سعيد جدا بأن أعيش لأشهد هذه الثورة التى جاءت بعد طول انتظار، فتلك الثورة انطلقت على يد الشباب الذى خرج من بين صفوف الشعب المصرى أعادوا للأمة الأمل فى المستقبل، فلم تحركهم أحزاب ولا تيارات سياسية أخرى، ولكنهم استطاعوا بفهمهم لمفردات عصرهم أن يفرضوا التغيير بقوة الصمود والإيمان، وأن يتجهوا بمصر نحو إعادة صياغة موازين القوى فى العالم من جديد». هكذا عبر الكاتب الكبير يسرى الجندى عن الحالة التى يعيشها وهو يتابع تطورات الأحداث فى ميدان التحرير، وكيف يرى العالم بعين جديدة تملأها التفاؤل بما حققه شباب مصر الواعد على أرض الشارع المصرى، وكيف استطاعوا بهبتهم التى بدأت بشكل فيه الكثير من العفوية أن يغيروا وجه التاريخ، وأن يعيدوا النظر فى صورة مصر فى الخارج والداخل. ●سألته.. بماذا تصف ثورة 25 يناير2011؟ أجاب.. إنها ثورة شعبية كاملة لم تعتمد على تحركات عسكرية، ولم يكن فيها أى إعداد أيديولوجى محدد، ولكنها هبة شعب بمختلف أطيافه ضد الأوضاع الخاطئة فى البلد، وهذه الانتفاضة بدأ يشتد عودها إلى أن وصلت للتداعيات الطبيعية لها فى المطالبة بالتغير الشامل، ومدى إمكانية تحقيق تلك المطالب أمر مرهون بعاملين أساسيين هما الوقت الذى يمكن للمعتصمين الصمود إليه والثمن الذى يجب أن يدفع مقابل الحصول على هذه المطالب. ألم تساورك تلك المخاوف التى أحاطت بحركة الشباب من احتمالات الدخول فى فوضى خاصة أن الثورة تخرج من العالم الافتراضى للانترنت بدون قيادة واضحة؟ من قراءتى للتاريخ أرى أن ما يمكن أن يحدث فهو أمر طبيعى فى لحظات التغيير والانتقال من مرحلة تاريخية لأخرى، وفى مصر القديمة دخلت البلاد لفترات من الفوضى استمرت لسنوات طويلة ولكنها عادت مرة أخرى إلى حكم الأسرات التى قدمت للبشرية واحدة من أعرق الحضارات فى تاريخها، ومن هنا تتضح مواصفات الشخصية المصرية التى رصدها جمال حمدان من خلال دراسته جغرافية تاريخية، التى تؤكد أن الشخصية المصرية قد تنطفئ لسنوات طويلة تتجاوز الثلاثين عاما، ولكن معدنها من الداخل يظل على أصالته، وعندما يتحرك المصريون فى تناغم على الطريق الصحيح يغيرون وجه العالم من حولهم، والشخصية المصرية لها رصيد كبير من هذه التحولات الكبرى فى العصر الحديث ومنها هوجة عرابى وثورة 19 وهبة الجيش فى يوليو 52، ولكن تظل لانتفاضة 25 يناير خصوصيتها لأنها خرجت من شباب يريد أن يعيش المستقبل كما يراه، ويرفض الوصاية عليه. ●وكيف يرى أحداث الثورة بعد أن هدأت رياح الغضب بعد فتح أبواب الحوار بين الثوار ورجال الدولة، وهل يعد هذا هو المشهد الأخير فى مسلسل الثورة؟ التغير لابد وأن يأخذ وقته، والثورة لم تكن يوم 25 يناير فحسب، وإنما كانت البداية فى هذا اليوم هو بداية انطلاق الثورة التى لابد وأنها ستستمر حتى تحقق أهدافها، ويكفى أن أشير إلى الثورة الفرنسية التى استمرت لسنوات وأردت من النظام الجمهورى للملكية ثم العودة مرة أخرى للجمهورية حتى وجدت ضالتها فى نظام جديد يحقق أحلام الشعب. ●وإلى أى مدى تتوقع أن يحقق الشباب مطالب ثورتهم؟ رياح التغيير هبّت بالفعل ولا يمكن إيقافها، وأنظار العالم تتجه إلى ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط باعتبار أن تلك الأحداث ستنعكس بشكل مباشر على الحياة فى الغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالغرب ينظر إلى المنطقة باعتبارها مصدر الطاقة، والتوازنات الاستراتيجية العسكرية والسياسية، وهو ما يؤكد أهمية دور مصر فى العالم الذى يجب أن يعيه الجميع، وأن يضعه فى اعتباره عند الحديث عما يحدث فى مصر، وأشير هنا إلى أن الشعارات التى أطلقها الشباب فى ميدان التحرير بدأت تسمع أصداؤها فى عواصم عربية أخرى، وهناك حكومات وأنظمة تحاول إصلاح الأوضاع عندها خوف من اندلاع ثورات موازية للثورة المصرية. ●وهل من شواهد تؤكد ذلك التغير؟ حالة الترقب لما ستفضى إليه الأحداث فى مصر، فما يحدث فى مصر بالضرورة سينعكس على كل الدول العربية باعتبارها الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا فى المنطقة، وبالضرورة ستتغير خريطة المنطقة العربية بفعل هذه الثورة، ومن هنا نجد أمريكا تراجع مواقفها بشكل مستمر وهذا يتضح من التضارب بين بعض التصريحات، والاتحاد الأوروبى يجتمع ليناقش مجريات الأمور فى مصر، وإسرائيل فى حالة قلق لما يجرى فى مصر، كل هذا يؤكد أهمية مصر وثقلها وحجم تأثيرها، وهى القيمة التى حاولوا التقليل منها على مدار عقود متتالية، ولكن ها هى الثورة التى أطلقها شباب مصر الواعد لتعيد الثقة للدور المصرى. ●هناك مخاوف من قيام بعض التيارات السياسة مثل الإخوان بالقفز على ثورة الشباب فكيف ترى الصورة من وجهة نظرك؟ أعتقد أن الإخوان قد تخلوا عن الأجندة القديمة، وأنهم لم يملكوا أمام هذا الكيان الجديد الذى ولد مع الشرارة الأولى لثورة 25 يناير إلا تغيير هذه الأجندة، فهذا الشباب الذى تشكل مع الثورة يعبر عن المستقبل، فهو لم يخرج من الأحزاب أو الحراك المدنى لكفاية ودعوة محمد البرادعى، أو حتى من جماعة الإخوان المسلمين، ولكن هم شباب يقفون عند حافة المستقبل، ويرون العالم من جهة مختلفة تناسب العصر الذى يعيشون فيه، ودعنى أقول أننى وجيلى أصبحنا نعيش خارج العصر، وأن من يعيش هذا العصر هم هؤلاء الشباب المرابطون فى ميدان التحرير، وهم من سيشكل مستقبل مصر، والمنطقة العربية. ●خروج الشباب للحياة السياسية بهذه القوة هل يكون له دور فى بث الروح فى الأحزاب؟ شباب الثورة كشف عن مدى هشاشة الحياة الحزبية فى مصر، فنحن بحق إما أحزاب ورقية لا يمكنها التعبير عن أحلام هؤلاء الشباب، فضلا عن أن هذه الأحزاب فشلت خلال عقود مضت فى إحداث تغيير يذكر فى الحياة المصرية، والفصيل الوحيد القادر الآن على إحداث التغيير هم هؤلاء الثوار الشباب، ومن هنا أقول إنه على هذا الشباب أن يسرعوا فى وضع أجندة لهم، تحدد مطالبهم، ولأن معظم هؤلاء الشباب ليس لهم نشاط سياسى فيمكن أن تشكل لهم خلفية سياسية لهذه الحركة من خلال بعض الأسماء الوطنية التى لا خلاف عليها، بشرط ألا يفرض أحد وصايته على ثورة الشباب، وأن يختاروا مجموعة منهم تتحدث باسمهم، وأن يفوضوا هذه المجموعة بحيث يكون هناك إلزاما للجميع ما ستطرحه هذه المجموعة أو ما ستقبله خلال تفاوضها، وبهذا يدخل الثوار للحوار، لأن الجمود أصبح الآن من الأخطار التى تهدد الثورة، وعليهم التحرك حتى لا تسرق منهم ثورتهم. ●هناك مخاوف يبديها البعض من إخماد الثورة بتجميد الموقف على ما هو عليه أو استدراج الشباب لحوارات ليسوا مؤهلين لها فى الوقت الراهن.. فما تعليقك على هذا؟ الثورة لن تخمد، ولكنى أخشى فى ظل حالة الجمود التى قد يحاول البعض فرضها على الثورة، وسيجعل خطوات التغيير بطيئة وقد تستمر لسنوات، ولكن دعنى أقول إن الثورة قد انطلقت وإنه لا يمكن أن نعود إلى ما قبل 25 يناير 2011، وأرى فى محاولات الحوار مع الشباب مجموعات كل على حدة فيها استدراج لهؤلاء الشباب وسعى نحو بث الفرقة والانشقاق بينهم، ومن هنا أرى ضرورة الإسراع فى وضع أجندة وتشكيل مجموعة تمثلهم وتتحدث عنهم وتفوض بالتفاوض نيابة عنهم.