البرلمان: لا إخلاء لمستأجري الإيجار القديم قبل ضمان بدائل سكنية    الدولار ب50.63 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 6-5-2025    مش غارة إسرائيلية، أسباب انفجارات واشتعال النيران بمدينة حلب السورية (فيديو)    خبر في الجول - اتجاه داخل الزمالك لرحيل بيسيرو.. والأسماء المرشحة لخلافته    موجة حارة.. بيان مهم ل الأرصاد يكشف طقس اليوم الثلاثاء 6 مايو (احذروا الشبورة)    تامر حسني ومصطفى حجاج يشعلان حفل زفاف رنا رئيس    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلي بورتسودان وتوجه نداء لعملائها    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    هل يشارك ترامب في جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    موعد مباراة إنتر ميلان وبرشلونة في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    وكيل كولر يتحدث لمصراوي عن: حقيقة التقدم بشكوى ضد الأهلي.. والشرط الجزائي بالعقد    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    مدرب سيمبا: تلقيت عروضًا للعمل في الدوري المصري وهذه الفرق أحلم بتدريبها    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    الصراع يحتدم، رد حاسم من الأزهر بشأن تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    بالأسماء، حركة تنقلات بأوقاف المنوفية لضبط العمل الدعوي والإداري    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    التموين عن شائعات غش البنزين: لم نرصد أي شكوى رسمية.. ونناشد بالإبلاغ عن المحطات    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    "المالية" تعلن عن نظام ضريبى مبسط ومتكامل لأى أنشطة لا تتجاوز إيراداتها 20 مليون جنيه سنويًا    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    "عيون ساهرة لا تنام".. الداخلية المصرية تواجه الجريمة على السوشيال ميديا    الطب الشرعي يعيد فحص الطالبة كارما لتحديد مدى خطورة إصاباتها    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    رغم هطول الأمطار.. خبير يكشف مفاجأة بشأن تأخير فتح بوابات سد النهضة    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميشيل أوباما.. صورة أخرى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 05 - 2009

فى مائة يوم، لا أكثر، تغيرت صورة ميشيل أوباما، السيدة الأولى فى الولايات المتحدة، وتغيرت أوصافها وأمزجتها واهتماماتها. وعلى الناحية الأخرى من الأطلسى، ورغم مرور أكثر من مائة يوم، لم تتغير صورة كارلا برونى سيدة فرنسا الأولى. كل ما حدث لصورة كارلا هو أنها تعمقت وازدادت رسوخا. فى الحالتين اتخذت أجهزة الإعلام، أو القوى الخفية التى تقف وراءها، قرارات تتعلق بالصورة المناسبة. تقرر فيما يبدو أن تتغير صورة ميشيل، صورة الناشطة الاجتماعية المعروفة فى شوارع وأزقة أفقرأحياء شيكاغو ونصيرة الطبقات الدنيا بين السود. وهناك على بعد بعيد كانت جهات أخرى تقرر الاحتفاظ بصورة كارلا: كارلا «آكلة الرجال»، عارضة الأزياء اللعوب، الفنانة الارستقراطية. أمر واحد اتفق عليه الإعلام فى الدولتين بالنسبة للسيدتين، سيدة أمريكا الأولى وسيدة فرنسا الأولى، وهو محو شبهة كراهيتهما للوطن. فالأولى وجدت من يتهمها بأنها لم تكن يوما فخورة بكونها أمريكية حسبما قالته بنفسها عن نفسها، والثانية متهمة بأنها تخلت عن إيطاليا وطنها الأول من دون أن تثبت ولاءها لفرنسا، وطنها الثانى.
يتحدث العالم منذ أسبوعين عن المائة يوم الأولى فى ولاية باراك أوباما. وكان يمكن أن يتحدث أكثر لولا أن هبت عاصفة الخنازير فاحتلت مساحات فى الصحف وساعات فى التليفزيون كان واضحا أنها تعد أو تستعد منذ أسابيع لتقدم صورة جديدة للرئيس أوباما ولعائلته بأمل أن تسهم هذه الصورة الجديدة فى محو الصورة القبيحة التى تكونت لأمريكا فى أذهان الرأى العام العالمى على امتداد سنوات ريجان وبوش الكبير وكلينتون وبوش الصغير. ومع ذلك لم تمنع العاصفة أجهزة الإعلام من مواصلة العمل على بناء صورة جديدة لأوباما وعائلته.
