسكنه منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، عن سوء التواصل بين القاهرة وبعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة بنيويورك وتبعات ذلك على إدارة الموقف.

لكن العربى يقول أيضا إنه «كان من المفروض أن يصدر مجلس الامن قرارا بوقف اطلاق النار وسحب القوات المعتدية فور اندلاع القتال.. ولكن مجلس الامن أخفق فى أداء واجبه والقيام بمسئولياته بسبب تعنت الولايات المتحدة»، ويضيف بدون مواربة «يعتبر موقف مجلس الامن فى هذا الصدد سابقة خطيرة تتعارض مع القرارات التى أصدرها المجلس فى حالات مشابهة».


مع السادات

ثم يأتى العربى للحديث عن إدارة الصراع فى عهد الرئيس أنور السادات فيشير إلى أن السادات سمح فى صيف عام 1973 قبل شهور من حرب أكتوبر لوزير الخارجية محمد حسن الزيات بتنفيذ مشروعه بالتوجه إلى مجلس الامن للمطالبة بتوضيح صريح للمفهوم الغامض فى القرار 242 حول الانسحاب من (ال) أراضى التى احتلتها فى عام 1967.

كما يتحدث العربى عن بادرة إنسانية من السادات الذى وقف متلقيا العزاء يوم وفاة والد نبيل العربى والتى وقعت بينما كان الأخير بعيدا عن الوطن.

ويتحدث العربى أيضا عن إصغاء السادات له فى مقابلة بادر بطلبها حول الموقف الدولى من الصراع العربى الإسرائيلى وسبل إدارته من خلال الامم المتحدة، بل إنه يقرر أن الوضع فى مصر إبان اندلاع حرب 1973 كان مختلفا عن الفوضى التى كانت سائدة فى يونيو 1967.

العربى أيضا يشير إلى أنه «لم تبدأ الامم المتحدة فى تناول حقوق الشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة إلا بعد صدور القرار 338 فى 22 اكتوبر 1973».

ثم يعود العربى ليتحدث عن قرارات يتخذها السادات، خصوصا مع هنرى كسينجر، بعيدا عن التشاور مع الوفد المصرى السياسى والعسكرى المشارك فى مفاوضات فض الاشتباك التى شارك فيها العربى نفسه، بما فى ذلك ما يتعلق بانسحاب إسرائيلى لا تعود معه كل آبار البترول فى سيناء إلى مصر، ويشير أيضا إلى عدم تسامح السادات مع القادة العسكريين، بما فى ذلك عبدالغنى الجمسى، الذين لم يتماهوا تماما مع السياسات والخطوات التى تبناها أثناء مفاوضات فض الاشتباك الأول والثانى.


مقدمات كامب ديفيد

«عندما زار الرئيس السادات القدس فى 19 نوفمبر 1979، كنت أشارك فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك بوصفى مديرا للادارة القانونية والمعاهدات وتابعت مشاهد الزيارة على شاشات التليفزيون وأنا فى حالة ذهول شديد من هول المفاجأة. وتصورت وقتئذ أنه لابد أن مصر قد حصلت عن طريق الولايات المتحدة على تعهدات إسرائيلية واضحة بالنسبة للانسحاب وتنفيذ القرار 242»، يروى العربى فى مطلع الفصل الرابع دون أن ينفى ما حققته الزيارة المبادرة من ضغط على إسرائيل أمام الرأى العام الدولى وأن يبدى اعتقاده بأن الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات قد أخطأ باتخاذه موقفا «سلبيا من مبادرة الرئيس السادات، كان فى غير صالح القضية الفلسطينية». لكن الأيام التالية توضح للعربى أن ما تصوره حول تعهدات أمريكية مأمولة لم يكن واقعا. وتتوالى الاجتماعات التالية لزيارة القدس ويشارك العربى كما فعل سابقا لكن هذه المرة تأخذه المفاوضات على متن طائرة إلى تل أبيب مع «بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية وعصمت عبدالمجيد المندوب الدائم (لمصر) فى نيويورك والسفراء أسامة الباز وعبدالرءوف الريدى وأحمد ماهر السيد ومستشارين من بينهم عمرو موسى وأحمد الزنط وحسين حسونة، بالإضافة إلى عدد من الخبراء العسكريين منهم العميد فؤاد هويدى من المخابرات العامة وعدد من الدبلوماسيين كان منهم محمد البرادعى».

«وكان شعورنا أثناء رحلة الطائرة التى استغرقت حوالى خمسين دقيقة أننا قد انتقلنا من الكرة الأرضية إلى الفضاء الخارجى»، يتذكر العربى، كما يتذكر «ضابط أمن الدولة» الموجود معهم على متن نفس الطائرة والذى أغرورقت عيناه بالدموع بسبب سفره إلى تل أبيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.