ليتنى ما شاهدت هذا البرنامج، لأنه أصابنى بالنكد ليلة كاملة.. ولكن، الآن، أضحك فى كمى، حين يرد لذهنى تفصيلة ما، من البرنامج المقصود. صاحبته، الصحفية أصلا، دعاء سلطان، وهى بنت مصرية تماما، من إخمص قدمها إلى أعلى شعرها، منذ كان منكوشا، أيام بهدلة الجرائد، إلى أن أصبح ناعما، لزوم الجلوس أمام الكاميرا. إنها مشاغبة، شجاعة، قوية، لا تتوانى عن الدخول فى المعارك، أيا كان الطرف الآخر، وأتخيلها تشد شعر خصمها إذا كان بنتا، وتجذب رابطة عنق تعيس الحظ إذا كان ولدا، ولا يفوتها أن توجه لكمة فى العين هنا، أو ضربة رأس هناك. لا تقيم وزنا لعواقب الأمور، فحسبها، أنها أخذت حقها وصفت حسابها. ملائم تماما أن تقدم دعاء سلطان برنامج «توك شوز»، فى قناة الحياة، سواء بعنوانه الملتبس عن عمد فيما أظن، أو مادته التى تعتمد على رصد المقاطع المهمة، ذات الدلالة، من برامج «توك شو»، مع تعليقاتها، أو تقييمها إن شئت الدقة.. الحلقة التى أتحدث عنها هى تلك التى أمسكت فيها دعاء سلطان بتلابيب مذيعينا، وانفعالاتهم الرعناء، الخائبة، عقب خطاب حسنى مبارك مساء يوم «1» فبراير، الذى أعلن فيه، بعاطفية انطلت على البعض، أنه باق على الكرسى عدة شهور، إلى أن تنتهى ولايته، وأنه لن يرشح نفسه مجددا، مذكرا المصريين بخدمته للوطن، حربا وسلما، ويتمنى أن يموت على أرض مصر.. ولعلها من المرات القليلة التى يثبت فيها الشباب حكمة وبعد نظر وحسن تصرف، على نحو أعمق خبرة وبصيرة من الكهول، فبينما رفض الثوار تصديق كلمة مما جاء فى الخطاب الذى زادهم غضبا وعزيمة، نهنه مذيعونا بالبكاء، صحيح تفاوتت انفعالاتهم، ولكن معظمها تسكع متبتلا فى محراب الرئيس المخادع، المتهاوى.. حتى بعض الذين تضرروا من النظام السابق، انساقوا فى التهليل ل«نزاهة الخطاب». عمرو أديب، صاحب الحلقة القوية، التى انتقد فيها بجرأة ذلك التحقيق الصحفى المتدنى فى مجلة روزاليوسف، الذى غطت به زيارة جمال مبارك لقرية دماص، وأخذه الحماس فوضع الابن التافه، المغرور، فى حجمه، وكانت النتيجة العصف به وببرنامجه «القاهرة اليوم». وها هو عمرو أديب، فى «التوك شوز»، لا يدافع عن المخلوع وحسب، بل يطالب المعتصمين بترك الميدان. إنه نموذج لسيطرة العواطف على العقل. وهو فى هذا يختلف عن أخيه عماد أديب، عن رولا خرسا، بالضوضاء الشديدة التى تثيرها، وسيل الكلمات الفارغة المنسكبة من فمها، خاصة حيت ارتدت الملابس السوداء، وحولت برنامجها إلى سرادق عزاء، وكادت تولول بزعم أن «البلد بتتباع فى ميدان التحرير»، واستحضرت، فى مكالمات تليفونية، من يقوم معها بدور الندابات، مؤكدين أن ميدان التحرير، به باكستانيون، إيرانيون، يهود، وجنسيات أخرى. ما آلمنى فى البرنامج، أن عددا من الذين أكن لهم محبة واحتراما، لم يدركوا الموقف، مثل معتز الدمرداش الذى استبدل قناع الدهشة بمعالم الأسى. ومنهم من انساق فى رواية حكايات مبتذلة، بهدف الترويج لأكذوبة توزيع المال على المعتصمين، وأن «مايسترو» الثورة ليس مصريا، ودخل فى هذه الجوقة خيرى رمضان وخالد الجندى وعمرو سعد.. وطبعا، مرتضى منصور.. ربما يحتاج البرنامج لمزيد من التحليل، لكن يحسب له تلك المفارقات التى رصدتها المشاغبة دعاء سلطان، والتى بعد النكد، تثير الضحك.