أستطيع أن أفهم حماسة أجهزة الإعلام لتغيير صورة أوباما وعائلته. فالصحافة بخاصة والميديا بشكل عام، لا تحب الملل بل تخشاه وتمقته. نفهم نحن المصريين هذا الأمر ربما أكثر من غيرنا، فقد أصاب صحافتنا وجل إعلامنا ما أصابه من تدهور لأسباب معروفة بينها حال الملل المهيمن فى مجتمع لا يصنع خبرا، وحين يصنع خبرا فإنما يصنعه بترو وتردد ومع تحفظات كفيلة كلها بأن تنجب خبرا بدون روح.
أتصور أن هناك من فكر كثيرا فى أنه لو تركت عائلة أوباما تنتقل بهدوء إلى البيت الأبيض وتبدأ حياة عائلية رتيبة كتلك التى ألمح إليها باراك وميشيل على امتداد الفترة الانتخابية لربما فقد الرأى العام الأمريكى اهتمامه بالبيت الأبيض ولفقدت الصحافة والميديا عموما حيوية أهم مصنع للأخبار فى العالم.
وأظن أن باراك كان فى البدء حريصا على أن يبعد عائلته عن ساحة صنع الأخبار. وأذكر تحديدا طلبه إلى الصحفيين إبقاء ابنتيه ماليا وساشا بعيدتين عن الأضواء بعد انتقالهما إلى البيت الأبيض. ولا أظن أنه كان يخطط لميشيل دورا سياسيا كالدور الذى حاولت هيلارى كلينتون أن تلعبه فى بداية عهد وليام كلينتون وفشلت فيه فشلا ذريعا وكادت تؤذى حزبها وزوجها وهيئة مستشاريه. حدث هذا قبل أن يؤذى الرجل نفسه ويؤذيها معه.
استطعت أن أفهم رد فعل القوى المهيمنة على الميديا على هذا الميل من جانب باراك لإبعاد عائلته عن الصورة السياسية. فالميديا لم تكن لتقبل أن تقيم فى البيت الأبيض عائلة مملة جدا. لذلك استقدمت إلى البيت الأبيض كلب جرو. وكان مجيئه إعلانا عن أن العائلة التى هبطت على واشنطن من أزقة شيكاغو مستعدة لتقليد طبقة الحكم والمال فى واشنطن. كان الجرو الخطوة الأولى وبعدها انتقلت الميديا ومبعوثوها المقيمون فى البيت الأبيض إلى التركيز على ميشيل لتكون الخطوة التالية، واشتغل الجميع على صنع صورة جديدة لها. وبالفعل، أو فى رأيى على الأقل، وقع الاختيار على صيغة جاكلين كيندى بعد أن رفض باراك، فيما يبدو، صيغة هيلارى كلينتون التى اختارت صورة الزوجة المشاركة فى صنع القرار السياسى. لقد أحدثت جاكلين نقلة قوية فى نمط حياة البيت الأبيض وسلوكياته الاجتماعية. أدخلت الأناقة والارستقراطية وتركت السياسة لزوجها يحتكر الدور فيها وفضلت أن تشاركه فى الشعبية والوسامة والأصالة الطبقية. نرى الآن ميشيل وقد أصبحت فى نظر وسائط الإعلام واحدة من أكثر سيدات العالم أناقة. يشار لها بالسيدة ذات القوام الممشوق والسمرة الجذابة التى اكتشفتها فجأة أشهر عشرة بيوت أزياء فى العالم. جرى تصويرها وتقديمها للرأى العام وهى ترتدى ملابس ومجوهرات كتلك التى كانت ترتديها جاكلين كيندى. ثم تقاسمت النيويورك تايمز والواشنطن بوست سبقا صحفيا، الأولى صورت ميشيل وهى تزرع الخضروات فى حديقة البيت الأبيض والثانية كان لها سبق الإعلان عن وصول الجرو إلى البيت الأبيض. حينئذ عرفت سوق الميديا أن ولاية أوباما، وبخاصة الجانب العائلى فيها، لن تكون ولاية مملة لا تصنع الأخبار.
