ما معنى أن تكتفى قوات الأمن المركزى بمتعة الفرجة على الاعتداءات الهمجية ضد أسر الشهداء والمصابين أمام أكاديمية الشرطة أمس؟ ما معنى أن يكون مبرر ضابط الأمن لعدم التدخل لوقف المهزلة هو أن كلا الطرفين مسلح بالطوب والحجارة، ولا يمكن التدخل؟ إن أسوأ ما فى مهزلة الاشتباكات خارج قاعة المحكمة أن البعض يحاول استخدامها فى صناعة أكذوبة مؤداها أن هناك مؤيدين للرئيس المخلوع فى مقابل معارضين له، أو أن يصل أحدهم فى فساد الاستدلال إلى القول بأن هناك انقساما فى الشارع المصرى بشأن محاكمة الرئيس والعصابة. والحاصل أن ما يجرى فى أكاديمية الشرطة أن محاكمة تجرى لرئيس مخلوع متهم فى جريمة قتل نحو ألف شهيد، وإصابة الآلاف، ومعه مجموعة من رجال نظام حكم، قيل فى وصفه إنه كان أقرب إلى تشكيل عصابى، ويتواجد فى المشهد ذاته مدعون بالحق المدنى من أهالى الشهداء والمصابين، يتواجدون فى معظمهم خارج قاعة المحكمة. وبإيجاز هناك طرفان فى المعادلة: شهداء وأهالى شهداء، وفى الناحية الأخرى قتلة أو متهمون بالقتل ومجموعات من أتباعهم، مسلحين بالحجارة والشوم ومن ثم يفترض بما أننا نحيا فى دولة قام شعبها بثورة أن هناك أجهزة أمنية يقع فى صميم نطاق عملها تأمين مقر المحاكمة. لكن يبدو أنهم فهموا تأمين المحاكمة خطأ فركزوا على تأمين المبانى والمنشآت، ولم يهتموا بسلامة ولا أرواح البشر، فرأينا هذه الأعمال العدوانية الإجرامية ضد أهالى الشهداء والمصابين على مرأى ومسمع من رجال الأمن، وكأنهم فى استاد القاهرة يتابعون مباراة ساخنة بين فريقين.. حتى فى مباريات الكرة لا يكتفى رجال الأمن بالفرجة إذا وقعت اشتباكات بين مشجعى الفريقين. وأخشى أن أقول إن السكون فى مواقف كهذه نوع من التواطؤ أو المشاركة الصامتة فى جريمة، والحياد هنا خطيئة، لأن الشرطة اخترعت خصيصا لضبط العلاقات بين البشر فلا يتحول الأمر إلى غابة أو حلبة صراع أعمى بين كائنات بدائية. وأن يتكرر المشهد فى جلسة الأمس، بعد أن رأيناه بتفاصيله الدامية فى الجلسة الافتتاحية للمحاكمة فالمعنى الوحيد هنا أن هناك من يحرص على اندلاع هذه الأحداث، وإذا أضفنا إلى ذلك أن ليلة المحاكمة شهدت دعوات تحريضية من هجامة المخلوع عبر الإنترنت للاعتداء على أهالى الشهداء أمام المحكمة، ورغم ذلك لم يتحرك أحد لضبطهم فإننا نكون بصدد كارثة تقصير أمنى متعمد. إن هناك شبانا وشابات محترمين مثل أسماء محفوظ ولؤى نجاتى وغيرهما من شباب الثورة يحالون إلى القضاء العسكرى ويتهمون بالبلطجة والتحريض على العنف والاغتيالات لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم بكلمات على تويتر أو هتاف فى مظاهرة، بينما الذين تم جلبهم وتسليحهم بالحجارة والشوم لينهالوا بها على أهالى الشهداء لم نسمع أن أحدا استدعاهم للتحقيق أو حتى تدخل لمنع اعتداءاتهم. مذبحة لغوية لم أصدق أذنى وأنا أستمع لرئيس المحكمة القاضى الجليل أحمد رفعت يقول «ضم الدعوتين» والصحيح أن مثنى دعوى هو دعويان وبالتالى كان يجب أن يقول «ضم الدعويين» فالدعوى شىء والدعوة شىء آخر.