حمل الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض بالسودان، حسن الترابي، "النظام" السوداني برئاسة عمر البشير، "مسؤولية ضياع وانفصال الجنوب عن السودان، لكونه نظاما ديكتاتوريا عسكريا لا يحترم الدستور ولا يؤمن إلا بالقوة". ورأى الترابي أن المؤتمر الوطني الحاكم أهدر "فرصة كبيرة" لإصلاح" التراكمات الخاصة بقضية الجنوب عبر اتفاقية السلام، ولكنه لم يستغلها، ولم يجعل الوحدة جاذبة بل زاد الأمر سوءا". وأعرب عن اعتقاده -في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة الأنباء الألمانية من القاهرة- بأن كل الحكومات السابقة في السودان تتحمل المسؤولية، ولكنه اعتبر أن الاتفاقية بين حكومة حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كانت فرصة لعلاج كل المشكلات المتراكمة في الجنوب، ولكنهم" قاطعوا الجنوب تماما وأهملوه". وأشار إلى أن تكلفة النقل النهري والجوي بين شمال السودان وجنوبه أصبحت" أغلى من أي سفر خارج السودان (أغلى من السفر نحو القاهرة أو الخليج)". يذكر أن الحركة الشعبية لتحرير السودان أكدت مؤخرا أن نتائج استطلاعات للرأي أجريت في الجنوب، أكدت ترجيح كفة الانفصال في استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، المزمع إجراؤه في 9 يناير المقبل . وحمل الترابي الحركة جانبا من المسؤولية عن تحقق الانفصال، ولكنه التمس لها عذرا "بعض الشيء، يعنى وزراءها ما كانوا معنيين بالقضايا القومية أصلا". وقال: إن اهتمامهم انصب في غالبه على قضايا الجنوب، حتى إن "النائب الأول لرئيس الجمهورية.. كان غالب وقته في الجنوب حتى إنهم كانوا يسمونه في القصر الرئاسي الغائب الأول لا النائب الأول". ولكنه لم يبرئهم من المسؤولية تماما، ولا سيما فيما يتعلق بقضية الحريات في عموم السودان، معتبرا أنه ".. كان ينبغي عليهم أيضا إنفاذ المبادئ التي كتبوها في الاتفاقية من حريات، وهي لمصلحتهم أولا ولمصلحتنا جميعا.. ولذا أقول هم أنفسهم كان لهم دور، ولكنه دور محدود حتى نكون عادلين في موازنة المسؤولية". وحذر زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض من احتمال حدوث مطالب انفصال أخرى من أراضى السودان في المستقبل كإقليم دارفور، مستندا في ذلك إلى أن".. دارفور أصلا كانت تطالب (بالانفصال) مثل الجنوب، وخاصة أنها متخلفة جدا ومقطوعة الأوصال". وقال الترابي: ".. الآن، العلامات كلها تدل على فشل مفاوضات الدوحة تماما مع ممثلي الفصائل المسلحة والقوى الشعبية، وهناك عدم ثقة من جانبهم بالنظام". ورغم ذلك، اعتبر المعارض السوداني أنه ما زال من الممكن تدارك الموقف قائلا: ".. إذا استدركناه يمكن العلاج ولكن إذا فرطنا فيه سيتداعى الأمر". وحذر في الوقت نفسه من احتمال ظهور مطالب بالانفصال في شرق السودان، منبها إلى أن ما بذلته حكومة المؤتمر الوطني لعلاج مشاكل هذه المنطقة" لم يؤثر في شيء على الجماهير ولا يزالون يشعرون بالظلم". ورفض الترابي فكرة إحداث تغيير في السودان من خلال ثورة مسلحة، وقال: "ننكر أن تقوم ثورة مسلحة، لأنها ستكون دموية، ولذا ما عندنا إلا الثورة الشعبية"، رغم القيود المشددة على الصحف وحرية التعبير والندوات والمظاهرات، على حد قوله. وحذر أيضا من أن وقوع ثورات يمكن أن يؤدي بخلاف ما حدث في الماضي إلى انفصال مناطق أخرى في البلاد".. فربما تنسلخ دارفور وهي الآن لها جيوشها،.. أو الشرق، والجنوب يتجه حاليا للانفصال فضلا عن أماكن كثيرة جدا تسلحت قبائلها". وأعرب عن أمله في أن "يتحول هذا النظام من نفسه أو