أين هذه الصورة، أو الصور، من ماضى باراك وميشيل؟.. نعرف الآن أن ميشيل عندما كانت فى الحادية والعشرين من عمرها كتبت بحث التخرج فى جامعة برنستون عن الطلبة الزنوج فى الجامعة. ونعرف أن البحث اختفى خلال الحملة الانتخابية، وبذل إعلاميون جهودا هائلة للحصول على نسخة منه دون جدوى. ومع ذلك فقد تسرب أنها لم تأت مرة واحدة فى البحث على ذكر أمريكا وجاء ذكر الولايات المتحدة مرة واحدة. كتبت ميشيل عن أمتين، أمة بيضاء وأمة سوداء، وتوصلت فى البحث إلى أن السود الذين يختلطون بالبيض لا يهتمون بمساعدة أبناء جلدتهم من الفقراء، على عكس السود الذين لا يختلطون إلا بالسود. وفى نهاية البحث الذى أعدته وقدمته فى عام 1985 دعت السود الأمريكيين إلى تبنى أيديولوجية «انفصالية» ورفض أى أيديولوجية امتصاصية تنادى بالذوبان داخل مجتمع أبيض. ووصفت السود الذين اندمجوا فى الأغلبية البيضاء وقلدوا تصرفاتها وسلوكياتها بأنهم جهلة، فثقافة السود حسب رأيها تختلف جذريا عن ثقافة المنحدرين من أصول بيضاء. للسود موسيقاهم ولغتهم وكفاحهم المشترك ضد المجتمع والعبودية. «لقد عانى السود من عذاب لم يعان مثله جنس آخر حتى الهنود الحمر». وكانت سخريتها من السود الذين أثروا واندمجوا وصاروا يشعرون بالخجل من سلوك أقرانهم السود سخرية لاذعة. ويبدو أن ميشيل الناضجة وزوجة مرشح الحزب الديموقراطى لتولى أعلى منصب فى الولايات المتحدة كانت وما زالت متأثرة بأيديولوجية سنوات شبابها إلى حد أنها قالت ذات يوم خلال الحملة الانتخابية: إنها تشعر للمرة الأولى «بالفخر لكونى أمريكية»، وهو التصريح الذى أقام الإعلام الأمريكى ولم يقعده، إذ جرى اتهامها بأنها «معادية لأمريكا». حينذاك استطاع الإعلام الربط بين أفكارها وأفكار صديق العائلة القس جيريمايا رايت. ولم يتوقف الهجوم عليها إلا حين تنصل باراك أوباما من «أبوة» القس رايت ورعايته له وتعهده قطع علاقته به.
يجرى الآن إغفال هذا الجانب من حياة ميشيل أوباما، المرأة التى قادت حملات لإقناع السود فى أمريكا بأن وطنهم أفريقيا وليس أمريكا، وبذلت جهودا مكثفة لبث الكبرياء فى نفوسهم واعتزازهم بأصولهم الأفريقية، حتى إن بعض السود فى شيكاغو كانوا يشبهونها باليكس هيلى مؤلف رواية الجذور، وهى الرواية التى غيرت مكانة الأمريكيين الأفريقيين، ولا شك عندى أن هيلى وكتابه مسئولان مسئولية غير مباشرة عن صعود رجل أسود من شيكاغو إلى قمة السلطة فى مجتمع مازالت ثقافته ثقافة الجنس الأبيض.
لفت نظرى، كالعادة، أن القوى الإعلامية الكبرى فى أمريكا لم يفتها أن تتعمق فى خلفية ميشيل لتكتشف ثم تعلن أن ميشيل هى ابنة عم من الدرجة الأولى للحبر اليهودى الإثيوبى كابرس فاناى Capres Funnay من كنيس «بيت شالوم نباى ذاكى» للجالية اليهودية الإثيوبية فى شيكاغو. قيل إن الجد اليهودى ينتمى إلى عائلة روبنسون عن طريق والدته السيدة فيرديل شقيقة فريز روبنسون جد ميشيل روبنسون.
هكذا تكتمل فى الذهن الأمريكى الصورة الجديدة لميشيل روبنسون أوباما، السمراء الجميلة الرشيقة الأنيقة الارستقراطية ذات الأصول اليهودية.
المفارقة مع حالة كارلا برونى أن القوى المؤثرة فى صناعة الميديا الفرنسية كانت قلقة من احتمال أن يخلو الإليزيه من سيدة، فيتفاقم الملل الذى توقعه الكثيرون لسمات معروفة فى شخصية ساركوزى. وما أن ظهرت كارلا على الساحة وتوطدت العلاقة بينها وبين ساركوزى وتصاعدت إلى زواج، حتى أطمأن الإعلام الفرنسى إلى أنه لا خوف على فرنسا من الملل. وتكاتفت كل أجهزة الإعلام من أجل تأكيد وتعميق صورة كارلا برونى التى اشتهرت بها قبل دخولها الإليزيه، فهى الصورة أو مجموعة الصور التى نجحت فى تغيير نمط الحياة فى القصر الجمهورى وجعلت من نيكولا ساركوزى شخصا «مقبولا» ومن منصبه مصدرا لأخبار منعشة ومسلية وكذلك مثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.