انفض الثوار من ميدان التحرير.. وتحول الميدان إلى مزار للمصريين والأجانب على حد السواء وثبت الباعة المتجولون فيه أقدامهم ليجعلوا منه سوقا تجاريا كبيرا سلعتهم فيه الثورة وشعاراتها.. وتحولت الثورة التي سالت فيها دماء شباب مصر الذين آمنوا بحق كل مواطن مصري في الحياة بحرية وكرامة إلى مجرد بطاقات مطبوعة تباع على الأرصفة في ميدان التحرير.. بل أن صور الشهداء أنفسهم يتم المتاجرة بها دون أدنى حد من الحياء أو الاحترام لقيمة الشهادة في سبيل الوطن وفي سبيل حريته.. إن الحرية الحقيقية لا تعني فقط تحرير مصر من نظام حاكم فاسد وإنما تعني تحرير العقل المصري من مبدأ "التجارة شطارة" ومن ثم إباحة المتاجرة في كل شيء وأي شيء حتى وإن كان المتاجرة بالوطن نفسه.. فالأمر لم يقتصر على المتاجرة بصور الشهداء وشعارات الثورة بل إن علم مصر هو الآخر لم يسلم من تحويله إلى سلعة.. فبعد أن كنا لا نشاهد العلم يباع إلا في أيام مبارايات كرة القدم للمنتخب المصري أصبح الآن في كل مكان بل أصبح هو الأكثر مبيعا في مصر.. ولأن المصريين مبتكرون بطبيعتهم فقد تم ابتكار أشكال جديدة للعلم فمن قبعات وتيشرتات إلى شنط حريمي وحافظات نقود رجالي.. إلى (شباشب) ملونة بلون العلم المصري!! حتى يتماشى مع السير على الأرصفة المدهونة حديثا بألوانه!! إلى هذا الحد يمتهن العلم المصري وتمتهن مصر!! إلى هذا الحد تم تفريغ الثورة من محتواها وجوهرها لتصبح مجرد تجارة رخيصة!! عندما أمر بميدان التحرير الآن أجدني أتساءل بيني وبين نفسي هل عندما غنى عبدالعزيز محمود أغنيته الشهيرة "يا شبشب الهنا" في أوائل الخمسينات كان يتنبأ بما سيؤول إليه حال العلم المصري بعد أحداث ثورة 25 يناير التي شهدتها مصر عام 2011 فكان يتمنى وهو يغني تلك الأغنية أن يصبح رمزا لمصر المحروسة بأفكار أبنائها البارين بها!!