من الخارج، لكي نستدرك الأمر، ويقنع ويرضى الناس في شمال السودان، طبعا لأن الجنوب سيكون قد مضى طبعا وهو ماضٍ على كل حال". وطالب الترابي بتغيير سلمي، لأن"الثورات تحدث فوضى وذلك في كل مكان بالعالم، والثورة لن تضمن بقاء السودان موحدا، لكنه استدرك بأن، استمرار هذا النظام بهذه السياسة قد يؤدي إلى نفس النتائج" . وكان تحالف أحزاب المعارضة الذي يضم حزبي المؤتمر الشعبي، برئاسة الترابي، والأمة، برئاسة الصادق المهدي، وأحزابا أخرى، أكد أنه في حال رفض الحزب الحاكم للاستجابة لمطلبه، فإنه سينخرط مباشرة في عمل سياسي هادف، لإزاحة نظام الحكم القائم عبر وسائل النضال السلمية. وتوقع الترابي ألا يقدم المؤتمر الوطني على إجراء انتخابات جديدة، بعد استفتاء جنوب السودان، وقال إن حكم المؤتمر الوطني "سيتجه للتصعيد العسكري مع دارفور لأنه نظام عسكري". ورأى في هذا التصعيد المتوقع" تكرارا" للأخطاء في الجنوب، "وإهدار الأموال والأرواح بدلا من تنمية الطاقات المادية والبشر بالسودان". وشدد على "أن دارفور دولة مقاتلة أصلا.. و(ربما) الجيش غالبه ما قد يقدر على دارفور". وطالب الترابي بممارسة الضغوط على النظام السوداني، ليغير منهجه لإنقاذ بقية السودان، لأن "السودان إذا اشتعل بالفوضى سيؤثر على كل من حوله، وستشتعل المنطقة وستتمزق إقليميا، وستؤثر على العالم أجمع". وكانت قيادات من حزب المؤتمر الوطني الحاكم وصفت تحرك المعارضة بأنه يأتي في إطار المصالح الحزبية، وليس من أجل المصلحة الوطنية للسودان، وقللت في الوقت نفسه من الوزن السياسي والشعبي لتلك الأحزاب . وألمح الترابى، في الوقت ذاته، إلى احتمال قيام ثورة شعبية بعيدا عن المعارضة، موضحا: "مال البترول سيذهب جنوبا، وهذا سيدفع الحكومة إلى فرض ضرائب بالغة على الجمارك، وعلى القيمة الإضافية، وتخفيض الجنيه السوداني، وهذا يغلى الأسعار، فالناس إذا قامت بهم قائمة الحاجة والضرورات والجوع فستكون ثورة احتياج واجتياح، وهذه من أخطر الثورات". وحول ما يتردد عن مساعدة أمريكا للشمال على تحسين أوضاعه الاقتصادية مقابل تمرير الاستفتاء، قال الترابى:"تريد أمريكا والغرب إجراء الاستفتاء والانتهاء منه، أولا عندهم أغراض بعيدة المدى"، مشيرا إلى أن أمريكا والغرب لا يريدون للغة العربية بما تحمله من رسالات وثقافات ذات طابع إسلامي أن تنتشر في الجنوب السوداني، "وهم لا يريدون الدين هذا (الإسلام) أن يدخل ويكون له مد إفريقي". أضاف الترابي أن وقوع اضطرابات في الجنوب السوداني سيتطلب إرسال قوة من الأممالمتحدة، وسيترتب على ذلك زيادة في التكاليف التي تتحمل الولاياتالمتحدة "النصيب الأكبر" منها . وأشار إلى أن "عندهم (الولاياتالمتحدة) الآن 10 آلاف جندي، لحماية اتفاقية الجنوب، وعندهم ما يبلغ 26 ألفا لحماية مشاكل دارفور". على صعيد آخر، رفض الترابي تأكيد اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس أوكامبو للبشير باختلاس تسعة مليارات من أموال البترول، ولكنه قال إن المواطنين في السودان "لا يستغربون أي شيء، لما يرونه من فساد هذا النظام واستغلاله للسلطة". وأكد المعارض السوداني موقفه المؤيد للمحكمة الجنائية، معتبرا أنها "محكمة عادلة.. لهذا، نريد لها أن تقوم وتنهض بواجبها". واستبعد أن تؤدي اتهامات أوكامبو للبشير إلى ملاحقة الأخير وسقوطه وتغيير النظام. وقال: "حتى إذا تغير النظام ربما سيجد لنفسه مهربا في دول مجاورة، لا تستطيع أن تبدد اتهام المحكمة، ولكنها تستطيع أن تقنع القوى الكبرى أن تؤجل الاتهام سنة بعد سنة".