ذهلت وصدمت مثلما صدم الملايين فى مصر وفى العالم الذين شاهدوا على القنوات الفضائية مدرعات عسكرية تطارد مواطنين عزّل أمام مبنى التليفزيون فى ماسبيرو وتدهسهم تحت عجلاتها.وسجلت كاميرات الفضائيات أيضا تعرض المتظاهرين الأقباط ومعهم مواطنون مسلمون مؤيدون لمطالبهم المشروعة لإطلاق النار عليهم وضربهم بالعصى وبأسلحة بيضاء وقذفهم بالحجارة مما نجم عنه مقتل 24 شابا وإصابة 200 من المتظاهرين ومن الشرطة بإصابات مختلفة. مشهد مأساوى همجى توحشى لم يتوقعه على الإطلاق الشباب المشاركون فى المسيرة السلمية التى دعت إليها جماعة أقباط بلا قيود مع ائتلاف شباب ماسبيرو مطالبين بضبط المحرضين والجناة فى أحداث قرية الماريناب بأسوان، وبسرعة اصدار قانون دور العبادة الموحد وقانون لتجريم التحريض على هدم دور العبادة،وكذلك إقالة محافظ أسوان بسبب تصريحاته «المستفزة» حول أحداث كنيسة الماريناب ووضعها القانونى. وقد ضمت المسيرة الكثيرين من المسلمين والمسلمات ورجال الدين الإسلامى المؤيدين للمطالب المشروعة للإخوة الأقباط.
أما العجب العجاب والمذهل أيضا فهو ما فعله التليفزيون الرسمى الذى انفرد بإذاعة بيانات مكتوبة على الشاشة تقرر أن قوات الجيش تتعرض لهجوم الأقباط عليها وأنهم يحرقون المدرعات ويقتلون الجنود ثم تدعو المواطنين الشرفاء (أى المسلمين) للتوجه إلى الميدان لحماية الجيش منهم وينضم لحملة التحريض وزير الإعلام الذى ينكر تماما أى اعتداء من قبل القوات على المتظاهرين وينكر عملية الدهس على الرغم من عرض فيديوهات المدرعات وهى تدهس الشباب على شاشات التليفزيونات.
ليس هذا فحسب ولكن تعرضت مسيرة تشييع الضحايا التى سار فيها آلاف الأقباط والمسلمين يوم 11 أكتوبر لهجوم بلطجية عليهم بالحجارة وقنابل المولوتوف دون أى تدخل من الشرطة بنوعيها.
كان المشهد فى ماسبيرو مساء الأحد 9 أكتوبر يضم لوحتين متناقضتين تمام التناقض: اللوحة الأولى كانت تعبر عن أحد أهم منجزات الثورة وهو انخراط الأقباط فى الحياة السياسية منذ بدء الثورة وحدوث نقلة نوعية فى أسلوب احتجاجاتهم ومطالباتهم بحقوقهم من أسلوب اللجوء للكنيسة بصفتهم أقلية لكى تنقل شكاواهم للسلطات إلى أسلوب الالتحام بإخوانهم فى الوطن والخروج معهم وبينهم وبهم للتظاهر السلمى فى فضاء الوطن المفتوح وليس داخل أسوار الكاتدرائية المحدودة والمنعزلة أى أنهم أصبحوا أقباطا بلا قيود. كانت المسيرة من دوران شبرا حتى ماسبيرو وسط الجماهير مع انضمام مسلمين إليها أصدق تعبير عن شعور وفرح الإخوة الأقباط بالمواطنة التى هى من أهم دعائم العدالة الإجتماعية التى قامت الثورة من أجل تحقيقها.
واللوحة الثانية كانت تعبر عن أحد أخطر وأبشع أساليب القوى المضادة للثورة وللوحدة الوطنية والتى استخدمها الاستعمار وقوى التخلف ونظام مبارك لإجهاض أى ثورة شعبية على الاستغلال والاستعباد وهو شق الصف الوطنى وإثارة الفرقة والفتنة والتناحر واستعداء المصريين على بعضهم البعض. لقد أعلن التليفزيون المصرى الحرب على الأقباط بعد أن ادعى أنهم يقتلون جنود وضباط الجيش ودعا المسلمين إلى سرعة الاحتشاد لحماية الجيش منهم.
وفى الوقت الذى اكتست اللوحة الأولى بألوان الشجاعة والصدق اكتست اللوحة الثانية بألوان الغباء والكذب. لقد فعل التليفزيون الرسمى مالم يجرؤ أى حاكم فى تاريخ مصر على فعله: إعلان الجهاد ضدالأقباط.. ولا يستطيع أحد أن يصدق أن يفعل أحد من الجيش ما فعلته مدرعات شرطة مبارك من دهس للمتظاهرين.
و ينتظر المواطنون جميعا تفسيرا من المجلس العسكرى لما حدث من الشرطة العسكرية ولتخليها عن حماية المتظاهرين من إجرام البلطجية وإعلان أسماء من دهسوا المواطنين وبيان ما إذا كانوا من الجيش أم من مندسين سرقوا المدرعات وأطلقوا النار على كل من المتظاهرين والجيش وقذفوهم بالحجارة وبقنابل المولوتوف ليس هذا فحسب ولكننا ننتظر جميعا المحاسبة الفورية لكل من قتل أو أصاب أكثر من مائتين من خيرة شباب مصر سواء من المتظاهرين أو من قوات الجيش أو الشرطة أو حرض على قتلهم وإصابتهم.
لقد أفسد الشعب العظيم بجميع طوائفه المخطط الإجرامى لقوى الشر والدمار أيا كانت طبيعتها والذى كان يهدف لإشعال حرب أهلية طائفية فى جميع أنحاء البلاد ولم تحدث أى استجابات لاستعداء المسلمين على المسيحيين ذلك أنه مهما كان هناك من توتر أو احتقان طائفى فإن الأمور لم تصل أبدا إلى حد المذبحة أو الدعوة لشن الحرب على المواطنين والإخوة الأقباط.
وللأسف الشديد مازال هناك من لا يدركون أن مصر بعد 25 يناير غيرها قبل ذلك وأن الشعب المصرى بات محصنا ضد كل أساليب التضليل والقمع التى سار عليها النظام طوال العقود الماضية.