ما دخلت السياسة شيئا إلا وأفسدته، مقولة تنطبق تماما على شهر رمضان الكريم، فالشهر الذى كان موسما للعبادة و«أوكازيون» لتكفير الخطايا ونهرا هادرا للحسنات، أصبح فرصة لانطلاق الحملات الانتخابية، وبدأ كل مرشح يسعى لإظهار الورع والتقوى، لا تقربا إلى الله، بل إلى الناخبين. فى انتخابات مجلس الشعب الماضية، والتى جرت فى أكتوبر 2005، كانت أيام رمضان ولياليه أسخن أيام الحملات الانتخابية، تبارى المرشحون على اختلاف انتماءاتهم فى استغلال الشهر الكريم فى الدعاية، بدءا من شنط رمضان، تحمل شعارات الحزب الوطنى والإخوان المسلمين، باعتبارها من أعمال الخير والبر، وحتى طباعة الإمساكيات الرمضانية وتوزيعها على أهالى دوائرهم، ولم ينس المرشحون أن يكتبوا عليها أسماءهم وصفاتهم الانتخابية سواء (فئات أو عمال). أما لافتات التهنئة بحلول الشهر الكريم، فهى الوسيلة الأسهل والأشهر، يتنافس المرشحون فى تعليقها، ابتغاء مرضات الناخبين، وبعضهم كان يكتب اسمه بخط عريض وكبير يملأ اللافتة ويكتب التهنئة بخط صغير لا يكاد يظهر بجانب اسمه. ولأن كل يوم فى رمضان 2005 كان يقرب المرشحين من اللحظات الحاسمة، حيث جرت الانتخابات بعد نهاية رمضان بأيام قليلة، فقد كان السباق الانتخابى يشتد كلما مر يوم من أيام الشهر الكريم، فكان من المرشحين من لجأ لأداء التراويح كل يوم فى مسجد داخل دائرته، مصطحبا معه فريق حملته الانتخابية، ثم يسلم على المصلين بعد انتهاء الصلاة فردا فردا. ومنهم من أقام موائد الرحمن، دون أن ينسى رفع لافتة كبيرة تذكر الفقراء وعابرى السبيل ممن تناولوا لقيمات على المائدة أنهم أكلوا من فضل النائب فلان، أو المرشح علان. عدد كبير من الدوائر شهد صراعا بين المرشحين على أماكن تعليق لافتات التهنئة برمضان، وعلى اختيار المساجد التى يصلون فيها العشاء والتروايح، وقد يلتقى اثنان منهم فى مسجد، فلا يتبادلان السلام. الجديد فى رمضان 2010، أن بعض المرشحين وضعوا صورهم على الشنط الرمضانية التى وزعوها على الفقراء والمساكين، وبعضهم أقام موائد الرحمن معلقا عليها صورة كبيرة تذكر الفقراء بمرشحهم، ويقترب عدد موائد الرحمن التى أقامها مرشحون للانتخابات المقبلة من 1500 مائدة. نواب الإخوان بدورهم وزعوا شنطا رمضانية، وبعضهم اعتمد طريقة الsms، بعد إعداد قائمة بتليفونات من لهم حق التصويت فى الدائرة، وتحتوى الرسالة على تهنئة بحلول رمضان واسم النائب، وهناك نوعية أخرى من الرسائل بدأ نواب المعارضة والإخوان والمستقلون فى إرسالها لأهالى دوائرهم مع بداية شهر رمضان، وهذه رسائل انتخابية صريحة وواضحة تدعوهم إلى المشاركة فى التغيير، بينما يلجأ نواب فى الحزب الوطنى إلى كبار الدعاة وقارئى القرآن ليصلوا التراويح فى دوائرهم، ومن أشهرهم محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة فى مجلس الشعب الذى يدعو الشيخ محمد جبريل كل رمضان ليصلى التراويح فى الثلاث ليالى الأولى من رمضان بمجمع الاستقامة بالجيزة كنوع من الدعاية الانتخابية. ومع أن باب الدعاية الانتخابية لم يفتح رسميا حتى الآن، ورغم الهجوم التقليدى من رجال الحزب الوطنى على الإخوان لأنهم «يخلطون بين السياسة والدين»، إلا أن الجميع يستغل رمضان استغلالا سياسيا. ويذكر أن الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أفتى بأن استغلال موائد الرحمن فى الدعاية الانتخابية «نوع من الرياء يبطل الصدقة ولا يثاب عليه صاحبها».