«اقتصاد ما بعد ثورة 25 يناير لابد أن ينحاز إلى الفقراء بعد أن ظل الاقتصاد ما قبل الثورة محابيا للأغنياء لسنوات طويلة» هذا ما نادت به بعض مؤسسات المجتمع المدنى وفى مقدمتها جمعيات حماية المستهلك من خلال ندوة نظمتها نقابة الصحفيين حول دور المجتمع المدنى فى اقتصاد ما بعد الثورة، وإذا كان وضع نظام عادل للأجور والرواتب من وجهة نظر الدكتور عبدالخالق فاروق كبير الخبراء الاقتصاديين بالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة إحدى الآليات المهمة لتحقيق هذا الانحياز وإنجاز أحد المطالب المهمة للثورة وهو مطلب العدالة الاجتماعية فإن الحركة التعاونية والتجارة العادلة وتفعيل حماية المستهلك تعد أدوات المواجهة الفاعلة للجشع والاحتكار الذى عانى منه المستهلك طويلا وذلك بحسب كل من المحاسب رضا عيسى الناشط فى مجال حماية المستهلك ومقرر اللجنة الاقتصادية فى جمعية مواطنون ضد الغلاء والدكتورة زينب عوض الله رئيسة الجمعية القومية لحماية المستهلك والتى طالبت بضرورة استقلال جهاز حماية المستهلك. والتجارة العادلة وفقا لعيسى أفضل من التجارة الحرة وتقوم مبادئها على إيجاد الفرص العادلة للفلاحين وصغار المنتجين المهمشين اقتصاديا والالتزام بحد أدنى عادل لأسعار بيع منتجاتهم يراعى تكاليف الإنتاج ويحقق هامش ربح مناسب حتى لا يقعوا فريسة للشركات المحتكرة، ويضرب عيسى مثلا بشركات الألبان الكبرى التى كانت تشترى الألبان من الفلاحين بأسعار منخفضة من خلال عقود إذعان وافق عليها الفلاحون مضطرين وتم إثبات الممارسات الاحتكارية لهذه الشركات بعد الثورة. عدم التمييز بين العمال والالتزام بحرية تنظيم النقابات مبادئ مهمة أيضا للتجارة العادلة التى يجب أن يشهدها مجتمع ما بعد الثورة خصوصا لصغار المنتجين والفلاح الذى يعد صمام الأمان لحياة الشعب المصرى بحسب «عيسى» الذى يطالب بضرورة توجيه جزء من دعم الصادرات الزراعية إلى الفلاحين باعتبارهم المنتجين الحقيقيين. عام التعاونيات «مليار مستهلك أعضاء فى حركة التعاونيات حول العالم وأكثرها فاعلية فى الولاياتالمتحدة والهند والصين والمملكة المتحدة وماليزيا وألمانيا وكندا وكينيا» وذلك تبعا لرضا عيسى أما فى المنطقة العربية فالتجربة الناجحة فى مجال التعاونيات هى التجربة الكويتية ويشير عيسى إلى أن الأممالمتحدة اعتمدت عام 2012 عاما دوليا للتعاونيات مما يعكس أهمية هذه الحركة للمستهلك على مستوى العالم مؤكدا أن الوقت الآن مناسب لعودة التعاونيات فى مصر وإحيائها من جديد بعد أن حاربها الاحتكار طوال السنوات الماضية. حول تاريخ الحركة التعاونية فى مصر يقول عيسى إنها بدأت بصورتها الحديثة فى الأول من نوفمبر 1908 وولدت من رحم الحركة الوطنية المصرية وكانت البداية بالتعاون الزراعى ثم أعقبها فى العام التالى التعاون الاستهلاكى وشهدت الحركة صعودا وهبوطا انتهى إلى انكماش الحركة فى ظل انتعاش الاحتكار والاستغلال فى مختلف المجالات. قوة تفاوضية ورغم صدور قوانين التعاون الاستهلاكى والإنتاجى فى السبيعنيات فإنها لم تنعكس على الواقع اليومى للمواطن ولم تواكب التطور العالمى للحركة التعاونية وفقا لما يؤكده عيسى فقانون التعاون الاستهلاكى يسمح لكل عشرة أفراد أن يكون جمعية أساسية ومن حق كل عشر جمعيات أن تكون جمعية عامة، كما يذخر القانون بالعديد من المزايا من بينها ميزة التفاوض والشراء الجماعى لكل مجموعة من الجمعيات مما يعنى قوة تفاوضية هائلة كما يسمح القانون للجمعيات التعاونية باستيراد السلع والمواد من الخارج وبذلك تستطيع مواجهة الاحتكار والجشع والاستغلال الذى يعانى منه المستهلك المصرى وأخضع القانون حسابات الجمعيات التعاونية لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات واعتبر أموالها من المال العام. كما أعطى القانون رئيس الجمهورية حق تحويل ملكية أى مشروع عام إلى ملكية الجمعيات التعاونية بأقساط بسيطة بدون فائدة، أو بدون قيمة، على أن يخصص لخدمة أغراض الجمعية، ومنح الجمعيات العديد من الإعفاءات الضريبية والمزايا فى تخصيص الأراضى والنقل بالسكك الحديدية والحصول على القروض إلى جانب إلزام الجمعيات بخدمة المجتمع المحيط بها بتخصيص جزء من الفوائض المالية لمشروعات خدمة المجتمع تعبيرا عن مسئوليتها الاجتماعية ولأن القانون المصرى متوافق مع القوانين العالمية الخاصة بالتعاونيات فإنه من السهل على مصر أن تنضم إلى التحالف العالمى للتعاونيات بعد ثورة 25 يناير. من هنا نبدأ تعديل قانون حماية المنافسة أصبح أحد المطالب المهمة لضمان مبادئ التجارة العادلة وفقا لعيسى الذى يطالب بأن تشمل التعديلات تشديد عقوبات الممارسات الاحتكارية لمصادرة الأرباح الناتجة عن مخالفة القانون. ويدعو عيسى المستهلكين إلى تأسيس جمعيات تعاونية أساسية وعامة وفقا للمعايير الدولية للحركة التعاونية كما يطالب الحكومة الحكومة بتفعيل كل الإعفاءات والمزايا الواردة بقوانين الجمعيات التعاونية فى مجالات الضرائب وتخصيص الأراضى وإسناد مشروعات «الهايبر ماركت» للجمعيات التعاونية بدلا من القطاع الخاص أو قطاع الأعمال. من يحمى المستهلك؟ على الرغم من وجود حكومة جديدة لا تمت بصلة لحكومة ما قبل الثورة فإن الدكتورة زينب عوض الله رئيس الجمعية القومية لحماية المستهلك ترى أن المجموعة الاقتصادية الحالية باستثناء الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعى لا تعمل فى صالح المستهلك بل تعتبرها امتدادا للنظام السابق فالاقتصاد المصرى لايزال يسيطر عليه رجال الأعمال وفقا لعوض الله التى تؤكد أن سيادة الهياكل الاحتكارية تعد أهم خصائص الاقتصاد المصرى والتى لم تجرم من جانب قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار إلى جانب تراجع الجودة والسلامة أمام اعتبارات تحقيق الحد الأقصى من الأرباح واتجاه المستهلك المصرى محدود الدخل إلى سلع بير السلم تحت ضغط ارتفاع الأسعار وتؤكد عوض الله على ضرورة تعديل قانون حماية المنافسة. انتقادات شديدة وجهتها «عوض الله» لجهاز حماية المستهلك لموقفه الرافض من الدخول فى قضية الأسعار بدعوى حرية السوق رغم أن مشكلة الأسعار أكثر المشكلات التى يعانى منها المستهلك والى جانب موقف الجهاز من قطاع الاتصالات بعد أن تدخل الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق لصالح جهاز تنظيم الاتصالات الذى طالب بأن يكون هو الولى على شكاوى الاتصالات من دون جهاز حماية المستهلك الذى اضطر إلى التنفيذ بعد أن طالبه وزير التجارة الأسبق «رشيد محمد رشيد» بذلك كما انتقدت عوض الله عدم قيام الجهاز بمناقشة ميزانيته من خلال مجلس إداراته «طوال ثلاث سنوات كنت فيه عضو مجلس إدارة بالجهاز لم نتمكن من استعراض الميزانية على الرغم من المطالبة بذلك». سلبيات القانون ورغم بعض الإيجابيات التى تراها زينب عوض الله فى قانون حماية المستهلك مثل حظر تلقى الجمعيات أى منح أو هبات أو تبرعات من الموردين. وذلك درءا للشبهات. والنص على حقها فى إقامة دعاوى جنائية بالطريق المباشر وإقامة دعاوى تعويض باسمها عما يلحق المستهلكين من أضرار، إلا أن نقص الإمكانات البشرية وضيق ذات يد هذه الجمعيات وغياب منظومة العمل التطوعى يعيق فاعلية دورها فى هذا النطاق. وترى عضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك السابقة زينب عوض الله ضرورة إعلان اسم المنتج الضار أو غير الآمن والذى تم ضبطه أو إعدامه نظرا لضرره خصوصا عندما يكون متداولا بالأسواق دون انتظار حكم نهائى أو الإعلان عن السلع والخدمات غير المطبقة لقواعد حماية المستهلك باعتبارها مخالفات مانعة للتداول بالأسواق وهذا ما لم ينص عليه القانون وينبغى تعديله وتنتقد غياب النص عما ينبغى أن يتخذ من إجراءات وقتية لتحجيم الزيادة فى الأسعار الناتجة عن ظروف استثنائية.. وترى عوض الله أن ما جاء بالقانون يجعل من جهاز حماية المستهلك جهازا حكوميا حيث يجعل منه خصما وحكما فى ذات الوقت إذا ما تم الافتئات على حقوق المستهلك مما يجعله فى النهاية أحد الأجهزة الحكومية وأكدت على ضرورة استقلالية الجهاز ونقل تبعيته إلى رئاسة الوزراء او مجلس الشعب. سلبية المستهلك ولا تعفى الدكتورة زينب عوض الله المستهلك ذاته من المسئولية مشيرة إلى سلبية المستهلك المصرى وعزوفه عن التعاون مع الجمعيات وعدم درايته بحقوقه وعدم قدرة الغالبية على اكتشاف الغش فى حينه إلى جانب صعوبة اللجوء إلى الإجراءات القضائية لضيق ذات اليد، فضلا عن انخفاض مستوى الدخول وارتفاع نسبة الأمية وترى أن عدم فاعلية معظم جمعيات حماية المستهلك يؤدى إلى وجود عقبات تحول دون اكتساب هذه الجمعيات مصداقية لدى المستهلكين، وهو الأمر الذى يقتضى وضع استراتيجية شاملة للتغلب على هذه المشكلات فى ظل المناخ الجديد الذى نعيشه. من جانبه يرى محمود العسقلانى رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك ضرورة أن ينحاز اقتصاد ما بعد الثورة إلى صف الفقراء مطالبا بأن يكون هناك نصيب لمحدودى الدخل فى منظومة حماية المستهلك معتبرهم الحلقة الأضعف فى سلسلة هذه الحماية خصوصا أن الحماية الحالية موجهة فى الغالب للأغنياء من أصحاب الشكاوى الخاصة بالتكييفات والسيارات التى احتلت المركز الثانى من حيث عدد الشكاوى التى يتلقاها جهاز حماية المستهلك.